طيوب المراجعات

“ثورة فبراير في الأدب الليبي” للأستاذ يونس الفنادي

ليبيا المستقبل

باستهلال توثيقي لأهمية وتاريخ القصة الليبية القصيرة ومساهمتها في إذكاء الروح المعنوية من خلال نصوصها الابداعية المتعددة ودورها في رفع الهمم والعزائم أثناء مجريات ثورة فبراير في ليبيا، يقدم الأديب يونس الفنادي قراءة في عشرة قصص قصيرة كتبتها المحامية عزة كامل المقهور أثناء تفجر ثورة فبراير كنماذج للدور الذي أسهم به الأديب الليبي في مسيرة ذاك الحراك الشعبي وتطوراته التي أثمرت نتائجه باسقاط نظام القذافي.
(ثورة فبراير في الأدب الليبي… قصص عزة كامل المقهور نموذجاً) هو الكتاب الصادر عن وزارة الثقافة والمجتمع المدني للأستاذ يونس شعبان الفنادي، وقد جاء في قسمين هما (ثورة فبراير في الادب الليبي) واحتوى على استهلال، واحصائية قصصية، وقصص تعانق الثورة، وقراءات في النصوص القصصية للمحامية التي جاءت عناوينها: فاطمة، يانا علي، فشلوم، يادج، قناديل البحر، شجرة الزيتون، ربيع الزاوية، شارع الصريم، أولاد السوق، ميدان الشهداء، والخاتمة. أما القسم الثاني فقد تضمن (نصوص القصص كما نشرت على شبكة الانترنت لأول مرة) وهو ما يوفره لغيره من المهتمين بمراجعة نصوص القصص ذاتها ومقارنتها بتحليلاته، متيحاً لهم المساهمة في قراءة نقدية إضافية أخرى بصوت قد يكون مختلفاً عن صوته.

غلاف كتاب_ثورة فبراير في الأدب الليبي
وحول هذه العشرية القصصية للمحامية عزة المقهور يقول الأستاذ يونس الفنادي في تحليله كما أورده بالكتاب (… سخرت الكاتبة كل أدواتها التقنية واللغوية والموضوعية لإحكام السيطرة على مقدماتها واستهلالاتها، وهي المدخل الرئيس لكل قصة، فجاءت قوية ممهدة لاستقبال أحداثها. كما تشكل الإطار البنيوي لهذه القصص وتركيبها الداخلي والخارجي بتوافق كبير، مبرزاً عدم حيادية مضمون هذه النصوص، ومعلناً صراحةً انحيازها إلى مبادئ وأهداف ثورة 17 فبراير. وقد اتسم شكل الهيكل أو البناء العام للقصص بالاستهلال والمدخل من خلال تقديم بسيط للتعريف بالمكان الجغرافي واستعراض أوصافه ومعالمه بمقدمة بليغة جداً في مفرداتها وذاكرتها التاريخية الزاخرة بالمعالم والتفاصيل الدقيقة التي تنقل القارئ إلى بيئة النص وأرض الحدث بهوية المكان وروحه ومعالمه وطقوسه وتاريخه، أو التعريف ببطل القصة وشخصيتها المحورية.
ثم تولت الكاتبة حبك سرد القصص مستخدمة تقنية صوت الراوي التي تعتبر من أقدم التقنيات توظيفاً في فن الحكي والقص، وتتكون من ثلاثة عناصر هي الراوي والمروي والمروى له. وحتى وإن كانت هذه التقنية تجعل الراوي يختبئ أو يتخفى وراءها إلا أن البعض يرى أن صوت الراوي يعد أكثر حميمية وتفاعلاً وتأثيراً في القارئ وذلك لجدارته بالغوص في أعماق الذات الإنسانية والتوغل فيها لتفجير مشاعرها وأحاسيسها المختلفة.

وقد حافظت القاصة خلال آلية سردها على تقاربها وتماسكها متسمة باستبعاد الخيال وغيابه عن نصوصها كلياً والانحياز إلى نقل تفاصيل الواقع اليومي بكل سلاسة وبساطة العبارة وعمق الدلالة وجمالها التعبيري ولغتها الواثقة الغزيرة بمفرداتها وثنايا معلوماتها الدقيقة وخصوصية أوصافها ومعالمها. كل ذلك جعل القصص تسعى إلى قارئها بكل أريحية وهدوء فترفع وتيرة ودرجة تشويقه إلى مجريات الحدث موضوع القصة وتستجيب لفضوله وترقبه وملاحقته لدقائق تفاصيلها. كما أنها في جوانب أخرى كثيرة، تلهب مشاعره وعواطفه وانحياز عقله وتفكيره إلى جانب الحق ضد الباطل. كل ذلك جعل المتلقي لا يجد صعوبة كبيرة في اكتشاف أسرار العمل القصصي الذي يطالعه، لأن الراوية كاتبة القصة استطاعت بأسلوبها وثراء قاموسها اللغوي أن تبرز له بعض خبايا النص، وتسلمه في بعض جزئياته لصهوة خياله الشخصي ليطلق عنانه مشاركاً في أحداثه وفاعلياته ومستشرفاً صيرورته الآتية مستبقاً سطور القصة، ذلك لأنه حتى وإن كانت الكاتبة نفسها لم تصنع أحداث القصص إلا أنها ليست غريبة عن وقائعها وبالتالي فقد اندمجت فيها بشكل إنساني ووطني، وشاركت بإمكانياتها الإبداعية في تطوراتها معلنة بصوت جهوري أنها تحمل في ذاتها وفكرها وأعماقها كل الرؤى والأحلام والآمال والتطلعات التي تنادي بها نصوصها. إنها ثائرة مع الثوار في جبهة تختلف، وضحية من ضحايا النظام في موقع مغاير، ولذلك كان من الضروري أن تنحاز نصوصها إلى ذاتها ولتكون طرفاً إيجابياً فاعلاً في الحدث مؤكدة العلاقة الإيجابية بين النص ومبدعه، والحدث وصانعه.

لقد عانقت الكاتبة في قصصها جغرافية ليبيا عامة ولم تختصر الوطن في قبيلة واحدة أو مدينة معينة بل طافت بنصوصها أرجاء البلاد مستلهمة من وقائعها وأحداثها وشخصياتها المعلنة الصريحة بملامحها أو المحورة بشيء من الترميز حكايات بطولة مشرفة نقلت وتوزعت صورها من بنغازي ومصراته والزاوية وطرابلس وجبل نفوسه فكانت دلالة على الوعي الوطني المؤكد بأن شعارات ثورة 17 فبراير (لا شرقية ولا غربية .. ليبيا وحدة وطنية) تستوطن فكر وقلوب كل الليبيين. كما استعارت الكاتبة كلمات وعبارات ونداءات من اللغة الأمازيغية فاختارت (يادج) المرادفة لكلمة (الأم) في اللغة العربية، وضمنتها عنواناً لإحدى القصص التي توثق مشاعر الأمومة والتضحية من أجل الوطن، ولم يقتصر هذا النقل على العنوان فقط بل تعداه إلى صياغة الحوار الوحيد في قصصها ببعض مفردات اللغة الأمازيغية لسان أهالي جبل نفوسة الأشم، وهذا دليل على انفتاح القاصة على الثقافات الوطنية الأخرى والتواصل معها بالاقتباس أو الإشارة، في ظل ثورة فبراير التي حققت هذه الحرية وأطلقت الأجواء الإبداعية إيماناً منها بالثروة الثقافية التي تثريها التعددية الإبداعية…).
ألف مبروك لكل من الأستاذ يونس الفنادي والمحامية عزة المقهور هذا الإصدار الذي يضيف قراءة نقدية بارعة للمشهد القصصي والأدبي الليبي.

 

مقالات ذات علاقة

“الأطياف الناطقة”.. رواية جديدة تنظم لقائمة السرد النسوي الليبي

المشرف العام

إضاءات حول .. ديوان تباريح

زهرة سليمان أوشن

مقدمة كتابات ليبية

إبتسام صفر

اترك تعليق