طفح الكيل.. وبلغ السيل الزبى.. عبارات كانت تتسرب منها بينما كانت تنهض قبيل كل فجر، متأرقة جراء ما يتسرب إليها من شريط الذكريات المؤلم التي عاشت أحداثه طيلة الأربعين عام الفائتة، هذه الذكريات صارت تتسبب لها بالصداع المزمن.
.. لا لم تفلح وصفات كل الأطباء في إنهاء حالتها المرضية تلك، فهي قلقة على الدوام مهمومة حزينة واجمة كثيرة التفكير قليلة الكلام.
.. (فوزية) تلك الفتاة الرائعة والتي كانت تتوسط اخواتها (سعاد، نورية، حليمة، زينوبة). والتي كانت الأقرب الي أخويها (خالد) و(خميس). رحلوا جميعهم جراء حوادث أليمة، (خميس) مات مخنوقا بحبل حين كان يتدرب ضمن فرقة الضفادع البشرية!!
.. لا لا لم يكن الأمر قضاء وقدر، فقد شككت في الأمر!
لقد كان (خالد) يقف بالمرصاد لكل من كان يحاول ابتزاز وجرجرة شقيقاتي الي احتفالات مشبوهة تقام في المزارع الليلية، في ضواحي المدينة، كان يقف كحجر عثر لتاجر المخدرات (سليمان).. أعتقد أنه هو من دبر قتله.
هكذا كانت تردد في قرارة نفسها حين تستذكره لحزن شديد.
فـ(سليمان) مجرم لا تطاله ايادي العدالة وهو مصدر ارهاب لي ولشقيقاتي الأربعة
. (خميس) الصغير، أصبح دائم العزلة بعد رحيل(خالد)، لم يستطع فعل شيء تجاهنا، لم يعد يطيق أحد.. أنكب على حفظ المصحف الشريف.. أهمل نفسه.. كبرت لحيته.. أحدهم وشي به واصفا اياه بأنه متطرف زنديق، أخذوه هو الأخر، ولم نستطع الوصول اليه، فوالدي مات بسكتة قلبية جراء حزنه علي موت (خالد) ثم تأزم أكثر فور سجن (خميس).
.. ذات ليلة اذاع التلفاز خبر مقتل ١٢٠٠ سجين داخل اسوار السجن، أيقنت قبل بقية الأسرة التعيسة أن (خميس) كان ضمن المقتولين.
ماتت أمي هي الأخرى فور سماعها بالخبر، لم يكتفي القدر بفقدان بصرها حزنا علي موت (خالد) ثم والدي، وها هو قلبها الضعيف لم يستطع التحمل كل هذا المصاب الجلل.
كنا اسرة سعيدة الي أن تفطن المجرمون لجمال شقيقاتي، بدأوا يرسلون الينا لنقابلهم من وراء ابونا الطيب وشقيقاي المغدورين.
رفضنا الابتزاز كثيرا، حتى أن (نورية) شنقت نفسها، ثم (سعاد) تجرعت لهج للكلاب اشترته من صيدلية بيطرية خصيصا لتنتحر به.
(زينوبة) دهستها سيارة بسرعة جنونية عندما خرجت من مكتب المحامي العام بعد أن سلمت شكوى ضد تاجر المخدرات (سليمان) لمدير مكتبه.
(حليمة)… جنت.. فقدت عقلها.. تضاءل جسمها.. أصابها الهزال، لم تتحمل الجوع المستمر. رحلت في صمت فطيسة.
وها انا ينتابني الأرق في بيت من الذكريات التعيسة احاول أن أجد حلا لهذا الصداع المزمن، قاومت كثيرا فكرة قطع شرايين في يدي بهذه السكينة الحادة ونجحت في المقاومة، لكني هذه الليلة اتخذت القرار
وها أنا اشهد أن لا الله إلا الله وأن محمدا رسول الله
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
إثر هذه الكلمات انفجر الدماء من يدها وسقطت تتخبط إلى أن انتهت ميتة.
من مخطوط: أحضروا لي صاحب الخط الجميل