فارس سالم برطوع
على الدرب نفسه الذي امتشقني مراهقاً، وبرغبة صباحية خلت أني فقدتها، فما عاد هذا الإحساس وفياً لطريق يعرفه، ودروب- رغم ضيقها، وقسوتها- تستوعبه.
الحنين فقط ظل يسير بالاتجاه نفسه للمسار القديم، رغم اختلاف الزمن، وقسوة المحن، وآثار الواقع الذي أخرس الشعارات النبيلة، وصدق الوداد سجنَ المشاعر الرقيقة بتهمة أنها كذبة، و أن الحب المكبوت كالبركان، ليس لهذا الزمن..
توهجت رغبة العودة للحلم، تردد بداخلي صوت أغنية الساهر (فرشت رمل البحر ونامت وتغطت بالشمس وصارت مثل النار أعصابي امتى الحلوة تحس؟) متمردة على الواقع تفتح جناح السكينة للمدى الشعري، تحملني برفق صوب أزقة (الجبيلة)، ونواصيها التي لم تعد كما كانت، والتي تعرف حينما أجوبها أن حالة الكتابة تستدعيني بعد نضوب طويل، لم تقتادني خطواتي هذه المرة الى مقهى (البياصة)، وسوق (الظلام) التي دفعت ضريبة فشل الثورة المسلحة بالتلاشي… هنالك في المقهى الجديد علي أطراف ما تبقى من ذكريات المغار، نسيت أني كنت قد توقفت عن الكتابة لعدة أسباب، ولم أعد أستطيع أن أهرب إلى قلمي مثلما كنت أفعل، ربما ما عدت أستوعب ما يحدث حولي من واقع، هو أقرب لخدعة سرقت كل أمنيات العمر، أجبرتنا الاعتقاد أنه لا يحق لنا أن نحلم، لست أبرر العجز، و أنما أريد استرجاع الحلم من القتل، من الحرب، من الدم، من المال المسروق، و الجهل من كل ما يقتل الأمل..
بهدوء غادرت المقهى ملفعاً بوحدتي الاختيارية، وجحفل حنين يقتادني للمسار المفقود، و للدرب القديم نفسه، و لأصوات ما عادت كما كانت، لكنها ظلت تهمس لي بعبارتي المفضلة لـ”مارثن لوثر كينج”: أنا أمتلك حلماً.