حوارات

نجلاء شوكت..هويّتنا التراثية يجب أن يعاد إصدارها من مبدأ التجديد

حاورها / مهنّد سليمان

الفنانة التشكيلية ” نجلاء شوكت “

تلمسها أمامك بمفردات اللغة وسطوة الوضوح ترقص على إيقاع الألوان، الفرشاة ميزانها لتدلق بوحها الطازج، يكفيها شرود الفكرة عن قفص الاتهام لتُهدي انفجارا يُهدئ من روع الانفجارات، فلن تُرى القصيدة في بحر الحكاية إلا بضرورة الاعتراف بطغيان حضورها لتمضي في عالمها إلى مآل غرقك دونما اكتراث في احتمال النجاة.
نجلاء شوكت فنانة استطاعت أن تتبوّأ منزلة بارزة داخل المشهد التشكيلي في بلادنا، سلاحها خيال يُخصّبه الأمل ويصقله الألم وأدواتها أنامل تُبللها أحلام الغد والتوق نحو عالم أكثر احتمالاً…تُوقظ الصباح من عتمته لتقول للعالم ثمة شيء ما يستحق أن نحتمل الحياة لأجله، ومتى ما واجهنا مرآتنا سنكتشف أن هذا الشيء ضوء تكتظ به ذواتنا …
إذًا في البدء سنكون ليكون العالم
وفي البدء نخوض هذا الحديث الشفّاف مع فنانتنا.

لوحاتك الإبداعية تُوحي للمتلقي أنك تترجمين قسوة الواقع بشهية جمالية تجعل من يرتكب التوحش ويدق طبول الحرب يصطدم ببشاعته في المرآة، برأيك إلى أي مدى ينجح الفنان التشكيلي في إبراز مواطن الضعف والهشاشة لدى عمقه المجتمعي؟
سؤالك ذكرني بالرسالة الأخلاقية في لوحة الفنان جاك لوي دافيد “موت سقراط”، التي كانت صرخة أراد أن يوصلها للفرنسيين قبل ثورتهم، مستلهما بساطة الإغريق في نحت الأجساد القوية الحادة، المشهد برمته حرك وجدان العالم كله وهذه هي الطلقة التي لا ترد، وعلى الفنان أن يستخدمها بذكاء وسينجح بالإصرار، دون قمع مشاعره الداخلية الحقيقة، فالفن سلاح خطير؛ وسلاحي في ألواني أصابعي ووقتي المهدور لكنني لا أضمن لك أنهم سيصطدمون ببشاعتهم في مرآتهم، أو أنهم يتابعون أشكال الفنون، ولا أقول إنني مدينة لهم لأنهم جعلوني أعيش داخل مدينة تتصارع يوميا بأبشع أنواع الأسلحة لأرسم المعاناة بكل قبحها، برصد شبح الموت والنزوح والهجرة، مع أن هذا يحرض على الاستمرار ومقاومة كل أنواع القمع والقبح.
وتتابع الفنانة نجلاء: الخلاص من الهشاشة المترسبة في داخل عمق المجتمع، هو في الانفتاح الاجتماعي عبر الآخرين، أو علاقة عشق جديدة مع الحياة، ربما يسمى الجنون، الوعي، وهو الرسم منطلق الحكاية الذي يترك أثرا .البعد الروحي، كما فعل أدويسيوس المحارب.
توظفين البُعد الفلكلوري والتراثي في لوحاتك هل يُغريكِ الحنين لذاك الأمس البعيد؟ أم أنكِ تتطلعين لتغيير مسار حكاية تكونين أنتِ فيها؟
قصة الفلكلور، التراث، الأصالة الهوية المحلية، يجب أن يعاد إصدارها من مبدأ التجديد بشكل استحقاقي حتى لا يضيع وينسى إعادة لحمتها.
أنا أتعمد أن أحدث نقلة جديدة تغير مفهوم الهوية والتراث بشكل يناسب الأجيال الجديدة بدون تشخيص خاص بي أو ميزة أنفرد بها لنفسي، بل للكل يجب أن يتخذوا مبدأ أرشفة ذاكرة بصرية تساهم في إحداث حضارة كونية نورانية، بناء إيقاع متحرر من الواقعية وصولاً لحداثة أيقونية كوسيلة للخروج من المألوف المكرر أو المقلد سابقا، أي إلى وعي نصل به لنقطة روحانية صوفية صافية في الرؤيا تفاعل عناصر تاريخية جمالية بقوة وبحذق وبشكل جميل وكرمز معين يكون مرشدا كنظام كوني.

كيف ترين واقع حركة الفن التشكيلي في ليبيا؟
واقع الفن التشكيلي الليبي سابقاً وحاليا برؤيتي المتواضعة، يسير في مسارات متقطعة على مدارات متعاقبة، ففي القرن الماضي برزت حداثة الرواد التي كانت ترغب في التجديد ومواكبة العالم، إنها مغامرة تحترم في ذاتها أحلام تأجلت كثيراً وتوقفت عن حد دون انتزاع المزيد من خلق حركة أو مدرسة ما،
الآن المناخ الإبداعي غير محموم بالدرجة المطلوبة لمواجهة صدق الفعل، نهايات من سبقونا مفتوحة، ونحن نكمل مسيرة الامتداد غير المكتمل بإرادة الفعل، ويجب ان تتكشف برواية أو حكاية على أسس إدراكية فلسفية بدلا من ثورة تقلد الغرب وتشوش على بصمتنا الخاصة، سقطتنا هي في مأزق الحواجز والتهميش المتعمد، وتسيس ما بعد الحداثة باستسهال الفكر الميتافيزيقي استعراضياً.
الواقع التشكيلي حالياً في سياق التغير ولا نفهم ما هو المطلوب من الفنان أن يقدمه على محمل الجد، خاصة أن انخراط النقاد في تفسير إنجازات محدودة دون التعمق في سبر الأعماق في المشهد التشكيلي لأن هناك انفصال بين النخبة المثقفة والهواة الجدد، نحن الآن في زمن الحروب وعلينا أن نعمل بشكل جماعي لإبراز مشهد جديد في التشكيل وهذه فرصتنا الوحيدة.

الأحلام تفتح الأبواب للوقت فيتذكر الوطن أن له القدرة على التحرر من أسره، هل تراقبين نمو حُلمك في ذاكرة أيامك؟ أم ربما تتركين الوقت على سجيّته فيقودك وفق توقيته؟
سؤالك مهم، وجميل أن نفكر بهذه الطريقة، الوقت عندي كالقارب الفارغ الشفاف الذي يبحر وحده وأنا داخله دون تجديف، “خلو سبيل الناقة فإنها مأمورة.”
الاشتباك بالحلم في الأعماق.. أزرع التشابك والفراغ في شوارع اللوحة.. أعبث بالأحمر والأزرق على مفارق القلب، أحاول تفكيك التجمد والتأثر من الخارج، طبيعة القدرة والإدراك داخلياً المرور من الباب الضيق ليس سهلا والثمن غالي غالباً.

هنالك فجوة يزداد حجم اتساعها بين الفنان التشكيلي والجمهور تُبقي الفنان معزولاً عن الجمهور، والجمهور بعيدًا عن التفاعل الحيّ، مَن في تقديرك المسؤول عن واقع هذا الحال وهل من الضروري أن يُخاطب الفنان التشكيلي كل شرائح المجتمع؟

المسؤول هو تنين بداخله الخوف والأنا مثلا ما يريده، ما يستطيع أن يفعله، هذا ما يكبت ويعزل ويقتل إرادة الفعل ويقول لا أستطيع أن أفعل هذا وذاك، لذا قبل مخاطبة الجميع يخاطب نفسه يسمع لغة نفسه أولا ويخاطب كل الأصناف لا يبقى في برجه العاجي أو في جزيرة روبنسون كروزو، التواصل ضروري مع العالم من حولنا بعلاقة تأكيدية بمفردات كلامية جديدة مختلفة عن المألوف عكس ما يتداوله الناس في المقاهي والمدارس وغيرها، نمط حواري كالسفر خارج النفس، نسرق النار مثل بروميثيوس من أجل العالم كله، لكن المفارقة هنا هي في مجتمعنا المنعزل.

هل الفنون لجوء ضروري يُحقق تعويضًا لصاحبه حين يعجز عن تحقيقه على مسافة الواقع؟
هي أكثر من تعويض أو لجوء، مسافة الواقع عندي زاوية ناعمة… ضوء متقن، معالجة قضايا، تلاعب باللون أكثر من فكر فلسفي أيضا، هي تجسيد أسطورة يلعب دورها الفنان ذاته، هي التي تشكل مادة الأطروحة، الميثولوجيا تعيد نفسها وليس التاريخ، تبدأ بحلم هكذا تتكلم اللوحة ولا تبدأ بمأساة مثل التراجيديا الإغريقية، ترجع صدى الروح، قصة مروية بصورة مثيرة متجهة اتجاهين الحقيقة وإبداع خيالي يتجاوز الزمان والمكان في النهاية أنا مضطرة إلى متابعة الطريق، حسمت أمري للمتابعة بعيداً عن المتاهات الخارجية.

مقالات ذات علاقة

فسانيا تحاور القاص الأديب :: محمد المسلاتي

حنان كابو

حوار مع الدكتورة أولوين بروغان عاشقة الآثار في قرزة

علي مصطفى المصراتي

سمية الطرابلسي : في الشعر أجد ذاتي الحقيقية

مهند سليمان

اترك تعليق