الجزء الثالث: دراسة لقصة بطاقة زفاف مثيرة للشفقة
(دراسة لبعد لقصة الاجتماعي وبناء حكايتها وتقنيات السرد فيها)
1.3 الجانب الاجتماعي في قصة رسالة زفاف مثيرة للشفقة:
– أولا. حكاية القصة
تحكي قصة بطاقة زفاف مثيرة للشفقة قصة فتاة تنتظر صديقتها المقربة/ بنت عمها طالبة الطب، وقبل وصول بنت العم تصلها وأختها نادين دعوة لحضور حفل زفاف فتاة صغيرة من جيرانهم، القصة ذات بعد اجتماعي خالص، حيث يتم فيها مناقشة قضية زواج الكبار من فتيات صغيرات، الفتاة التي سيتم تزويجها صغيرة العمر (قاصر) وأخذت الشخصية الرئيسية تناقش الموضوع مع أختها نادين. تقدم القصة من زاوية نظر الفتاتين ورؤيتهما في زواج الفتاة القاصر من رجل كبير في السن، وهو مطلق سابق، ونعرف أنه قد قام بتطليقها في نهاية القصة؛ حيث نتابع قصة شهد بعد سنتين لنجدها مطلقة ترعى طفلها الرضيع.
ثانيا. البعد الاجتماعي في القصة
القصة بهذا الشكل تصوير لحالة زواج غير متوازن من عين شخصيات أخرى، رغم أن القصة تحكي عن قضية اجتماعية إلا أن حسن تصوير الراوي وقدرته على نقل مشاعر الفتيات المشمئزات من هذا الفعل، وهن فتيات على قدر من التعليم والوعي جعل من تلك الرؤية تخرج الموضوع الاجتماعي للقصة إلى أفق أفضل.
نلحظ أن العادات والتقاليد السيئة كانت هي مادة القصة كلها في القصة التالية: بطاقة زفاف مثيرة للشفقة، التي كان تأثير العادات والتقاليد السيئة فيها واضحا ومؤثرا على حياة الشخصية وكان مدمرا. القضية كانت تطرح من زاوية رافضة لها، وهي رؤية فتاتين على مستوى من التعليم ويريا الموضوع بعين الرفض، كما أن نتائج هذا الزواج غير المتوازن قدمت في آخر القصة حيث الفتاة الصغيرة تعيش مطلقة مع طفلها بعد أن عادت من بيت الزوج كبير السن.
2.3 بناء الحكاية:
نتابع عنصرين مهمين من عناصر بناء الحكاية هنا، هما عنصر الشخصيات، عنصر الأحداث.
أولا. الشخصيات:
بنيت قصة بطاقة زفاف مثيرة للشفقة من مكونين من الشخصيات الرابط بينهما كان هو دعوة الزفاف أو بطاقة الزفاف، هذين المكونين حققا وجود مجتمعين مختلفين: مجتمع منفتح متطور مكون من: أخت حنان، وحنان، وبنت عمهما آية، المجتمع الثاني مجتمع عائلة الفتاة التي سيتم تزويجها غصبا عنها، وهي طفلة.
المكون الأول:
الفتاة (بطلة القصة) وأختها نادين وأبنة عمها آية طالبة الطب، وكل من حولها من أسرتها.
المكون الثاني: شهد وأبوها العم عمر(صاحب الكوشة) وزوجه المطلق السابق.
رسم الراوي التناقض بين المجتمعين وهو يضعنا في البداية في المجتمع الأول المكون من شخصيات ذات علم ومعرفة ثم يرسم أمامنا طبيعة تلقي ذلك المجتمع الأول لقصة زواج القاصر في المجتمع الثاني، لنتابع كيف قدم شخصيات المجموعة الأولى:
“(أ) … في يدي هاتفي المحمول ، داخل الشبكة العنكبوتية وتحديداً ((الماسنجر)) (ب) : (وتي سفرة القهوة شوية و نوصل) . لطالما انتظرت هذه الرسالة بضعة أشهر ، الانتظار المبرح ضريبةً يجب أن تدفعها عندما يكون أقرب الأشخاص إلى قلبك ” طالب طب “
كانت الرسالة من ( آية ) إبنة عمي و شقيقتي بالمشاعر. نهضت بعد دقائق من الكنبة التي تتوسط صالة المنزل متجهة للمطبخ ؛ لأحضّر فنجانين من القهوة …
(ت) نادين نحسبك معانا في فنجان قهوة أنا و آية!!
يصلني صوتها : ( لالا ، أكيد ح نقعد نشوفلكم ونتعلم كيف يشربوا في القهوة )، أردفت نادين بلهجةٍ تشوبها السخرية“.
في (أ) تابعنا كيف قدم الراوي/ على لسان الشخصية ما يحدث، فنحن أمام فتاة تستخدم النقال وتتواصل بالماسنجر وتحسن تصور الأشياء التعبير عنها، وقدم لنا في (ب) بنت عمها طالبة الطب (آية)، ثم نتعرف على أختها نادين في (ت) وكلها شخصيات مرحة لها حضورها الشخصي والقدرة على التصرف. بينما نتابع في المقطع التالي كيف تمّ التعريف بالطفلة آية:
“أذكرها تماماً، فمنذ أشهر قليلةٍ مضت، وتحديداً في زفة ابنة عمها،؛ كانت تحمل مُصحفًا، وإكليلاً من الياسمين يطوق شعرها الذي ينسدل على كتفيها، ونظراتها البريئة كطفلة ملائكية، واليوم هي العروس التي ستزف إلى بيت زوجها“.
بينما هنا نتابع صورة المجموعة الثانية من الشخصيات من خلال رؤية المجموعة الأولى لهم:
“ذُهلت، وباتت علامات التعجب منحوتة على وجهي.
شهد ابنة الجيران التي لا زالت تدرس في المرحلة الأساسية، وتبلغ من العمر أربعة عشر ربيعاً ونيف، طفلة قاصر غير مؤهلة للزواج ولا حتى لمسؤولية نفسها..
كيف لوالديها أن يفعلا جريمة كهذه!!“.
شخصية الزوج: نضع هذا المقطع بخصوص الزوج:
“ما هما الا ساعتين ، وأتى زوجها، لـِيزُفان على أسماء الله الحسنى.
زوج بعمر والدها!!“.
وهنا رؤية الفتاة للوالدين الذين زوجا بنتهما القاصر لرجل مطلق في عمر الوالد:
“… كيف لوالديها أن يفعلا جريمة كهذه!!
قبحكم الله يا جهلة…”.
ثانيا. الأحداث الرئيسية في القصة
هناك في هذه القصة أربعة أحداث رئيسية هي كما يلي:
1. حدث زيارة آية بنت عمها.
2. حدث تزويج القاصر (شهد) من رجل مطلق.
3. حدث ذهاب الفتاة وأهلها إلى عرس شهد.
4. حدث طلاق شهد وعودتها إلى بيت أهلها مع طفلة تربيها.
لنتابع كيف كان انفعال الشخصيات مع تلك الأحداث، حيث نجح الراوي في إبراز انفعال الشخصيات مع هذا الحدث:
1. حدث زيارة آية لصديقتها
نضع فيما يلي المقطع الأول في القصة الذي نتعرف فيه على زيارة بنت العم (آية) لأبنة عمها ويتم بذلك رسم هذا الجزء من الشخصيات:
“(أ) في مثل هذا اليوم قبل سنتين ….
(ب) أتململ على فراشي في غرفتي، فصل الخريف باهت كلون أوراقه المتساقطة من الأشجار، كل شيءٍ منطفئ في هذا الفصل، أجرّ قدماي بالكاد لصالة المنزل….
(ت) في يدي هاتفي المحمول ، داخل الشبكة العنكبوتية وتحديداً ((الماسنجر)) : (وتي سفرة القهوة شوية و نوصل) . (ث) لطالما انتظرت هذه الرسالة بضعة أشهر، الانتظار المبرح ضريبةً يجب أن تدفعها عندما يكون أقرب الأشخاص إلى قلبك ” طالب طب “. كانت الرسالة من ( آية) إبنة عمي و شقيقتي بالمشاعر.
(ج) نهضت بعد دقائق من الكنبة التي تتوسط صالة المنزل متجهة للمطبخ ؛ لأحضّر فنجانين من القهوة …
نادين نحسبك معانا في فنجان قهوة أنا و آية!!
يصلني صوتها : ( لالا ، أكيد ح نقعد نشوفلكم ونتعلم كيف يشربوا في القهوة )، أردفت نادين بلهجةٍ تشوبها السخرية”.
بدأ الراوي القصة كما نتابع في مقطع (أ) من خلال تحديد نقطة زمنية حالية والاسترجاع زمنيا بالعودة إلى سنتين قبل اللحظة الحالية، الراوي على لسان الشخصية في (ب) بصور وضعها النفسي من خلال طبيعة الطقس في الخريف، بينما في (ت) يحدث تحريك للأحداث، فالفتاة ستقابل بنت عمها (آية) طالبة الطب وتشرح لنا عن سبب طول انتظارها لبنت عمها فهي طالبة طب.، نجد التواتر في حديث الفتاة التي تنتظر بنت عمها في (ث) فهي قد تواتر انتظارها لهذه الرسالة من الصديقة المحببة بنت العم لعدة أشهر، ثم في (ج) تابعنا طبيعة التفاعل بينها وبين أختها نادين وحجم المودة بينهما وبين بنت عمهما (آية).
2. حدث خبر تزويج شهد القاصر من وعي الشخصيات
للمزيد من إبراز سوء الفعل الذي تمّ رصده في العنوان نتابع في المقطع التالي كيفية تلقي الفتاة المتكلمة للخبر ليضعنا القاص في المزيد من إبراز سوء الفعل دون الوقوع في المباشرة، ولكن من خلال رصد انفعالات الشخصيات تجاه الموضوع الحاصل:
“(أ) لم أكمل البطاقة التي بدأت في قراءة كلماتها للتو ولم يصاحبني الفضول لتكملة بقيتها من الأساس…
(ب) جزمت بيني وبين نفسي أنها تمزح: ‘‘تبصري’’!.. قلت لها..
(ت) أمعنت النظر جيدا في الكلمات المكتوبة على البطاقة -رغماً عني- حتى وصلت لاسمها، فأيقنت أنه واقع!.
(ث) ذُهلت، (ج) وباتت علامات التعجب منحوتة على وجهي.
(ح) شهد ابنة الجيران التي لا زالت تدرس في المرحلة الأساسية، وتبلغ من العمر أربعة عشر ربيعاً ونيف، طفلة قاصر غير مؤهلة للزواج ولا حتى لمسؤولية نفسها..
(خ) كيف لوالديها أن يفعلا جريمة كهذه!!
(د) قبحكم الله يا جهلة… “
في (أ) تبرز لنا الفتاة المتكلمة موقفها من الحدث بعد أن بدأت قراءة البطاقة، ثم في (ب) تكلم أختها باللهجة متسائلة إن اكان الأمر مزحة، ثم في (ت) نتابع المزيد من حالة الانشداه التي أصابتها وهي تقرأ البطاقة ثم نتابع في (ث) و(ج) حالتها بشكل غير مباشر؛ فهي قد وصفت الحالة التي تشعر بها في (ث)، ثم في (ج) ترسم صورة خارجية لوجهها يظهر حالة التعجب تلك عليه وقد بان على وجهها علامات التعجب، وهذه العلامات نحتت على الوجه نحتا.
ثم نجد طبيعة الأزمة في (ح) من خلال التعريف بالفتاة التي يريدون تزويجها. ثم نجد المتكلمة في (خ) تضيف تعريفا للفعل بكونه جريمة، ثم في (د) نجد للمزيد من إبراز التأفف والقرف من الفعل الخطاب المباشر لمن قام بهذا العمل والتقبيح له. لن نقوم بالتفصيل في الحدثين الثالث والرابع لأنهما متضمنين في باقي تحليل القصة.
3.3 بعض تقنيات السرد في القصة:
– أولا. اشتغال الزمن أداة لإبراز نتيجة الحدث غير السوي (الزمن على مستوى الخطاب):
هذا المقطع الأول في القصة يبدأ من الحاضر حيث الفتاة شهد مطلقة ومعها طفلة تربيها، ولكن الراوي لا يتوقف عند ذلك الحدث، وإنما يبدأ بإعادتنا للخلف زمن وصول بطاقة الدعوة لزواج شهد:
“(أ) في مثل هذا اليوم قبل سنتين ….
(ب) أتململ على فراشي في غرفتي، فصل الخريف باهت كلون أوراقه المتساقطة من الأشجار، كل شيءٍ منطفئ في هذا الفصل، أجرّ قدماي بالكاد لصالة المنزل. (…)
( (ت) تصدقي إنه عرس شهد بنت عمي عمر صاحب الكوشة اللي في راس الشارع !) تقول نادين. لم أكمل البطاقة التي بدأت في قراءة كلماتها للتو ولم يصاحبني الفضول لتكملة بقيتها من الأساس…”
تابعنا في المقطع السابق في (أ) الفتاة التي يسرد الراوي من وعيها وهي تحدثنا عن حدث حصل قبل سنتين، في (ب) وضع الفتاة قبل سنتين، ثم في (ت) الحدث الأهم وهو حدث زفاف بنت الجيران من رجل يكبرها كثيرا. بينما في المقطع التالي في نهاية القصة نتابع صورة نهائية للحاضر الأن بعد أن تمّ سرد كل ما حصل منذ سنتين:
“ربما اليوم بعد مرور ما يقارب السنتين من ذلك الحدث، ووجود شهد بمنزل أبيها مطلقة تنتحب ومعها طفلاً ترعاه، وتحمل اسم الطفلة الأم أيضاً، جديراً بأن تنقشع الغيمة على كل تساؤلاتي الصاخبة التي كان عقلي يلح لمعرفتها ذلك الوقت ولَم أجد لها تفسير“.
عاد بنا الراوي في المقطع السابق من السرد قبل سنتين إلى حاضر السرد عند لحظة الصفر التي بدأت منها القصة وذلك ليضعنا في الحصيلة النهائية لهذا الزواج البائس، فهو تقنيا قام بوضعنا في الحاضر (في البداية) ثم عاد للماضي في الجملة الأولى للقصة، وفي أخر مقطع منها عدنا إلى الزمن الحاضر.
– ثانيا. قدرة الراوي المميزة على رسم تصورات الشخصيات تركهم يرسمون أنفسهم ومواقفهم:
1. مقطع فيه موقف من قضية اجتماعية
نتابع في المقطع التالي كيف تمّ تنظيم السرد بحيث نجدنا في موقف الشخصية دون أن نجد أي سقوط في مستوى السرد على الرغم من صعوبة ذلك في الموضوعات التي تناقش قضايا اجتماعية:
“ (أ) أمعنت النظر جيدا في الكلمات المكتوبة على البطاقة -رغماً عني- حتى وصلت لاسمها، فأيقنت أنه واقع!. (ب) ذُهلت، وباتت علامات التعجب منحوتة على وجهي.
(ت) شهد ابنة الجيران التي لا زالت تدرس في المرحلة الأساسية، وتبلغ من العمر أربعة عشر ربيعاً ونيف، طفلة قاصر غير مؤهلة للزواج ولا حتى لمسؤولية نفسها..
(ث) كيف لوالديها أن يفعلا جريمة كهذه!!
(ج) قبحكم الله يا جهلة… “.
في (أ) يقوم الراوي بتصوير اندهاش الشخصية وهي تكاد لا تصدق الخبر، ثم في (ب) يسمح للشخصية أن تحكي لنا ما حصل لها فهي قد ذهلت، كما أن التعب ظاهر على وجهها، وهذا المقطع بالذات يجعل من الشخصية التي ستقدم رأيها في قضية اجتماعية شبه مفعول بها وليست فاعلة، فهي دون إرادة منها كانت تشمئز وتتعجب. بينما في (ت) يتم رسم حدود المأساة بالشرح المفصل وه تعبير عن حجم شعور الفتاة بوطأة الأزمة، ثم في (ث) تستخدم نهج الأسئلة في السرد لإبراز الاستغراب والاستنكار بشكل أكبر، ثم في (ج) نجد توجيهها حديثا مباشرا فيه تقبيح للوالدين الذين رضيا هذا الفعل. من تحليل المقطع السابق نجد أننا أمام سرد منظم لغرض وضعنا في إطار الأزمة وكذلك لكي نتصور حالة الشخصية صاحبة الموقف الرافض لهذا الفعل.
2. تصورات الشخصية من جديد وهي تدخلنا معها لخيالها
المقطع التالي ايضا نجدنا في تصورات الفتاة حول فرح شهد الصغيرة لنتابع المقطع التالي:
“ (أ) أسرح بخيالي..
(ب) يا ترى!.. ما الأسباب التي تجعل الآباء والأمهات يرمون أطفالهن في نفق لا مخرج له.. حيث كل الطرق مسدودة!.. تنتظرهن أعباء ومسؤوليات يصعب عليهن -على صغرهن- القيام بها في هذا السن.
(ت) وأيّاً كانت الأسباب، لا أجد أي مبرر وأي تصالح مع هذه الفكرة ..”
يبدأ المقطع في (ا) من خلال جملة أسرح بخيالي، التي تجعلنا نعلم أن ما سيأتي هو نقاش ذهني في خيال الفتاة التي تمثل الشخصية المركزية في القصة، بينما تقوم في (ب) باستخدام أسلوب السؤال لافحام كل من يفكر عكسها خاصة وهو استفهام عن حقيقة قائمة: وهي كون زواج القاصر نفق مظلم لا خروج منه. بينما في (ت) نتابع موقفها مؤكدا من خلال خيالها الذي دخلناه في (أ)؛ حيث تأخذ موقفا رافضا لأي تبرير لهذا الفعل.
3. الراوي يعطي الشخصية الفرصة لترسم ذاتها امام المروي لهم
في المقطع التالي يبرز الراوي موقف الشخصية من خلال جزمها الواهم وكذلك من خلال ما تقوله لأختها نادين بأن هذا الخبر هو مجرد مزاح (بصارة).
“جزمت بيني وبين نفسي أنها تمزح: ‘‘تبصري’’!.. قلت لها.. “
ثالثا. أساليب سردية مميزة:
استخدم الراوي عديد الأساليب السردية المميزة لجعل ما يتم سرده يبدو واقعيا ولوضعنا في إطار ما تشعر به الشخصيات ورؤيتها للقضية التي هم بصددها دون أن يكون ذلك مباشراً.
1. سرد عدم المعرفة أو عدم التأكد مصحوب بأسلوب توجيه السؤال
هنا نتابع كيف يتم السرد من خلال أسلوب ادعاء الشخصية لعدم المعرفة، وهذا الأسلوب يستخدم لوحده كما في مقطع (أ) ويستخدم ضمن سؤال كما نتابع في المقطع التالي (ب)}:
“(أ) تناست نادين أو تجاوزت صدمتها الذي قبل حين أو لم يعيرها الموضوع اهتماماً من الأساس لم أكن أعرف !!
(ب) لم أعرف أيضاً إن كنت قد بالغت أنا في ردة الفعل داخل نفسي!! الحقيقة عجزت في تخطي هذه الكارثة الذي شارفتْ على الوقوع…”.
وهنا مقطع آخر تعبر فيه الشخصية عن عدم معرفته. كان التعبير عن عدم المعرفة مسبوق بسؤال عن سبب اهتمامها بموضوع الفتاة التي تزوج صغيرة، وهذا الأسلوب السردي يجعل السرد مميزا، كما يجعل الشخصية أكثر إقناعا للمروي له:
“(أ) في الحقيقة لا أعلم لماذا أخذ موضوع شهد كل هذا الحيّز من اهتمامي وتفكيري؟!
(ب) ربما لأنني أهتم لأمرها !! (ت) أو ربما لأن هذه الظاهرة الغبية أخذت تستشري في المجتمع!! حتى أصبحت تنذر بحلول كارثة.. “.
في (أ) توجيه سؤال يوضح عدم فهم الأسباب بينما في (ب) محاولة لوضع سبب، وفي (ت) محاولة لوضع سبب آخر لهذا الاهتمام الذي تمّ السؤال عنه في (أ).
2. استخدام أسلوب السؤال في السرد
نتابع هنا كيف تتأمل الشخصية فيما ينتظر الفتاة التي ستتزوج بعد قليل من أعباء زوجية، أسلوب السؤال هذا جعل من السرد مميزا ويدخل ضمن صيغة الاستنكار الشاملة التي تبنتها الشخصية من هذا الزواج في هذه القصة:
” (أ) ما إن دخلت القاعة حتى وقعت عيناي عليها (ب) وهي تجلس في تلك المنصة المكللة بورد الأرجوان، لعله يخفف من توتر هواجسها..
(ت) هل يا ترى تعرف ما طبيعة الحياة التي تنتظرها بعد سويعات!
(ث) تعرف كم من الوقت الذي تتطلبه كي تعيش يوما واحد في حياة مليئة بالمسؤوليات!. (ج) هل هي قادرة على دخول تلك الدوامة!. (ح) هل ترى والدتها فيها الأهليّة لكل الأتعاب التي ستقابلها!! “.
في (أ) تتم بداية السرد بالترهين، وذلك بربط حدث دخول الفتاة المتكلمة القاعة بوقوع عيناها على شهد، ثم في (ب) صورة شاملة لشهد وهي في جلسة العروس. تبدأ الأسئلة الاستنكارية للحدث والمتعاطفة مع شهد توجهها الفتاة لها في ( ت) و(ث) و(ج).
3. حجاج الشخصية لأقناعنا بما فعلت
هنا الشخصية/ الفتاة توضح سبب ذهابها رغم رفضها لهذا الزواج، يتم ذلك بطريقة حجاجية وذلك لإقناع المروي له بموقفها، لنتابع المقطع التالي:
“ورغم مقاطعتي لدعوات كثيرة في تلك الفترة، إلا أن فضولي لم يجعل أمامي مجالا لرفض تلبية تلك الدعوة..”
إذن الفضول هو سبب ذهابها لهذا الفرح.
4. سرد الشخصية لما تشعر به لوضعنا في الأزمة التي تصورتها بهذا الزفاف
نتابع هنا الفتاة وهي تحكي لنا ما تشعر به وهي تحضن صديقتها آية في (أ)، وقد أصابها شيء اقرب للخوف من هذا العالم في (ب):
“(أ) حضنت آية ، كنت أشعر أنني أختبئ في أحضانها خوفاً من كل هذا العالم ووحشته ، كان حضني لآية يبعد أميالاً عن حضن نادين لها …
(ب) حضن الاشتياق واضح، تفضحه الأعين وحضن الخوف تفضحه دقات القلب التي ترتعد خلف أجسادنا !”
هناك صورة شديدة الخصوصية في (أ) يتم فيه تصوير الشخصية طفلا يختفي في حضن من يحب من قسوة العالم، كما نجد في (ب) فعلا تأمليا مميزا، يتم فيه وضع تصور للفرق بين العناق شوقا و العناق طمعا في الأمن والطمأنينة من قسوة العالم، وكل ذلك يشتغل ضمن إطار استنكار الحدث الرئيسي وهو زواج القاصر من مطلق كبير السن.
4.3 خلاصة:
وظف الراوي في القصة أساليب سردية مختلفة و نجح في صنع الهوة بين عالمين: عالم شخصيات ترى الحدث الخطأ وهو زواج القاصر من رجل في عمر والدها وتتقزز منه وتنفرنا منه، وعالم شخصيات تقوم بهذه القذارة بتزويج الفتاة القاصر من رجل يكبرها في العمر.
القصة قدمت من وعي فتاة رافضة لهذا الزواج؛ حيث نجح الراوي عن طريق هذه الشخصية في إخراجنا من الأزمة الاجتماعية خاصة وهو يترك الفرصة للشخصية لتعبر عن رؤيتها وموقفها من الموضوع هي وأختها نادين، كذلك من خلال رسم صورتها وصورة لجوئها إلى بنت عمها طالبة الطب وحضنها.
كما وظف الراوي عديد الأساليب السردية المميزة مما جعل السرد مميزا ورؤية الشخصية طازجة لا تشوبها شبهة المباشرة التي طالما وقع فيها كتابا كبار عندما يكون الموضوع مشابه.
جعل الراوي ينسحب لصالح الشخصية لتعبر وكانت تطرح رؤيتها بأساليب مختلفة؛ فوظف سرد عدم الدراية، والسرد الذي ينتج عن سؤال، وسرد عدم التذكر، والحجاج السردين كما وظف تقنيات الترهين، وغيرها من التقنيات السردي لجعل الرؤية التي تقدم مميزة وخاصة وفاعلة، وقد نجح عبر ذلك كله في إنجاز فعله الإنكاري للحدث دون أن يقع في المباشرة أو السطحية، وهو ما جعل النص مميزا والسرد متقنا معبرا عن قضية حقيقية وشخصيات تكاد تكون حقيقية.