محمد التراسي
بعد دوام عمل استمر أكثر من 9 ساعات متواصلة، خرجتُ بعد نشرة السادسة هاربا ًمن أخبار كورونا وإصاباتها الجديدة وما تحدثه من مستجدات التي مللتها طوال النهار، هربتُ تاركاً باب الاستديو ورائي موارباً لعلي أعود إليه بشغفٍ يوم متجدد.
لملمتُ حاجياتي وأغراضي دفعة واحدة ودحشتهم في الحقيبة التي كادت ألا تتسع لهم وحملتها على كتفي الأيمن.
خرجتُ إلى الشارع وقطعتُ الطريق بسرعة متهورة وانا أحاور نفسي، هل كان عليّ رفعُ تلك الكلمة أم نصبها لتكون في الجملة صحيحة، حتى قاطع حديثي منبه سيارة يزمجر وهي اكثر سرعة من أفكاري المتأرجحة كالقرد.
واقفاُ أجابه الشمس المغادرة نحو الغرب مودعة النهار وبشيء من شعاعها المتبقي سقط على عدستيّ نظارتي الطبيّة فانعكست إلى السواد، أرتدي كمامة وأحمل حقيبة على كتفٍ واحد خيوطها متدلية خلفي، ” حقيبة ظهر ونظارة طبية وكمامة وجه وقميص صيفي وحذاء رياضي كلهم اتفقوا في تلك اللحظة على السواد، ما جعل سائق الأجرة يقف بشكل مفاجئ محدثاً صفيرا بعجلات السيارة، حين رفعتُ يدي أطلبه للتوصيل.
رجل طاعن في السن نصف لحيته بيضاء وراسه أصلع خاليا تماما، على وجهه ترتسم ملامح عمرٍ قضاه في التجارب الصعبة، سألته عن ما إذا كان يوافق على إيصالي إلى حي سكني، فوافق دون أنّ أكمل جملتي، فقلت له ما المقابل ؟ فرد.. “لن نختلف”
كم دفعت ثمن هذه الكلمة حين كنت أقُل سيارة أجرة دون اتفاق مبدئي على المقابل، فتذكرتُ حينها تعبي وإرهاقي طوال اليوم، عضضتُ على أعصابي وأعربتُ بشيء من الغضب، أرجوك أخبرني بكم تقوم بإيصال الركاب إلى
ذاك المكان؟؟
فقال لي قلت لك لن أختلف اصعد سأوصلك كما أوصل الجميع، ولو أنه لم ينطق بالمهم وهو ثمن التوصيل لكنت تركته يتحدث ويعيد ثم يأكل حديثه ثانية.
لكنه قال ذلك.
أزحتُ من كتفي الحقيبة وقدمتها على صعودي، وركبتُ وما أنّ أخذت راحتي وطهّرتي يدي، حتى كان السائق قد تبسم وشعرتُ بأنه قد أخذ الصعداء وقال، وضحكة خفيفة تتقدم حديثه “قصدك هذه شنطة “.
وبسخرية مني، قلت “يمكن”
فردّ وهو يمسح عرقه بباطن يده، ” تصدق من بعيد نحسابها كلاشن، أنت لابسها على كتف واحد وخيوطها تتدلى من وارك، مع النظارة السودة والكمامة السودة وسوريتك السودة نحسابك،، وسكت
على طول الطريق الذي دام ماي قارب 30 دقيقة، أفكر بما ابقاه لي العمل من تفكير، لماذا أصبح كل تفكيرنا يَشِئ بما هو أسوأ، لماذا الأسلحة والإرهاب أصبح بطل خيالنا، ثم سألت نفسي متداركا ما حدث، اذا كان الرجل قد اعتقد أني…… فلماذا توقف إذن؟؟