قصة

حكاية قديمة .. جديدة .. !!!

الرجل والطائر من أعمال التشكيلي محمد عبيه


لم يقم “الحاج” عمران بزيارة لبيت الله قط …لا لحجة أو حتى عمرة.. فالرجل لم يقم حتى بزيارة للسعودية … أما كيف صار حاجا، فوراء ذلك قصة … !!!

فمنذ عدة سنوات تم تصعيد عمران مسئولا على قمة منشأة اقتصادية بالبلاد، مما اوقع كبار الموظفين في حيرة كيف يمكن أن يخاطبوه، فالرجل لا يحمل سوى الشهادة الإعدادية، وهم جميعا يفوقونه خبرة ودراية وعلما، فكان أن تفتقت عبقرية أحدهم بمناداته في اليوم الاول لاستلامه المنصب بالحاج عمران، فالتصق اللقب به التصاقا شديدا حتى بدا كما لو انه قد ولد به وهكذا كان اكتسابه للقب حلا وابتداعا إداريا صرف.

لم يزعج الأمر عمران. فالحج، ارتبط في ذهنه بالتقوى والصلاح والزهد، وأحس ان زملائه لا يرون فيه سوى ذلك، فتبنى اللقب حتى انه كان يوقع رسائله وقرارته، بالحاج عمران.

مرت سنوات، وتبدلت فيهن الكثير من الامور بما فيهن أوضاع الحاج عمران الاقتصادية والاجتماعية، فتغير سكنه وانتقل من فشلوم الى قرقارش، وتزوج للمرة الثانية، هذه المرة من سكرتيرته التي كانت تصغره بكثير، تحسن هندامه، وكثرت سفرياته للخارج، وازداد وزنه، ونمت كرشه.

وفي أحد السنوات، سرت إشاعة قوية ان المسؤولين الذين لا يحملون شهادات عليا ستتم ازاحتهم من مناصبهم، انتابت الحاج عمران حالة من الذعر والقلق الشديدين وتخيل نفسه وقد ازيح من منصبه، فيفقد ليس فقط الوظيفة وانما ايضا الحجة، وربما حتى الزيجة الجديدة.

استشار من حوله، فأخبره أحدهم إن الأمر بالإمكان ترتيبه، وسأله عن اكثر دولة قد قام بزيارتها، رد الحاج بلغاريا ورومانيا لارتباط الدولتين باستيراد اللحوم والمواشي، أجاب المعاون، فرجت يا حاج، المسألة كلها اسابيع وستأتيك الشهادات العلمية التي تحتاج.

قام الحاج بتكليف معاونه للقيام بزيارة البلدين في مهمة رسمية لمدة أسبوعين عاش فيهما الحاج على أحر من الجمر، واستهلك فيهما عدة شرائط فولترين، وكمية لا بأس بها من الكافيين.

واخيرا حل الفرج، عندما قدم المعاون ذات صباح الى المكتب وهو يقول: (مبروك التخرج دكتور عمران)، هب الحاج من كرسيه غير مصدقا واحتضن المعاون بشدة. تأمل شهاداته العلمية الجديدة التي ستمنحه حصانة ومكانة، قرر ان يتم الإعلان عن ذلك في حفل كبير بالمنشأة وبالبيت تعبيرا عن الفرحة بهذا الانجاز، بالطبع لم يغب أحد من الموظفين والاصدقاء والاقارب والجيران.

وهكذا حل تغير كبير في حياة عمران الذي اخذ يفكر جديا في شراء بيت اخر والزواج للمرة الثالثة، وربما التقدم للتدريس بالجامعة، بل ربما حتى يذهب ان سمح له الوقت (للحج والعمرة)…!!

الطريف في الأمر انه وقد تقاعد الآن، لا زال يوقع في أسمه، بالدكتور الحاج عمران، اما المحزن في الأمر فإن الحاج عمران قد تحول بفعل السنين الى ظاهرة.. باقية.. وتتمدد.

مقالات ذات علاقة

لقد سرقوا عذريتي مبكرا

عاشور حمد عثمان

قصص قصيرة جداً

جمعة الفاخري

قصص متقاطعة

سالم الكبتي

اترك تعليق