المقالة

الثقافة السوداء

محمد الدرة (الصورة: عن الشبكة)

الذاكرة سلطة ظالمة لأنها تعيد لنا بشكل قصري مشاهد مؤلمة كنا نتمنى أن ننساها لنستريح من عبئها الضاغط.

الجرائم المتعمدة التي تعرض لها متطوعو قافلة الحرية في عرض البحر، أعادت للأذهان كل المشاهد المأساوية، ومن بيننا مشهد مقتل الطفل محمد الدرة وهو في حسن والده.

هل كان محمد يحمل سلاحا؟ هل كان يحمل حجرا؟ هل كان يلقي خطابا معاديا للسامية؟!! المؤلم جدا في هذا المشاهد أن الطفل كان مشدودا لحضن أبيه، الأب بما يمثله من حماية كبيرة لطفله.

وهناك مشهد آخر يتكرر يوميا، وهو قتل صيادي الأسماك ومصادرة مراكبهم لمنع وصول أية مادة غذائية للسكان، والقارئ أعلم بكل ما يجري في أرض فلسطين منذ عام 1948.

الثقافة السوداء غذت عقول شذاذ الآفاق وجعلت شعارها الأول القتل، والشعار الثاني التعذيب. كان أمل أصحاب هذه الثقافة أن تخلو فلسطين تماما من أي فرد فلسطيني.. والآن هناك حرب إبادة متعددة، سريعة الوتيرة لا أحد يلاحظها من بعيد! ومنها القتل اليومي والاعتقال وتجريف الأراضي وهدم البيوت، في حين ينشط عملاء صناعة السلام دون جدوى لأنه سلام مزيف. الكلام الحالي عن فك حصار غزة هو الكلام عن فك زر من آلاف الأزرار الخانقة وعلى جميع المستويات.

أصحاب الثقافة السوداء غير مزودين بروح الاستشعار بآلام الآخر، وليسوا مزودين بحالات الضمير والتركيبة الأخلاقية الطبيعية أو التربية العائلية الهادفة. هذه المثل لم تعد ببالهم ذات يوم، وإنما تربوا على عكسها بشكل متعمد، إلى أن أصبحوا عجينة مخمرة ناضجة صالحة لفعل الجريمة دون تفكير.

في هذه الأيام كما عاد محمد الدرة للأذهان، عادت كذلك صورة الكتاب وأصحاب الرأي الذين وقفوا في مواجهة التطبيق مع العدو، والذين سجنوا وعذبوا كما لو أنهم اقترفوا جريمة. وعادت للأذهان أيضا المواجهات والانتفاضات التي وقف فيها المقاوم الفلسطيني مسلحا بإيمانه وحقه في الحياة الكريمة على أرضه التي سرقت على مرأى ومسمع من سكان العالم.

وفي هذا السياق لا نستطيع أن ننسى أبدأ نصيحة شارون لجنوده عندما قال لهم: اقترفوا ولكن بعيدا عن الكاميرات.


صحيفة الشط، سرايا الثقافة، العدد: 984، الثلاثاء 3 من شهر رجب الموافق 15 الصيف 1378 و.ر- 2010 مسيحي

مقالات ذات علاقة

هويّة وموارد

عبدالمنعم المحجوب

قُتِلَ الجعد ومات إبن الراوندي (!!!…)(2/3)

أحمد معيوف

قلبك دقيقة لو سمحت

محمد الأصفر

اترك تعليق