قراءات

أدونيس بين فكيّ إبنته…يرفض الاستغاثة !

(قراءة في كتاب أحاديث مع والدي أدونيس)

غلاف كتاب أحاديث مع والدي أدونيس

أدونيس صوت وصدى ملء السمع والبصر، ذاك الشاعر المفكر الذي تتيه معه اللغة لكونها تسكنه فلمّا تحين ساعة الإنبثاق تنسل من أحشاء روحه، كان منذ ذيوع صيته يحرص على أن يحيط ذاتيته بخصوصية فريدة ووقار فارس ينتمي إلى عصر الفرسان، لكن عبرهذه الأحاديث تجرّه إبنته نينار الفنانة المهوسة بالتفاصيل إلى ساحتها بغية وضعه تحت طائلة الكشف المعرفي والوقوف على ناصية انطباعاته من عدة قضايا وانشغالات، فتطرح عليه أسئلة أكثرها مفخخ وتطوِّق رأسه بالقنابل العنقودية إذا ما استشعرت منه التنصل بداعٍ ما من الإجابة عن تساؤل معين .


إننا نكتشف وجهًا آخر أكثر حميمية لأدونيس وأوسع أفقًا وندنو من عرين مملكته ونستمتع به على إمتداد صفحات هذا الكتاب المترجم عن الفرنسية، بالأحرى نحن نطاله هذه المرّة فكم إستعصى علينا هذا الأدونيس كإلهٍ كنعانيّ شُفّرت وصاياه على الألواح القديمة.

نُبحر بمعيِّتهما أدونيس ونينارعُباب الخضام، وهذه الأخيرة تمارس حنينًا مكتظًا تجاه أبيها التي حُرمت بصورة ما من اشتمام ضوع عرقه، موظفة أدواتها التي غالبًا ما تجنح لتحري العمق ونخره إن اقتضى الأمر ! وعلى إيقاع ذكريات الحرب الأهلية في بيروت واستباحة القذائف لبيوتاتها الآمنة ترسو بنا نينار مع أدونيس على مرفأ الوجع الممزوج بجمالية لا تتمكن هذه الفنانة من كتمها، فكما تخترق تلكم الرصاصة صدر زجاج البيت يشتهي الجسد حضوره تحت جناح الآخر .
ونحن نقتفي حوارهما واسترسال الأب والشاعر والمفكر في موضوعات شتى وتحفظه أحيانًا في أخرى، نخلص إلى أن نينار كانت تتطلع في هذا النوع من الحوار المطول أن تُعرّي أدونيس أمام مرايا صقلتها بأصابعها وتقدمه قُربانًا على مذبح أفكارها، إنها تبدو لنا متحمسة للاستحواذ على ميراث أبيها واستلام شعلة الألوهة من لدنّه ! لسنا متيقنين على وجه الخصوص، إنما نينار كانت تمارس تجرّؤًا لم يستطع للمفارقة أدونيس أن يخفي غبطته به رغم تنصله وهروبه من مواجهة بعض الأسئلة.

نينار لم تتوخى الطرق على باب أدونيس بل داهمته في عقر فكره وجرّفته من عنق لغته كي تواجهه بحقائق تُجرّمها اللغة وتعاقب عليها الآلهة …وما بعض أجوبة أدونيس المحتشمة إلا حرصًا على خصوصيته وغموضه إن جاز التعبير، فنحن كبشر أدركنا أم لم ندرك أن ثمة أمور تبق في جوف تفكيرنا ملك لمخيالنا ولا يحق لنا إفشاءها على الملأ، بيد أن نينار مجنونة أرادت سوق أبيها وهو صاغر الإرادة وكان لديها إصرار عجيب على التأسيس لنديّة الحوار أو حوار النديّة، وكأن لسان حالها يقول صحيح أنك أبي لكنك انسان مثلي فلا تحاول لعب دور الإله معي حيلتك لن تنطلي عليّ.

وأدونيس حاول أثناء مجرى الحوار بقصارى جهده ألا يتخلى عن فروسيته لنلمس ما بين السطور احتدام أعقبه توقف لفترة حسبما تفيدنا الإشارة …في المقابل نجحت نينار على أية حال في قضم أظافر أبيها وابتلاع بقاياها كمهدىء لصداع إنتباهها المزمن .

مقالات ذات علاقة

يكفي الشعر أنهُ شعر

ناصر سالم المقرحي

‘مزرعة الفردوس’ رواية ليبية تستذكر الزمن الضائع

المشرف العام

صداقة سرمدية..

إبراهيم بن عثمونة

اترك تعليق