حاورته: حواء القمودي.
مثل عاشقة غاضبة تبدو طرابلس في عشية الأربعاء/28-5-2008/ (القِبّلي) الذي سطّر بداية النهار، ترك للبحر أن يعبث في مفكرة يوم أول من أيام الصيف، فتجيء حبيبات المطر لترسم لمساء المدينة لوحة أخرى، وشارع (ميزران) يمتدّ بعراقته ومكتبة (دار الفرجاني) تحتفي برواية الكاتب المبدع “د.أحمد ابراهيم الفقيه” (خرائط الروح)، الرواية التي جعل منها الكاتب ملحمة من إثني عشرة جزءا، تبدأ بـ(خبز المدينة)، (أفراح آثمة)، (تركض الروح عارية) أجزاء ثلاثة أولى، ثم (غبرة المسك)، (زغاريد لأعراس الموت)، (ذئاب ترقص في الغابة) مجموعة ثانية، وتكون المجموعة الثالثة هي (العودة إلى مدن الرمل)، (دوائر الحب المغلقة)، (الخروج إلى المتاهة) ويكون الجزء الرابع بثلاثية (هكذا غنت الجنيات)، (قلت وداعا للريح)، (نار في الصحراء).
طرابلس تحتفي بالمطر وبالنسائم المشبعة برائحة البحر، والمبدع أحمد ابراهيم الفقيه يحتفي بتوقيع روايته، تحيط به كوكبة من مبدعينا، “خليفة حسين مصطفى” الروائي والمنشغل بالهمّ الثقافي الليبي، والكاتب القاص والمترجم “عبد السلام الغرياني”، والكاتب الذي يجول في أفياء الإبداع “محمد المغبوب”، وأيضا أسرة الكاتب وبعض أصدقاء كانوا في هذه الأمسية؛ المبدع المحتفى به سيغادر في رحلة الليلة هذه، هكذا اغتنمت اللحظة، فكانت هذه المتابعة وهذا اللقاء السريع.
ما الذي يساوي هذا العناء؟!!
* رواية من إثني عشرة جزءا أيها الروائي (أحمد ابراهيم الفقيه)، مّن تتحدى؟
# أتحدى نفسي بالضرورة، فنحن جميعا نشعر بشيء من اللا جدوى (صراحةً) في مجال الكتابة الأدبية الإبداعية بشكل عام، ككتاب عرب يضنون علينا بالاهتمام الرسمي والشعبي، يضنون علينا بالمكافأة ليس المكافأة في شكلها المادي، لكن ما يساوي هذا العناء أو بعض هذا العناء الذي يكابده المبدع، وأن تكتب عملا طويلا وتستمر في كتابته هذا فعلا تحدٍ لمعطيات البيئة العربية الأدبية الثقافية الرسمية والشعبية.
وتحدٍ لنفسك، فنحن كلما مضينا في طريق الإبداع والكتابة كلما زاد التحدي، لأن الكاتب مطالب بتجاوز نفسه، فلا يتوقع القارئ من كاتب وصل إلى مستوى من الأداء الأدبي والسمعة الأدبية بأن يتخلف، إذن أنت مطالب بأن تقدم شيئا أكثر جدة وأكثر إبداعا وأكثر قوة وابتكارا.
محاولة لسبر النفس البشرية؟!
* يقول البعض ممن قرأ هذه الملحمة، أنّك لضمت تاريخ ليبيا؟
# أعتبر هذا إشادة، فالحقيقة إن الرواية تتكئ اتكاء معقول على التاريخ الليبي، لكنها ليست رواية تاريخية، هي كما يقول العنوان (خرائط الروح)، هي محاولة لاستقصاء ولسبر أغوار النفس البشرية في مختلف مراحلها وتحولاتها وتبدلاتها، ارتفاعا وهبوطا ومجدا وخسة، ونحن نعلم أن أوقات الشدة تظهر معادن البشر، وقد اخترت مرحلة من التاريخ الليبي عاشها الشعب الليبي، والتي صهرت شخصيته وكانت جزءا من مكونات الشخصية الليبية والمجتمع الليبي، بمواطنه البسيط، حاولت تلمّسه والاقتراب منه لبناء عالم روائي من خلال هذه الأنقاض والشظايا لما حدث في مراحل تاريخية مرت بها البلاد، (حروب – مجازر- معاناة).
وحاولت أن أتكلم في هذه الرواية عن أشياء غير مستهلكة ولم تكن مثارة، فنحن دائما نتكلم عن مرحلة الاستعمار الإيطالي في فترات الجهاد ومراحل المقاومة، وفي روايتي حاولت أن أصور جزءا من معاناة الشعب وهو يعيش الحياة العادية بلا جهاد مسلح ولا مقاومة مباشرة، مرحلة انتهت إلى السيطرة الاستعمارية، انتهت المقاومة والناس سيعيشون مع هذا الوضع الجديد، هذا ما رصدته الرواية، وقد تلمست فصلا من الفصول المؤسفة في التاريخ الليبي لم يصور كثيرا، وهو تجنيد الشباب الليبي للمشاركة في الحملة على الحبشة والدخول في حرب (لا ناقة لهم فيها ولا جمل)، والموت في حروب الآخرين، ومحاربة شعوب ضعيفة لا عداوة بيننا وبينهم، أرغم الشباب الليبي على دخول حرب لا تعنيه، وهذا فصل مرعب من فصول الاستعمار في تعامله مع الشعوب المغلوبة، إذن الجانب التاريخي موجود وقوي وله تأثير وانعكاسات على مسار الرواية، ولكن ليس هو ما تركز عليه الرواية، الأساس هو العلاقات الإنسانية وتعامل النفس البشرية في مختلف الحالات ، الشدة والحرب الحب والفرح وكل ما يواجه الإنسان.
لماذا خرائط الروح؟
* (خرائط الروح) هو الفضاء العام، ثم اثنتي عشر جزءا بمسميات دّالة، لماذا خرائط الروح؟!
# لأن مهمة الرواية (روايتي هذه) هي متابعة وسبر أغوار النفس البشرية، خاصة بطل القصة والتي تتيح لك رواية طويلة أن تسلط عليه الأضواء من جميع النواحي، فلا عذر لك ألّا تخلق شخصية قوية عندما تكرس لها إثني عشر جزءا، هذا كافٍ لتنقية كل الجوانب في حياة هذه الشخصية وتقديم شخصية للأدب العربي من الشخصيات التي بالإمكان أن تنافس بها الشخصيات الموجودة في الأدب العالمي، والتي صار لها وجود يتواصل أكثر من وجود البشر في الحياة، مثل (هاملت) و(ماكبث) و(الإخوة كارامازوف) و(آنا كارنيننا)، وهي شخصيات عاشت وتجاوزت تاريخها وظرفها الزماني والمكاني وعاشت معنا إلى يومنا هذا.
* وماذا بعد خرائط الروح؟
# لدي حوالي أربعة أو خمسة كتب أستعد لنشرها، منها متتالية في (هجاء البشر ومديح الحشرات والبهائم) وأيضا (الانتماء لأشجار النخيل) والذي سيصدر قريبا، ثم (حصاد الذاكرة) ومجموعة أخرى معدّة للطبع وجميعها كتبتها بعد هذه الرواية.
_________________________________
نشرت في (المشهد الثقافي)، صحيفة أويا، السنة الثانية العدد: 241، السبت 31/مايو/ 2008م.