الشاعرة: حواء القمودي
حوارات

الليبيون ضائعون بين هويتين ولا يعرفون ماذا يريدون!

العرب :: شريف الشافعي

الشاعرة الليبية حواء القمودي ترى أن كتابة المرأة انحياز صريح للحداثة، وأن قصيدة النثر تحفر في ليبيا واقعا يتجذر ويصنع اختلافه وأجياله.

الشاعرة: حواء القمودي
الشاعرة حواء القمودي.

في مسار الكتابة الشعرية الجديدة التي تحفر طريقها في المشهد الثقافي الليبي منذ سنوات، تحمل الحروف النسوية حساسيتها الخاصة وبصمتها المميزة، فقصيدة المرأة اكتشاف للمجهول وبحث عن الذات وتعبير عن الشجن وتوق للحرية كخبز يومي مفقود. في حديث حول واقع الشعر الليبي التقت “العرب” الشاعرة الليبية حواء القمودي في حوار حول الشعر والحالة الثورية في الكتابة والحياة.

القاهرة – الشاعرة الليبية حواء القمودي محاربة شرسة، تغمس خبزها في الدم، وتمتطي القصيدة للركض في حقول الريح. أسلحتها المشهرة هي الكلمات، الطيبة والشريرة، وبها تستدرج قارئها إلى مكمن الغواية.

في واقع متشابك تتنازعه الحرب والقلاقل والأحلام والحب والتغيير والترحال، تحضر تجربة الشاعرة الليبية حواء القمودي (56 عاما) كممثلة لقصيدة النثر وكتابة جيلها المغامر من جهة، وكمحطة من محطات الكتابة النسوية المتمردة من جهة أخرى، في مرحلة الثورات العربية، وما بعدها.

تحدثت في حوارها مع “العرب” برحابة صدر عن ملامح تجربتها الشعرية الثرية الجريئة، ورؤيتها إلى حاضر المشهد في ليبيا، وواقع قصيدة النثر العربية، وخصوصية كتابة المرأة في بلادها، لا سيما  في المناطق النائية والمحافظة، كما تطرح قراءتها المجتمعية والفنية للواقع الليبي الساخن في المرحلة الحالية.

الركض في الريح

تعترف الشاعرة حواء القمودي بأنه “لا صديقات، ولا عائلة، ولا نصر”، ذلك أنها “محض جملة شريرة لبدء قصيدة”، وهذه القصيدة العاتية لا تزال تبحث عن بعض دفء، وطمأنينة، وحنان، في حاضر تحاصره الأعاصير، وتحتله النيران والثلوج، وتسوده الإخفاقات والإحباطات.

تتنوع إسهامات القمودي بين الشعر والنقد والمقالات الصحافية، وترى أن الكتابة تعبير عن الحب والانتماء، وكفى، والقصيدة دائما في مقدمة اهتماماتها، فهي بحد تعبيرها “كائن أسطوري ينقر الرأس المحشو ترهات عن الحب والحرية. كائن يخرج عن طوعي ويدخل نفق غضبي”.

تمسك القمودي مخطوطها الشعري الجديد، الذي نشرت كثيرا من قصائده في منابر ثقافية عربية، تحتضنه كأم رؤوم، تربت على رأسه، وصدره، وكتفيه، وتقول “هل أتكئ على الحظ لأرى أن هذا الديوان ليس محظوظا لكي يظهر حتى الآن، رغم أنه جاهز للنشر منذ شهور؟ لقد اخترت عنوانًا لهذا الديوان: الركض في حقول الريح.. لكنه الشعر، المراوغ دائما، العظيم الذي لا يقبل الشراكة، ويغضب حينما لا يكون في قلب الاهتمام، فلعله لذلك يتلكأ في الظهور”.

القصيدة، كما تراها القمودي، علاقة حب مع القارئ، لتستدرجه إلى مكمن الغواية، وتحاول الاستئثار بشغفه كي يظل في قلب الدهشة. وحال نشر النصوص في ديوان، تتحقق حالة أشبه بالزواج، وتصبح القصائد محصورة بين دفتين، واضحة أمام العين.

ما يتراكم الوجع، مثل أولاد سيئي التربية، وبنات لا أب لهن، فإن القصيدة قد يكون لها الفضل في الإلهاء والتعزية، وتصير البهجة مرهونة باللهو بالحروف، وتكديس العبارات، ليعود الأولاد لاعبين فوق أرجوحة الوقت، وتهزج البنات بالأغنيات والضحكات.

تلك هي جوانب من خصوصية كتابة القمودي، التي تقاوم الآلام بالقصيدة، وتتحدى الضغوط المجتمعية والتقاليد بالنصوص الجريئة، فهي ابنة منطقة سوق الجمعة المحافظة في طرابلس، ولم يكن هينا تقبل امرأة تبوح بحرية على هذا النحو، كما أنه لم يكن مستساغا انحراف الشعر عن موروثه البلاغي والبياني والموسيقي، في تجربة قصيدة النثر لدى الأجيال الجديدة.

كتابة المرأة الليبية المعاصرة، على وجه العموم، مثلما ترى حواء القمودي، انحياز صريح  للحداثة، شعرا وسردا، وفي قصيدة النثر تبدو مساحة البوح وقول الذات مغرية جدا لكاتبة تبحث عن ذاتها، وتريد التعبير عن شجنها، وتوقها للحرية بمعناها اليومي.

وأطلقت الكتابة النسوية الليبية لنفسها العنان، في فضاء الانفلات والجنون، لتحقق المرأة وجودها وتنال حقوقها عبر الكلمات، لعل هذا يكون مرضيا وكافيا في بعض الأحوال.

وشهدت الساحة الليبية ساردات متميزات من أمثال زعيمة الباروني، مرضية النعاس، وشاعرات نابهات منهن: فوزية شلابي، فاطمة محمود، عائشة المغربي، سامية المسماري، وأخريات، ممن كرسن للتجديد في وقت مبكر، وانخرطت بعضهن في قصيدة النثر في وقت لاحق لتكتمل انطلاقة التحديث.

الشاعرة حواء القمودي
الشاعرة حواء القمودي.

تصف حواء القمودي المشهد الشعري الليبي الراهن بأنه “حيوي وضاج بأصوات متميزة، تختار ما تحب من الثيمات والاتجاهات، فهناك قصيدة التفعيلة، وهناك أيضا الشعر التقليدي، لكن النمط الأكثر نضجا، هو قصيدة النثر”.

وتفسر القمودي لـ”العرب” انحيازها إلى هذا الشكل الشعري الجديد بقولها “لقد وجد الشعراء في هذه القصيدة المجال الأرحب والأخصب ليرصدوا هذا الواقع الغريب، وليعبروا عن الحلم والحب والثورة والحرب والتغيير والترحال، لقد وجد الشعراء الانحياز للحياة، والإخبار عنها بحيميمة”.

وترى حواء القمودي أن قصيدة النثر تحفر في ليبيا واقعا يتجذر ويصنع اختلافه وأجياله التي ركضت في براح التجريب منذ صدور ديوان الشاعر علي صدقي عبدالقادر في عام 1957 بعنوان “أحلام وثورة”، فمنذ ذلك العهد وهذه القصيدة في حالة استنفار للدفاع عن منجزها وشعريتها.

وتثمن مشاركتها الأخيرة في مؤتمر قصيدة النثر بالقاهرة، قائلة “احتضن المؤتمر القاهري شعراء ليبيا في دورته الخامسة، فكان هذا الانفتاح بهجة ومعرفة، إذ أدركنا حقيقة المسافات الشاسعة التي عبرتها قصيدة النثر في بلادنا وخارجها، وجاءت البحوث والمسارات والأمسيات لتؤصل أكثر وأكثر ذاكرة القصيدة”.

الترنح والخراب

“لم أعد أعرف: أين أنا/ أترجل عن فرس الريح، لأثوي إلى حضنك، وأبكي/ مثل بنت مات أبوها، ولم تره”. تصف حواء القمودي مرحلة ما بعد الثورات العربية بأنها تلك الحالة من الترنح، وتقول “في ليبيا، يبدو المجتمع فاقدا الكثير من ملامحه، رغم أن الصورة تظهره كمجتمع  متماسك”.

وتؤكد أن الهامش يخبرنا بأن “المجتمع قد غابت خصوصيته، فهو تارة ينحو إلى القومية العربية ولا يبغي عنها بديلا، ثم في انعطافة حادة تكون هويته الأفريقية هي العنوان الذي يدل عليه، وبين هذا وذاك، يتأرجح المجتمع، فلا يُعرف وجهه الحقيقي”.

وتشير الشاعرة إلى أنه خلال الأعوام القليلة الماضية تسللت إلى المجتمع المحلي رؤى وأيديولوجيات كثيرة، تسترت بأكثر من اسم وعلامة، وتجلت من خلال الشارع انحيازات إلى اتجاهات دينية لها أغراض أخرى غير الحفاظ على الدين.

تعترف القمودي بأن موجات الترنح هذه قد أفرزت تكتلات عدة، وأنتجت أيضا الكثير من الخراب الذي ظهر كطفح على جسد واهن تآكلت أطرافه، لكن قلبه الغض لا يزال نابضا بالحياة، لذلك سينهض حتما في يوم ما، ويتعافى.


مقالات ذات علاقة

حوار مع الأديب الليبي جمعة الفاخري

المشرف العام

الفاخري: توقُّفِ دعمِ حركةِ النشرِ من قبلِ الدَّولةِ…

حنان كابو

طيوب تلتقي أقطاب الفيلم الروائي القصير (القصيدة السوداء)

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق