رشاد علوه
هدوء يسود المكان، يعكره بين الفينة والأخرى هسيس نسيم ربيعي يتسرب من بين أشجار الاثل المتشابك، صوت المذياع وكأنه قارب في البحر يعلو وينخفض، وصوت طلال مداح يشدو (كم تذكرت سويعات الأصيل* وصدى الهمسات ما بين النخيل).
ثم يعلو التشويش، والصوت يختفي ليعود من جديد، تنتهى الأغنية ويطل صوت المذيع صاحب الحنجرة الذهبية (محمد مصطفى رمضان: هنا لندن)، وتدق ساعة بيغ بن معلنة بدقاتها الشهيرة مباشرة انها العاشرة وآخر نشرات الـ(بي بي سي)، يضبط المؤشر ويزيد من ارتفاع الأنتين ويعمل على توجيهه لكى يحصل على أفضل صوت.
ثم يقوم بسكب الشاي، تفوح منه رائحة النعناع، يبدأ في تصفح (مجلة العربي)، تشده استطلاعاتها التي تقوم بها في أرجاء الدنيا، وصفحة للمناقشة، بينما عينيه تلتهم الاستطلاع وتتمعن بالصور كانت أذنه تتابع ذلك الصوت وتلك القراءة السليمة واللغة العربية الرائقة، التي تنساب من المذياع حتى أعاد المذيع الموجز، وودع المستمعين على أمل اللقاء.
أدار المؤشر متنقلا صوب إذاعة (صوت العرب) من القاهرة، كان هناك برنامج للمسابقات من الجامعة، استمر في التهام المجلة، عندما انتبه أن بث القاهرة شارف على الانتهاء، انسابت آيات القرآن تترا بصوت (الصديق المنشاوي)، (صدق الله العظيم).
كان قد دخل تحت الغطاء وطنين ناموسة مزعجة ظلت لفترة تطن وتطن وتطن، تبحث عن ثغرة لكي تصل إليه، من تحت الغطاء أخرج يده نحو الراديو وضبط المؤشر على إذاعة الجزائر الوحيدة التي تبقى حتى ساعات الصباح الأولى، كانت ليلة خميس وبرنامج من مدرجات الجامعة يقدم من خلالها محاضرات من جامعة الجزائر، أدخل يده وسحب الغطاء بإحكام، وظل يتابع المحاضرة لم يقطع المحاضرة إلا صوت المؤذن منادياً لصلاة الفجر، لم يدخل للمنزل ولكن سطل الماء قريب منه فأخذه واتجه به عدة خطوات، وجد صندوق شاي خشبي جلس عليه، توضأ وعاد لمكانه، صلى الصبح واندس من جديد في فراشه.
عادت تلك الناموسة تطن وتطن وتطن، ولكنه أحكم سحب الغطاء، مد يده هذه المرة ليسكت الراديو ونام، شعر بسخونة أزح الغطاء كانت الشمس تغطى المكان أخد الفراش والمجلة والراديو، ودخل الى السقيفة بالمنزل وضع الفراش سريعا وهو يخشى أن يفر النوم من عينيه، واستلقى من جديد.
عند منتصف النهار (رشاد) نعم كانت (أمي) كفاك نوم انهض، حاضر.
كالعادة نهضت الافطار تم افتح الراديو معظم الإذاعات تبث القران تهيأ للذهاب لصلاة الجمعة وعندما أعاد ضبط مؤشر الراديو (هنا لندن)، أعلنت بيغ بن بدقاتها المعهودة مباشرة دقت دقة واحدة لا غير الوحدة بتوقيت غرنتش.
عالم الظهيرة وكان الخبر الأول كالصاعقة (تم اليوم اغتيال المذيع الليبي محمد مصطفى رمضان برصاصة غادرة أردته قتيلا وهو خارج من صلاة الجمعة في لندن قبل قليل) حالة من الوجوم سيطرت عليه وفى انتظار التفاصيل انا لله وانا اليه راجعون 11-ابريل 1980م.