. يهم بالخروج ، تركض خلفه بسنواتها الخمس ، يرفعها إلى أعلى متفاديًا مساس الشاش الملفوف حول يديها المدورتين مثل كرتين من الثلج ، تطيرعصفورة ، تفرد جناحين من بياض في سماء قاتمة، يقول أخوها الأكبر :-
– فلتشتر لي حقيبة مدرسية ، وأقلام ، وكراسة إملاء ، وكراسة حساب ، ورسم ، وعلبة ألوان،
تقاطعه الطفلة العصفورة :-
– وأنا أيضًا يا أبي أحضر ليّ دمية ، ومشبك شعر ، وعلبة ألوان ، أريد أن أفاجيء أمّي حين تعود من السفر .
يتساءل أخوها : –
– كيف تداعبين دميتك ، وتقدرين على الرسم من دون أصابع ؟!
تحلق في حلمها هائمة عبر يديّ أبيها ، تحرك ذراعيها راسمة دوائر وهمية بكرتيّ الثلج السابحتين في فضاء يخنقه غبار رمادي
تتمتم : –
– يا أبي فلتشتر ليّ من السوق عشرة أصابع جديدة، تكون على مقاس كفيّ .
تبتسم وهي تقرّب كرتيّ الثلج من وجهه ، تداعب شيب لحيته بعُصابتيّ الكفين ، يتسرب إليه صقيع ، تسري في أطرافه برودة موت خفي يرتعش جسده ، يضعها بحنو على الأرض ، يهرب بملامح انكسارات حزنه بعيدًا عنها حتى لا ترى غيوم دمع تكدست في فضاءات عينيه ، يتذكر يوم أن رجعوا إلى بيتهم بعد نزوح ، حين انفجرلغم كان في الركن مطمورًا ، التهم أصابع يديها ، وسرق منها أمّها.