سيرة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (41)

المعلمة وتلميذها زياد

الشاعرة حواء القمودي
الشاعرة حواء القمودي

وعادت حواء من تسكعها بعد أن  تحصلت على شهادة (ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية)، الانقطاع صار إجازة بدون مرتب. وعودة إلى ذات المدرسة والتي كانت ثكنة ثم  صار اسمها (جماهيرية القبس)، و الصف السادس الابتدائي، ووو ومجموعة فصول وبعد بدء الدراسة بحوالي شهرين، جاء تلميذ جديد اسمه (زياد)  تلميذ كأنه نسمة تعبر  ناثرة العبير، وكان  من الشقيقة سوريا، وببساطة أحببته واحتويته وصار يعود معي بعد نهاية الدوام الدراسي، وذات يوم طلبت منه المجيء مساءا ليتدارك الدروس التي لم يحضرها، في مادة اللغة العربية والتربية الإسلامية، وبعض المواد التي أستطيع أيضا مساعدته فيها مثل التاريخ والعلوم (كنت معلمة رياضيات وعلوم)، وكل عشية كنا نستأنس بذاك الحضور الشفاف، للولد الأشقر الدمث والذي حكى أن والده المهندس (توفى) وأنهم جاءوا مع عمه (الأسطى/ العامل).

و بعد شهر تقريبا، انتهت الدروس واستطاع أن يستوعب كل ما فاته لذكائه ومثابرته، وفي اليوم التالي وبعد انتهاء الحصة، جاءني قائلا: ماما سألت بكم الدروس؟

واستغربت الجملة وسألته التوضيح، وحين فهمت قلت لتلميذي المتميز، قل لماما أنت ضيفتنا وهذا واجب، و في تلك العشية جاء (زياد) مع أمه و كانت أمسية رائعة، وعرفنا حكاية زوجها المهندس الذي توفي وزواجها من أخيه، ووووو وكانت تلك الهدية الفخمة من الملبوسات والأقمشة، وربما بعد أحداث (الربيع العربي)، تذكرت تلميذي السوري (زياد ….)، والذي للأسف نسيت لقبه، وهو من مواليد بداية الثمانينات، تساءلت: أين أنت يا زياد؟ هل صرت مهندسا مثل أبيك (كما تحلم أمك)؟ أم ربما اتخذت الطريق الذي وجد أغلب شبابنا أنفسهم يساقون إليه؟ لأن أنظمتهم الغبية مجرد (ظاهرة صوتية)، من ينسى تلك الهتافات …

حافظ حافظ لا تهتم
الجولان بنرويها دم …

أين أنت يا زياااااد؟

حين غابت حصة التربية الفنية

مازالت مادة (التربية العسكرية) ومازالت البنات يلبسن (البدلة العسكرية)، وفي بداية التسعينات ألغي قسم النشاط المدرسي و …. من اللجنة الشعبية للتعليم، فاختفت حصص المكتبة والزراعة والتدبير المنزلي و التربية الفنية، ولكن ظل مكانها شاغرا في الجدول، وبدأت  معلمة  ثانوي ولكن لم يكن لدي جدول، فقط أسندت إلى حصة التربية الفنية لأملأ الفراغ بما أشاء، وأشهد أني مارست دكتاتورية غريبة، فرضت على الفصول التي أسندت إلىّ أن أقرأ عليهم قصصا، وطبعاً من مكتبتي الخاصة والتي كان بها مجموعة كبيرة من إصدارات (دار الفتى العربي)، وكانت قصصا لأسماء كتاب متميزين مثل (زكريا تامر).

أذكر قصة عن بلاد جميلة بها كل الكائنات تعيش مع الناس، وكانوا لا يعرفون الحرب وليس لديهم أي سلاح، وذات نهار استيقظوا ليجدوا جيشاً يحيط بهم وملكا يقول لهم  هذه الأرض لي، وقد طرد منها الطيور والفراشات والقطط وكل ما لا فائدة منه، واستغل الأبقار والأغنام  و الخيول، والتي كانت تعيش حرة طليقة ولكنه سجنها، إلا جوادا أبيض لم يستطع جنوده القبض عليه، ورغم كل المحاولات لم يستطيعوا، وفي هدأة كل ليلة  كان هذا الجواد الأبيض يركض ويصهل ثم يغيب، وتزداد شراسة ملاحقته ويتساءل الجند: هو مجرد جواد واحد يا مولاي؟

ولكن …. بدأ الناس يفكرون، جواد واستطاع أن يظل حرا؟ وبدأ التفكير والعمل وصناعة الأسلحة والثورة على الملك وجنوده من أرضهم؟..

هذه من القصص التي كنت أجبر بنات الأول ثانوي أن يسمعوها مني، ولكن كنت أناقش الأفكار معهم وكنت أيضا أطلب منهم أن يجلبوا قصصا أو كتبا، وأتذكر مرة أن طالبة وقفت وقالت لي: احني مش صغيرات هادي قصص أطفال؟ فطلبت منها إما البقاء والاستماع إلى القصة أو الخروج، فابتهجت لأنها ستخرج ولكن قلت لها: طبعا أوقفي قدام الفصل لعند تكمل الحصة؟

هههههههه، وكان العام التالي وكان جدولي مكتظا، أربع فصول (ثانية علمي وثالثة علمي) بجدول (21) حصة مع ثلاث احتياط أي (24) حصة في الأسبوع، والفصول مكتظة (وخاصة السنة الثانية 48 طالبة في فصل واحد، حتى أن الفصل كان شبه مدرج جامعة أربعة مقاعد في كل صف.

وجدولي كان اللغة العربية والتربية الإسلامية، وأتذكر ذاك العام وككل القرارات العشوائية، أحالوا مجموعة معلمات على الاحتياط كي تكون معدلات الأداء (24) حصة، كنت أعطي ثلاث حصص في اليوم، وحين أخرج من الحصة الثالثة أكون مرهقة جدا، فتجيئني المشرفة لتطلب مني أن أدخل حصة احتياط، فأقول (والاحتياط) فتقول: ما قدرتهمش!!!

فأذهب لأرجو واحدة منهن الدخول (وكن يجلسن في الطابق العلوي القريب من باب السطح)، وأجدهن يتنعمن بالشاهي والقهوة وأنواع الحلويات، وتكون الإجابة: (إحني زوايد  ما فيناش فايدة، البركة فيكم  تكفوا و توفوا) مع ضحكات ساخرة،  وكما نقول في (سوق الجمعة) (عين تبكي وعين تضحك) و(زي المرا الطيبة نخش حصة احتياط)، … 

وماذا أفعل كي اتحمل هذا الوضع؟

كنت أغيب لأذهب إلى صديقتي (كريمة في مكتبة صوت الوطن) وهناك أجد (مجاهد البوسيفي، وقاسم الساعدي، ومحمد الطاهر)، ووتدور الأحاديث الثقافية خاصة عن ملفات الفصول الأربعة و الكتب، وأحيانا يكون اتجاهي  إلى  مكتب الأستاذ “يوسف الشريف” في مؤسسة النفط، وطبعا هذا بعد ذهابي إلى مكتبة عمي (رجب الوحيشي) وشراء المجلات وبعض الكتب وأيضا الكراسات والتي أحب الكتابة فيها..

رسالة

أيتها الذاكرة، لا تخذليني

نعم، نعم… ثمة عام كنت معلمة للصف الأول ثانوي، وكانت طالبة اسمها (كريمة فرج الفاسي)، بخط كبير وجميل وإملاء صحيحة وكانت مادة الإنشاء، وأظنني كنت أتحايل على المواضيع المقررة، لأقترح مواضيعا أراها مناسبة لبنات بالصف الأول ثانوي، يحدث هذا التجاذب بين المعلمة وبعض طالباتها أو تلميذاتها وتلاميذها، كما حدث مع زياد وآخرين وأخريات، حدث مع هذه البنت والتي بصورة ما بها شبه مني، والأكثر الشبه من أختي الوحيدة، ولكنها حقا متميزة وقارئة وتريد أن تكون، وكانت تشارك في النشاط المدرسي في القصة والمقالة، وأتذكر أني ذهبت معها في واحدة منها، والغريب أنها انتقلت العام التالي لمدرسة (جماهيرية ….. ههههه) ولكنها فاجأتني بزيارة  وفي تلك الزيارة فتحت أبواب قلبها لمعلمتها حواء، وظلت تراسلني وتسألني المشورة فيما تكتب وتحكي، إذا صارت صديقتي، وظلت تتواصل معي و ووووو حتى أني شعرت أنها ابنتي بشكل ما، هي قوية وجسورة وتبحث وتقرأ وأظنها شاركت بنشاط فكري أقيم في (الفندق الكبير)…

هل نسيت شيئا يا “كريمة” ذكريني، لأن الأعوام صارت عقود ولهذا ذاكرتي صارت تخفي أو تعبث معي، تريدني أن ألهث وراءها أن أحفر داخل رأسي كي أقبض على هذي الفسيفساء من الحكايات، الذي لا أنساه هو (مجلة البيت) و(رامز النويصري) وحكاية هنا وهناك وأحاديث وتلك الأمنية التي حفرت عميقا في قلبي: أن تكوني لهذا الولد المشاكس المثقف والصحفي والذي بجسارة الشباب أنشأ موقعا الكترونيا وسمّاه (بلد الطيوب)، نعم تمنيت ذلك وتحقق يا (ابنتي كريمة).

مقالات ذات علاقة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (28)

حواء القمودي

أولئك وهؤلاء

مريم سلامة

أحمد الشريف: رجل الفكر والمقاومة..

سالم الكبتي

اترك تعليق