طيوب عربية

العلامة ابن خلدون سابقة علمية اقتصادية فريدة (2-4)

الغزالي الجبوري – العراق

ملامح الجانب الأقتصادي عند ابن خلدون.

تمثال ابن خلدون بالعاصمة التونسية (الصورة: عن الشبكة).

تتمهل هذه الحلقة من الجزء الاول في سياق موضوع بحثناه عن العلامة ابن خلدون، موسوم بالعنوان أعلاه. في وجه المقابلة للتجارب والبحوث التي أتسمت بأجتماعية ابن خلدون، وهذا ما دفعنا إلى تقليب وجهه الأخر في مجال الاقتصاد في فكر ابن خلدون (المقدمة)، وما تواصل مع عصره. ويثنى تدبر اسباب تحول النظر إلى تفرد ابن خلدون من الاقتصاد إلى الاجتماع، وما وجدنا من الاهمية البحث في هذه الخصوصية المميزة، والمثيره لإنتاجه الفكري من ناحية اشتغاله مثلا بمناصب مدنية عالية في الأندلس (اسبانيا والبرتغال حاليا) وشمال أفريقيا، في عصره،، والنظر في المعطيات عن محطات “سريعة ومبسطة” التي آثرت سيرته المعرفية المعلنة، وما خفي عنها في وحدة معا من ناحية أخرى، وتطرقنا في الحلقة السابقة، قبيل الدخول في هذه الحلقة، عن الظروف التي دفعت بابن خلدون وشخوصه المكابدة. وما جاء في ضوء ذلك من إشارات ومضنا عن ذكرها، عن كيفية بنية خطاب ابن خلدون وآليات توصله في “الوساطات الرسمية إزاء تحدي صراع النزعات بين مرجعيات نزاعات القبائل وحلها، ومن ثم إشرنا عن قيامه بتحليل ذلك المنصب، دفعه إلى رصد وتحليل بنى خطاب العصبية واعادة تركيبه ضمن سياق موائم، من أجل ترسيخ طبيعة النزاعات الحقيقية ودوافعها؛ لتنسيب مد الصراعات، وادعاء العصبية بأحتكارها٬ القوة المهيمنة على إثارة التوجه ومخالفاته، ومن هنا تفحصنا في هذا المشهد، أن ندخل الحلقة الثانية وما تتوالى إلى مشغل ألية التكثيف الدالالي في طريقة المسائل الاشكالية التي يطرحها حشد من الباحثين الاقتصادين الغربيين على ما يستشهدون به، بمفجر الإبداع لعالم الاقتصاد الاول ـ آدم سيميث) في الواقع وجدنا أن هذه الأدبيات وألية صياغتها للمفهوم والاصطلاح، تاريخيا، يمثل وجهة نظر فئة ، متعصبة، من جانب الغربيين، في اسنادهم إليه كل هذا الرأي٬ أي ـ إلى آدم سميث ـ، في حين الواقع التاريخي، خلاف ذلك، في تشكيل ما تشير إليه حقيقة ودقة مراجعة ألية المراجع، واستعاناتهم بها. على الرغم مما رفدت التنويها والهوامش٬ غير أن نصاب الدعوة وأعتماد مسلمات القصد من توظيف مختلف المراكز البحثية الدولية المرموقة، بأن الاليات التي ذكرت في مصادر التدوين٬ غير دقيقة، وخارج نصابها ترميزها العلمي والاكاديمي، ما جعل لنا مع باحثون متخصصون، بالرد على مثل هذه الاجتهادات غير العلمية، مقدرين دوافع هذه الإهتمامات بالجدل والرد  بالأدلة والبراهين٬ على ما تعين القصد مما جمع شملهم عليه بالبهتان، ومتابعة أدبيات مراكزهم ما يصدره من نشريات ودوريات، لغرض استيضاح الحقيقة، بالوقوف والكشف عن نهج مختلف الاساليب والآليات العلمية الفارطة٬ وتقديم عنها إيضاحات بإعادة توثيق مساندها الصحيحة المؤرشفة٬ بتقويم علمي دقيق، ومراجعة توظيف ما ذكرناه، في جدارة أقتصادية ابن خلدون الفريدة في معالم استكشافة عن (ردم الفجوة الضخمة اقتصاديا)، هو انتصار حق لصاحبها الحقيقي، وليس آدم سميث، وتوفير اساس النظر لتاريخ مدوناتهم من مذهب الاقتصادية معادة ومكررة بالاخطاء عن صاحبها، والمقابلات العلمية أن تتوخى الدقة مستقبلا في ممارسة نشاط التدوين في المناهج التعليمية، ومن تتوفر في دقتهم شروط سيتادة أحترام القانون والعلم والتدون. واحترام الحقوق التاريخية والفكرية لملكية أصحابها وما وراءاها الأمة والاقوام.

أما بعد؛

ومن الاعمال الفريدة والأكثر أهمية في مجال تاريخ الفكر الاقتصادي، كتاب لمؤلفه Joseph Schumpter بعنوان (تاريخ التحليل الأقتصادي، 1954)The History of Economic Analysis,1954، الذي آثار نقطة جوهرية في غاية الأهمية، تتعلق؛ عن وجود “الفجوة الكبيرة” في تاريخ الاقتصاد. ويبرر هذا المفهوم بالجهل العام؛ في مناهج الاقتصاد نحو طبيعة التفكير الاقتصادي بين العصر المسيحي وأساليب البحث العلمي المبكر حينذاك، مؤكدا، على عدم وجود التفكير الاقتصادي العلمي الإيجابي ذات الصلة بتلك الفترة.

وبفضل هذه الفجوة، أظهرت بنفسها بروز أهم شخصية إسلامية في العصور الوسطى، هو الباحث الأندلسي والسياسي العلامة (ابن خلدون)، لم يكن ابن خلدون مهتما كثيرا بطبيعة مصداقية محتوى الكتب الأكاديمية الرئيسية كثيرا ( Scrippanti and Zamagny 2005, Ronkaglia 2005, Rothbard 2006, 1985). العديد من هذه الأعمال غالبا ما تأخذ بداياتها بشكل مضلل، لتحديد “جذور” النظريات الحديثة عند مناقشتها الميركنتليه، أو، التنوير الأوسكتلندي. وما لزم الحقيقة، هو، أن هذه ليست بداية حقيقية  للفكر الأقتصادي على الإطلاق.

أن تأسيس العلوم الاجتماعية في الرابع عشر، كما هو معلوم. وما لبث، أن أكبر وأهم ميزة لـ( ابن خلدون) تكمن في تفكيره المنهجي التنويري. ورفضه تماما طرق وأساليب منهجية أجداده، مما جعله أول “عالم أجتماع […] بالمعنى الدقيق لهذا المصطلح” (Fonseca,1988). ما سبق ابن خلدون، كان الدور الاهم واقع على عاتق المؤرخين الإسلاميين، مقتصرا على نقل المعرفة، دون تعديل أو تغيير أو إضافة أي ملاحظات على ضوابط تقليد النقل. لم يشككوا أبدا في صحة القصص، لكنهم حللوا مصداقية المرسل بعناية فائقة بدلا من ذلك.

تجاهل ابن خلدون هذه الممارسة، مشيرا؛ إلى الحاجة لطريقة علمية جديدة تسمح للمفكرين؛ أن يقوموا بفصل المعلومات التاريخية الحقيقية عن المزيفة. ولكن كيف البلوغ لتحقيق ذلك؟ وفقا له، يجب علينا “التحقيق في التنظيم الاجتماعي الإنساني” ليكون “معيارا سليما”، يساعدنا على تحليل المجتمع، بدلا، من قبول قصص غير معقولة للمؤرخين (8 ـ Ibn Khaldon Pp.7).

ما يؤكد تسلط ابن خلدون الضوء عليه؛ هو أن هذا العلم، علم جديد تماما، علم أصيل ومستقل، لم يكن موجودا من قبل ( Ibn Khaldon p.8).

 قد يكون التفكير الخلدوني مألوفا بشكل محرج لأقتصاديي اليوم. ويذكر أن تقسيم العمل يشكل أساسا لأي مجتمع متحضر، ويحدد تقسيم العمل فقط على مستوى المصنع، بل أيضا في السياق الأجتماعي والدولي أيضا. يسلط ابن خلدون الضوء، على توقفات، مثال: ما طبيعة الحصول على الحبوب، و تقسيم العمل يخلق قيمة فائضة؟، و الأكثر من ذلك: ” وهكذا، فإنه لا يمكن أن تؤدي عملا ما، دون معرفة مزج العديد من عناصر القوى في مكوناته، إن كان هذا يعني الحصول على الغذاء لنفسك، أوبالنسبة لغيرك. أويمكن من خلال التعاون، يمكن تلبية احتياجات عدد من الأشخاص، وإن كبر العدد بكثير من عددهم (عددهم الحقيقي)؟!” (Ibn Khaldun p.87).

ومثاله على تقسيم عملية الإنتاج، ينسى تماما من قبل الاقتصاديين، وإنها ليست أقل تعبيرا من مصنع (مسامير) أو كلابات الحدادة: ” تشمل، على سبيل المثال، على أستخدام المنحوتات للأبواب والكراسي. كيف إذا واحدة تتحول بمهارة، لتشكل قطعة من الخشب في مخرطة، ومن ثم يضع واحدة أخرى لهذه القطع ليمزجها معا، بحيث تبدو للعين، كأنها قطعة واحدة؟.” (Ibn Khaldun p.519). ما هو أكثر من ذلك: أن منافسة الحداد، كما يراها ابن خلدون، هو بما لا يميزه بين العمل المنتج وغير المنتج.

واستنادا إلى هذا من السهل أن نفهم أن ابن خلدون قدم أفكارا مشابهة جدا لآدم سميث، ولكن منذ مئات سنين خلت قبل الفيلسوف الغربي. لكن ابن خلدون ليس ما قاله في علم الاجتماع أقل منه في الاقتصاد!. حتى  يجعل الاقتصاديين الكينزيين اليوم منه غير مألوف و حرج صعب صفاءه.

حلل الأسواق التي تنشأ على أساس تقسيم العمل، وأختبرت قوى السوق، بطريقة تعليمية بسيطة مشابهة جدا لموقف (الفريد ماريشال Alfred Marshall’s position). لم يتم يبتكر اختراعا لتحليل العرض والطلب في القرن التاسع عشر: كما قدم وصفه الباحث العلامة الإسلامي بالعلاقة بين الطلب والعرض، وأخذ أيضا دور المخزونات، وتجارة البضائع في نظر الاعتبار. وقد قسم الاقتصاد إلى ثلاثة أجزاء (الإنتاج والتجارة والقطاع العام)، حيث أن أسعار السوق في نظريته، تشمل؛ الأجور والأرباح والضرائب (Polakia, 1971). وفي الوقت نفسه قام بتحليل سوق السلع والأراضي أيضا. وقد قاد هذا النهج المنظم العلامة ابن خلدون إلى أختراع (نظرية العمل للقيمة)، مما يجعل الباحث الإسلامي مفكر ما قبل الماركسية (أو الكلاسيكية) بهذا المعنى (Oyes,1988 ).

فكرته؛ أن كانت القيمة المنتجة (صفرا)؛ إذا كانت مدخلات العمل (صفرا)، يبدو الكلاسيكية بشكلها المدهش، تقدمها بفارق كبير.

وهنا نصل ململمين أطراف ملف الحلقة إلى حلقة (3-4):  ملامح تلفيق الكلاسيكية الجديدة قصتها المزيفة؛ ـ الأفكار الكينزية مقابسة خلدونية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*  قمت بتقسيم المقالة هذه إلى (٤ حلقات مبسطة وامضة) لترتقي بين يدي القاريء ترفيهة من يسر في القراءة والمتابعة وسلاسة أنبساط في التركيز ما حمل متنها٬ آخذين بنظر الاعتبار وقت القاريء وانشغالاته. 

مقالات ذات علاقة

برعم الكرز في يومه السابع!

آكد الجبوري (العراق)

همس الروح “هكذا تذوي الأعمار”…

حسين عبروس (الجزائر)

عذاب الركابي يفضح ذاكرة الزهار

المشرف العام

اترك تعليق