سيرة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (27)

في هذا الصباح البارد …..

سأتذكر العام الدراسي الأخير، سنة رابعة /قسم علمي/ علوم ورياضيات، والثكنة والتدريب و الشغف، الطزاجة التي في ذاك العمر  المشاعر الحّارة، الصداقات التي تنمو وأيضا تموت، كتاباتي التي أحرق أغلبها خوفاً من وقوعها في تلك اليد التي اعتادت ان تفتش كتبي وكراريسي، أعترف أن هناك ذكريات تداخلت فلم أعد أتذكر جيدا ما كان بالسنة الثالثة أو الرابعة، ولكن لن أنسى الشهر أو ربما أكثر في (قاعدة امعيتيقة) تدريباً يومياً و تجريب داخل خيمة عن إصابة الأهداف الثابتة والمتحركة بـ(صاروخ سام 7)، هدر وقت وهدر قيمة وهدر تعليم.

ولكنه رغم ذلك ولأن عمرنا غض وقلوبنا نابضة عشنا هذه التجربة وملأنا استمارات الدخول للامتحانات النهائية، مازلت أذكر العمر الذي كتبته، كنا نملأ الاستمارات في شهر مايو 1983، نكتب العمر بالسنة والشهر وربما اليوم (العمر عشرون عاماً، وأحد عشر شهرا).

هكذا كتبت حواء التي تنشر مقالا وآخر في صحيفة الجماهيرية، وأيضا نصا طويلا اختيرت منه مقاطع صغيرة، وكانت حينذاك قد دخلت في معية الاسم (دلال المغربي) بعد أن كتبت باسم (أريحا صامد.. وبنت سوق الجمعة).

في فبراير 1983 اخترت اسم “دلال المغربي”، ولكن ثمة حكاية مضحكة وأنا أكتب مقالة نهاية العام 1982م ، ونشرت بتاريخ 26نوفمبر1982م.

الشاعرة حواء القمودي
الشاعرة حواء القمودي

مازلت أتذكر والعجب يأخذني لماذا كذبت، نعم كذبت ولكن في أي شيء لقد أسقطت شهراً من عمري بعد العشرين، ههههه (مثلا كم سأغفل من شهور وأعوام الآن). أتذكر كيف كنت منكبة أكتب وحين جاءت جملة (وكان الولد يتبع البنت، والبنت تبتسم للولد، إنه الشهر /الرابع/ بعد العشرين  فما تاريخنا مع الحب، يا قلب أجبْ) ص17، مازلت أتذكر كيف كنت سأكتب (إنه الشهر الخامس بعد العشرين)، ولكن  بدلا منها كتبت (الشهر الرابع)، وفي هذه المقالة والتي ذيلت باسم (بنت سوق الجمعة)، وأنا الطالبة بالسنة الرابعة معهد معلمات، كتبت (عن  تلك البنت التي كتبت اسم حبيبها على مقعد الدراسة، لكن الملازم ضبطها فصبّ جام الغضب عليها لأنها اخترقت قوانين القبيلة والمجتمع ولم تستح من العار) ….

يااااااه.. على بنت العشرين الغاضبة، والتي خافت أن تذكر عمرها كاملا! هههه! فأنقصت منه شهرا، لكنها حين ستملأ استمارة إكمال الدراسة بالسنة الرابعة ستكتبه بالعام والشهر والأيام (عشرون عاما وإحدى عشر شهرا……)، الكيمياء والفيزياء واللغة الإنجليزية، الجبر والهندسة والتفاضل والتكامل  والاحصاء وووو. أتذكر أياما جميلة تحت نخلة في (السانية)، حيث كنت أذهب من بيتنا (الدوبلكس) إلى حيث ولدت وترعرعت وعشت أولى سنوات مراهقتي، هناك تحت النخلة وغير بعيد عن (سور قاعدة امعيتيقة) كنت أجلس مع ابنة عمي (سميرة)، هي ثالثة ثانوي علمي وأنا سنة رابعة معهد، أنا اكبر منها بعدة سنوات ولكن اشتراكنا في نفس المواد جعل صحبتنا تغدو أعمق، “سميرة” صديقة الطفولة حيث هي و”سعاد” وأنا نحب الجلوس تحت الزيتونة الكبيرة، وكل واحدة قد جلبت (صونية غداها). هكذا قررنا ونحن نلعب ان نتغدى معا في ظل الزيتونة، وها نحن الآن  في ظل النخلة نحفظ دروس الكيمياء والفيزياء، نتبادل الكراسات وحين نرتبك في الفهم تأتي (ربيعة شقيقتها) لتشرح لنا، أو تساعدنا في حل المسائل، وكانت ايضا تجلب لنا (الشاهي الخفيف وسندويشات)، لنأخذ قسطا من الراحة، وحين أذان المغرب أتسلل كي لا تراني (الحاجة خديجة) لأنها ترفض مني (انروح بروحي في الليل) و(هما خطوتين!) هكذا أجيبها ولكنها تصر أن يرافقني (واحد من الاولاد)، او ان أنتظر أخي “خالد”، والذي يصغرني بست سنوات (باش يروح بيك.. ما يصيرش تروحي على رجليك بعد المغرب بروحك).

وطبعا سأنزعج كيف لولد أن يكون حارسا وحاميا لأخته الأكبر، وهكذا وقبل أن تظهر الحاجة خديجة (رحمها الله)، أكون قد تسللت مستمتعة بروائح العشية التي تفوح أكثر عند آذان المغرب، أعبر مراتع الطفولة وأسلّم على (التوتة البيوضي) ثم إلى (الستاك) حيث الشارع الطويل وخطواتي واستغراقي في استذكار المعادلات أو تذكر قانون فيزياء، و تجيء الامتحانات النهائية والاستنفار واليوم الذي يسبق امتحان مادة الكيمياء ومجيء (نيسة) والتي أبوها قريب لي من جهة الأب والأم (لا تنسوا أمي زهرة، تزوجت ولد خالتها القمودي)، إذا كان يوما غارقا في محاولة استكمال دراسة هذه المادة،  ورغم كل استذكارنا السابق دائما اليوم والليلة السابقين للامتحان سيكونا علامة، بعد انقضاء النهار وجزء من الليل قررت (نيسة) ان تقرأ واحدتنا فصلا كاملا وتلخصه بينما الأخرى ترتاح تأخذ قسطا من النوم، ثم تنهض لتشرح لها من قرأت ولخصت وحتما ستأخذ قسطا من الراحة لتكون الأخرى هي من ستقرأ وتلخص وتشرح، ولكن قبل هذا الوقت وعند الساعة (طناش) طرق باب البيت وصوت (بوي القمودي) وهو يسأل (منو تفضلوا؟) ونسمع الصوت الآخر لنعرف أنه (بو نيسة) جاء كي لا تظل بنته ….  وطبعا غضبة من (بوي) وكان الأكبر وابن (العمة الكبيرة): (جاي بتروح بمن من حوشي يااااا ……؟) وتعالت الضحكات والاعتذار والتحية.

امتحانات وامتحانات ….ثم هدوء وانتظار النتيجة، واستغراقي في قراءة الروايات العالمية، كان (ارنست همنغواي) اكتشاف ذاك العام، بدأت قراءة أعماله أثناء العام الدراسي (العجوز والبحر/ الشيخ والبحر) وأثناء انتظار النتيجة وخاصة الأسبوع الذي تأكد أن النتيجة ستعلن، وطبعا هناك دائما من سيحاول ان يعرف النتيجة قبل إعلانها، وفي أثناء ذلك بدأت شائعات عن إلغاء الدراسة بنظام أربع سنوات وأيضا التفريق بين المواد (علوم فقط/ رياضيات فقط، وهكذا) ولكن كنت مستغرقة مع رواية بحجم كبير هي (عمال البحر)، وأشهد ان هذه الرواية أذهلتني وحين كنت  مستغرقة أقرأ، ولا أظن أني كنت في عالم الواقع كنت مع ذاك العاشق الجالس على تلك الصخرة والتي سيرتفع مدّ البحر حتي يعلوها، كان يراقب سفينة تأخذ حبيبة لم تشعر بمحبته ولكنه يحبها وحين ستمضي لن يكون له من داعٍ للعيش إلا تلك اللحظات، لم أكن هنا حين سمعت طرقا على باب بيتنا ونهضت لأفتح الباب ليطل وجه زميلتي وأيضا صديقتي (نعيمة) لتخبرني بابتهاج أني نجحتُ (نجحتي يا حوا!! كلنا نجحنا، انت وانا وفايزة وووو) نظرت إليها وسمعتها ولم أكن هنا، كنت أفكر في ذاك العاشق الذي سيغرقه المدّ وهو ينظر لآخر أضواء لسفينة تبتعد آخذة معها حبيبته، وستعاتبني (نعيمة) على بلادتي (معقولة ياحوا جاياتك في الليل نبشرك بالنجاح وانت تقوليلي: باهي نجحت نجحت؟؟).

ومازلت أتذكر كيف علقت وأنا أتأكد من النتيجة التي كان يقرؤها أستاذ جالس وأمامه دفتر كبير يبحث فيه عن الاسم وحين بحث عن اسمي ووجدني ناجحة ثم التقدير (مقبوووول) صرخت فقال لي: (إحمدي ربك اللي نجحتي)….

 وفي ذات العام ..

إذا نجحت “حواء”، وحين ذهبت لتسلم شهادتها وأيضا تعيينها معلمة، كان عليها أن تكون مع مئات من المعلمات وأن تضع يدها لتقسم، لم أعد أتذكر هل كان القسم جماعيا أم ضرورة أن تضع كل واحدة يدها على المصحف، لتقسم أن تحافظ على أهداف ثورة الفاتح العظيم…؟؟؟؟

كان ذلك في بداية شهر اكتوبر عام 1983م، وكانت المدرسة القرآنية التي قرب بيتنا هي محطتي كمعلمة احتياط، في المدارس القرآنية الحصص الثلاث الأولى لقراءة وحفظ القرآن الكريم، والثلاث الباقية للمواد الأخرى. معلمة احتياط أدخل الحصص وأصادق البنات الصغيرات، وشاع الخبر أن دفعتنا هذه من المعلمات والثانوي جميعها ستكون أو ستضم للكلية العسكرية للبنات، كان هذا في شهر نوفمبر، تقريبا في بداية الشهر حين منعنا من التوقيع في السجل المدرسي الذي يثبت مداومتنا، وطلب منا الذهاب إلى الكلية العسكرية، هناك من ذهبت (معلماتي بمادة الكيمياء والاحياء، كما سمعت) وبعض  من درسن معنا، وغيرهن، ولكن  بنسبة عالية تفوق التسعين بالمائة لم نذهب وجلسنا في بيوتنا، وبعد شهر طلب منا نحن معلمات المواد العلمية العودة لمدارسنا، وهكذا جاء تعينني الثاني بتاريخ 12/12/1983.

والرحلة لم تبدأ بعد (صبرك يا صديقاتي ويا أصدقائي)!!!

مقالات ذات علاقة

للتاريخ فقط (18)

عبدالحميد بطاو

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (51)

حواء القمودي

للتاريخ فقط (5)

عبدالحميد بطاو

اترك تعليق