سيرة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (63)

قَدَرُ مجلة البيت؟؟؟

ها أنا أواصل الكتابة عن هذه التجربة الثرية، دخول (معترك) الصحافة والتعرف على همومها، الاقتراب من جمرها والاكتواء بلهبها، رحلة بدأت في نهاية شهر يونيو (شهر الصيف كما كان يسمى آنذاك)، ولأن أعدادا من مجلة البيت مازالت بحوزتي، أكتشف بهجة تلك (البنت حواء) هي التي كان تحلم بأن تكون صحفية أو محامية ولكن التعثر خالط الحلم وتعثرت خطواتها، ولكن مثابرثها (و صراعها) يؤتي أكله نهاية المطاف فتغدو حقا صحافية تداوم يوميا في رحاب مجلتين أسستهما السيدة خديجة الجهمي (البيت والأمل)، بعد أن كانت ترسل مقالاتها لتنشر في صحيفة (الجماهيرية) ثم تجربتها مع صحيفة (الطالب)، هاهي كل صباح مثل بنت صغيرة تترقب شروق الشمس، بداية يوم جديد لتنهض وتجهز حقيبتها، وبلهفة عاشقة تمدّ خطواتها في اتجاه المشرق حيث ( المؤسسة العامة للصحافة) وصعودا إلى الدور السابع هناك ثمة بيت دافئ حيث (الجازية بوكراع ومسعودة الدغباجي) و(المصور سعيد حقيق)، أشعر بهم (كائنات مقدسة ) لأن تلك السيدة خديجة، كانت معهم وبينهم (أمهم ومعلمتهم ورائدتهم).

ها هي “الجازية العجيلي بوكراع” في حديثها عنها تخبرنا عن والدها الذي كان موظفا في مجلة (المرأة/ المرأة الجديدة) حين أخذ بيد ابنته (التي أحبطت من رسوبها في الشهادة الإعدادية) ليسلمها ليدٍ حانية تقحمها في مجال التصوير وأرشفة الصور ولكن (لم تدعها السيدة خديجة تهمل دراستها) فأكملتها حتى تحصلت على (دبلوم من معهد الشؤون الادارية والمالية).

تقول “الجازية”: لم أكن وحيدة كانت مجلة المرأة تعج بنا.. أم السعد ارحيم (أرشيف)، رقية قريرة (إدارة)، نزهات القريتلي (مترجمة)، زهرة الفيتوري (إخراج)، زينب الفزاني ارحومة (إخراج)، مع الأديبتين “نادرة عويتي” و”مرضية النعاس”.

إذا هي (أمنا خديجة) مازالت تجمعنا ، البيت دافئ والترحاب وفير لأن “أمينة التحرير سالمة الصغير المدني” تغتنم أي فرصة لتكرم من يعبرون إلى البيت؛ لكن سأعود إلى خريف 2000 والإعداد لندوة عن (الصادق النيهوم)، والبحث عن مكان لإقامة هذه الندوة، ليكون لقاؤنا مع الاستاذ “فايز بن حليم” والذي له منصب إداري رفيع في فندق ( المهاري)، “جنينة السوكني” و”نادر السباعي” و”حواء القمودي”، صحفيون من مجلة البيت وفكرة الندوة والاحتفاء، واظن أن المشاغب “نادر السباعي” صديق للأستاذ “فايز حليم”، قلت أظن فالزمن طويل والذاكرة تقفز هنا وهناك، وها نحن نتبادل الافكار ونتصل بالشخصيات، و لأني كنت أتواصل مع الدكتور “محمد وريث” من أجل رسالة الماجستير فقد أوصلت له دعوة شفوية للمشاركة في هذه الندوة، ثم طلب مني أن أقرا مشاركته والتي كتبها حين رحيل “النيهوم”، سلمني مجموعة قصاصات، كان قد كتبها حين رحيل النيهوم، فجأة تعتذر “جنينة” عن المشاركة لظرف طارئ، ونواصل العمل حتى يوم الندوة الذي تميّز بحضور (نموذجي) إذا صحت التسمية، و الأجمل هو توثيق موسع لهذه الندوة مصحوبا بإخراج متميز، صدر في العدد الثاني عشر للسنة السادسة والثلاثين لشهر “الكانون”( ديسمبر 2000)، ذلك العدد الذي على غلافه صورة للشاعر “علي الفزاني”، والذي رحل خلال العام 2000م، وملفا دسما من إعداد/ ليلى النبيوم وخلود الفلاح، وشاركت بقراءة لنص الشاعر الفزاني (الحوار المقفل) والذي نشر في أحد اعداد مجلة (لا) وشغفني جدا، وكان أن كتبت القصيدة والقراءة ونشرتا في هذا العدد، والذي ضمّ متابعة موسعة عن ندوة النيهوم التي أقيمت في ذكرى رحيله السادسة، والتي كما ذكرت حظيت بحضور لافت و بورقات متميزة وحوار عن الصادق النيهوم ثري، وحظي كان قراءة مقالة (إضاءات) للدكتور “محمد أحمد وريث”، والتي كما كتب لي (هذه المقالات نشرت في صحيفة الجماهيرية عندما كنت رئيس تحرير لها وذلك في الأسبوع الاول بعد رحيل الأديب الصادق النيهوم عام 1994 تحت عنوان اضاءات) والذي ختم إضاءاته قائلا: (فأنا لست في موقف من يرثي الصادق النيهوم، فالبشر المماثلون له، أعني الذين وجدوا في الحياة وتفاعلوا معها وصاروا من صميمها وأثروا فيها وكانوا من رواد الإضافة إليها والإبداع أي إبداع خلالها، لا يمكن أن نفكر في رثائهم لأنهم أحياء تماما كالشهداء فمن يرثي حياً؟ من يرثي الصادق النيهوم).

(البيت في ذكرى النيهوم) هو عنوان المتابعة وصور للحضور المتميز، والكاتب “يوسف القويري” في مداخلة رغم قصرها فهو كعادته ينحث بإزميل الفكر قال (هذه الندوة ليست حفلة رثاء بقدر ماهي ندوة عن الصادق النيهوم، لكنه يبقى من الضروري جدا أن يحضّر المرء ما يقول في هذه المناسبة، وحبذا لو احترم النقاش لطرح مجموعة الآراء والأفكار، وآمل أن أتمكن من الكتابة عنه وعما أبدعه وما قدمه للوطن، فقد كان مثقفا كبيرا في صحراء، وأديبا مستنيرا في الظلام، وقد كافح طويلا من أجل العطاء).

تصوروا ان أكون ضمن هذه الكوكبة من المبدعين (الامين مازن – يوسف الشريق- منصور بوشناف- عمر الككلي- فايز حليم- ابراهيم حميدان- أحمد الحريري- محمد طرنيش- نصر الدين القاضي- عبد الرزاق الماعزي- عبد السلام الغرياني). قدمت ورقة “د. وريث” ثم ورقة عن النيهوم وكما في المتابعة في المتابعة؛ وأخيرا “والمساء معك لا يكون حزينا ” نغم من شفاه الشاعرة حواء القمودي استساغه كل الحضور في صمت يملؤه ضجيج داخلي بخزن الأديب الراحل عنا الموجود في ذاكرة أدبنا) وللأسف احتفظت بوريقات “د.وريث” المصورة ولم احتفظ بتلك القصيدة ولا حتى تذكرتها إلا من خلال ما كتب عنها في المتابعة!!؟

الاستاذ “فايز حليم” وكما في المتابعة قال (إنني أحد الاشخاص الذين عرفوا الكاتب الصادق النيهوم كإنسان وأديب، وما أعرفه عن الصادق النيهوم- الذي كنت أقطن في نفس الحي الذي يقطنه- إنه ابن حقيقي لهذا البلد، وهو فعلا ظاهرة أدبية تحتاج إلى دراسة ونقد لكل أعماله الأدبية، ولعل الكل هنا أدرك وعانق مقالاته التي نشرت في صحفنا المحلية والعربية والعالمية…. ولد الكاتب في أحد أحياء بنغازي بشارع تفاحة بسوق الحشيش الذي استقى منه شخصيات رواياته وكتاباته، وقد كان والده من المثقفين القلائل في المنطقة، وهو رئيس نقابة العمال وظل الصادق يحتل مكانة واسعة في قلب أبيه لذكائه الذي استطاع من خلاله أن يرحل بنا عبر دروب أدبية متعددة).

وليكون مبدعنا الشاعر “أحمد الحريري” في موعده يتحدث عن النيهوم الذي (يخاف الظلام وكنت انا أجاريه أثناء حكايات الظلام والعتمة، وكثيرا ما تجولت معه داخل أزقة المدينة القديمة بطرابلس، وكثيرا ما جلسنا سوية في المطعم الشعبي (أبو الخير) الذي بني من عهد الاتراك، وقد أعددت قصيدة في ذكرى رحيل الكاتب:

بنغازي
أنا بحار.. شاعر غربتي هويتي
وكل الأرض عنواني
وكل بيوتها بيتي
أنا بحار ورفيقي
شراعي وعشق حريتي
وعودي وختم جنسيتي
وقصة غن فتى بحار.
مثلي
راكب عناده
ومثلي. فاقد بلاده
ومثلي طيبته زاده

فتى فيك طلع بدري
وكان وجهته مكة
لقي نفسه بلا رادة
ترك محطة وراه
وفات أحلامه
وسيب أمنا الغولة.
وجبة بوه واعمامه
وصار يشوف قدامه
وفي اعظامه
تكدس ثلج هلسنكي.)

كان مساءا ممطرا حين خرجنا لفحنا الهواء البارد ولكن الدفء كان ملء أعطافنا من ذاك الحضور المتوهج لإنسان اسمه (الصادق النيهوم).

مقالات ذات علاقة

للتاريخ فقط (5)

عبدالحميد بطاو

في ذكرى ميلاد شاعر الثورة والحزن الـ70

المشرف العام

سيرة مختصرة جدا

محمد دربي

اترك تعليق