أين ليبيا التي عرفت؟
المقالة

أين ليبيا التي عرفت؟ (38)

محمّد نجيب عبد الكافي

… الزّراعة والنقل 

كان عليّ أن أبدأ الحديث عن الاقتصاد وبناته الأوّلين بالزّراعة لأنها كانت، ويا ليتها تكون، أساسا متينا للاقتصاد الليبي لأسباب يعرفها الجميع أولها الاكتفاء الذاتي في الحاجيات والمتطلبات الحياتية، لأنّ المثل الشعبيّ يقول: “المتغطّي بمتاع النّاس عريان”. لم أبدأ بالزّراعة لجهلي بها وبمستلزماتها، وهذا يحول دون حقّي في الحديث، وأكثر منه حقّي في الحكم أو إبداء الرّأي. ثمّ أنّي لم أعرف مزارعين معرفة تمكّنني من التّعرّض لنشاطهم وما أتوه وقدّموه خدمة للأرض وإنتاجها. وإن سعدت بمعرفة من امتلك مزرعة مثل الهادي العايب أو أبناء بوراس، فصلتي بهم جاءت عن غير طريق الزّراعة. فالسيد الهادي عرفته نائبا عن مصراتة في البرلمان وبوراس أحدهم كان من طلبتي.
علي السرّاج هو الوحيد الذي نعمت حقّا بمعرفته ومصادقته، وكان له ما يقوله في قطاع الزّراعة، الذي تحوّلت وحداته وأراضيه الفلاحيّة التي كان ينعم بها المعمّرون إلى أيدي أبناء البلاد. كان الحاج علي السرّاج – حسب ما أذكر – رئيسا أو مسؤولا عن جمعية أو هو اتحاد يعنى بالفلاحة والفلاّحين، وكان، في ما يخصّ نشاطه الخاص يعمل بجدّ وتؤدة على تطوير هذا النشاط الحيويّ، وأجرى عديد التجارب لتنويع المنتوج وتحسينه، وإن لم تخنّي الذّاكرة، نجح في الحصول على ثمرة نتيجة تلقيح جديد. سمعت ما يشابه هذا عن مزرعة السيد الهادي العايب. خلاصة القول هو أنّ الرّراعة كانت في مقدّمة اهتمامات المسؤولين، ونشاط وعناية المزارعين لأنّ المرء بطبعه ابن الأرض وهو منها وإليها.

– قطاع النقل

تطوّر كبير عرفه قطاع النقل. تجدّدت وتنوّعت الوسائل والناقلات، وسايرت المعاملات والخدمات، وطرقها ونظامها، حاجيات الظرف والبلاد، وذلك بفضل مجهودات وعنايات الذين ورثوا، أو اختاروا، أو ساقتهم الظروف إلى تعاطي هذا النشاط، الذي لا يعرف أتعابه ومتطلباته إلا من تحمّلها منه، أو شاهدها ولمسها عن قرب، بحكم العمل وتحت متطلباته، مثلما كان الأمر بالنسبة لي.
كثيرون تعاطوا هذا النشاط الاقتصادي، فسأقتصر على ذكر من عرفت منهم عن قرب، وعن الذين تعاملت معهم بحكم مسؤوليّتي، وإشرافي على إيصال المعونات من حبوب وغيرها، التي كانت تستلمها ليبيا من بلدان صديقة، فتستلمها وزارة الداخلية عن طريق وكالة التنمية والاستقرار، ثمّ توزّع على كلّ مناطق البلاد من أقصاها إلى أقصاها. أبدأ بالسيد الهادي العايب الذي كان نائبا بالبرلمان، فزاد تمثيله الشعبي من حماسه وعنايته بتطوير وسائل وغايات نشاطه الاقتصادي، حتّى أصبحت شركته من أشهر وأبرز شركات النقل، التي تخصّصت بعد اكتشاف النفط في ما يحتاجه هذا القطاع من خدمات، فكان ونظراءَه، من أمثال علي المصراتي، ومحمد وعلي نقا، ويوسف بادي، سندا كبيرا لثروة ليبيا الجديدة.
خلاصة القول، وما تجب معرفته وتقديره، هو ذلك الحماس وتوافر الجهود – دون سابق اتفاق أو قرار – على العمل الحثيث الجدّي الخالص لله والوطن، كي تصبح ليبيا المستقلّة دولة تحتلّ مكانا مرموقا بين الآخرين.
بالذاكرة المزيد فلي عودة إن طال العمر.

مقالات ذات علاقة

ليبيا وبر الأمان

يونس شعبان الفنادي

لمن تؤذن المآذن؟

سعد الأريل

هل يغلب الشعر الزمن؟

عبدالرحمن شلقم

اترك تعليق