وفى متابعة لمقالى السابق، والذى شرعتُ فيه نشر مقدمة كتابى السادس، «مذكرات أول مذيعة تليفزيون ليبية – عايدة الكبتى»، وهو الثالث فى حفظ وتوثيق مشروع نهضة المرأة الليبية، أولهما «ليبية فى بلاد الإنجليز – خديجة عبدالقادر»، وثانيهما «نساء خارج العزلة» الذى يحوى ما يقارب الخمسين اسمًا لرائدات فى مجالات التعليم والتربية، والكشافة، والتنمية الريفية، والحراك المدنى، والإعلام والمسرح، سأجرى مقابلة أولى مع الرائدة صالحة ظافر المدنى، ببيتها بحى الأندلس – طرابلس (يوليو 2006) وأطرح فيها سؤالى لها حول ذلك اليوم عام 1949م، وكيف ملكت الشجاعة لتكون أمام ناقل الصوت وعلى الأثير مباشرة، كونها أول صوت أنثوى محلى ينطلق وينطق بما يريد، بيان للنساء فصيح المطلب من «الراديو المحلى العربى»، فأعلمتنى بأنها من توجسها خيفة لم تكن تنتبه لتعرف أين وجهة السيارة التى أقلتها، ولن تدرك موقع الإذاعة إلا لاحقا…
قالت لى: «الإذاعة كانت وسيلتى لأهيأ وأشجع البنات وأهلهن، تصورى أول مرة دخلت فيها الراديو كنت بالبيشا السودا (تقصد الخمار الذى يغطى الوجه) صعدت سيارة الإذاعة، ولم أدرك فى أى شارع هى ولسنوات، يومها شجعنى الأساتذة الأفاضل: أحمد الحصايرى، وعلى مصطفى المصراتى، والعارف بن موسى، وعمران البارونى، وعبدالسلام باشا إمام زوج رفيقتى وزميلتى وعِشرة عُمرى بهيجة العرادى، من صحح موضوع (المعلمة المخلصة) الذى أذعتهُ ثم نشرته فى جريدة «طرابلس الغرب» باسم مستعار، ولاحقا فى 21 مارس عيد الأم والطفل من نفس السنة، كنت أقدم كلمة فى الإذاعة بهذه المناسبة…
ما أتذكره أيضا أنها ختمت توصيفها لتلك المهمة الإذاعية متذكرة السيدة خديجة الجهمى رائدة الإصلاح المجتمعى وحاملة رسالته إعلاميًا، ما ستذكُره فيه ما يُدلل على أن خديجة وجدت فيها بذرة إذاعية ما نستنبطه من قولها: «وعلى فكرة أكثر من مرة عندما كنت ألتقى مع السيدة المرحومة خديجة الجهمى بعد إقامتها فى طرابلس، كانت تدعونى للعمل معها فى الإذاعة، كانت تحب عملها، خديجة إذاعية بارزة، أما أنا لا أنفع إلا معلمة»، وما عُرف عن السيدة خديجة دعمها للعنصر النسائى، وتقديمها لنماذجه المثابرة، سنلمس ذلك فى دفعها جيلين من الصحفيات والكاتبات والناشطات مجتمعيا ومدنيا…
حميدة بن عامر مذيعة الراديو الأولى
حميدة طرخان (العنيزى) حاملة لواء الريادة فى التعليم النسائى، والنشاط المدنى، ستضيف لمنجزها النسوى، أنها من دفعت بإذاعيتين: الأولى من ستمثل بدء الخطو وجسر العبور، والريادة لتاريخ الإذاعيات الليبيات «حميدة بن عامر»، ففى عام 1954م وهى عضوة بارزة بجمعية النهضة النسائية، سترشحها حميدة لدور إعلامى يجعل للمرأة مكانا فى خارطة البث البرامجى، وستُعد وتقدم «حميدة بن عامر» برنامج «ركن المرأة»،حيث سيتحول بيت الأسرة بالبركة إلى مقر لتسجيل الحلقات، ولاحقا ستلجُ المبنى وتسجل بأستديو المحطة الإذاعية بحى رأس عبيدة، وقد استمرت «بن عامر» فى إعداد وتقديم البرنامج وغيره من البرامج حتى عام 1961، حيث اعتزلت العمل الإذاعى واتجهت للتدريس معلمة، وتولت ابنتها أمينة بن عامر مسئولية إعداد وتقديم البرنامج، ولن نقرأ فى سيرة عمل الرائدة حميدة بن عامر موانع أسرية، إذ تكفلت السيدة «العنيزى» بمهمة إقناع الأسرة والزوج، فعندها أن مهمة حميدة بن عامر فى وقتها من لزوم ما يلزم، بما ارتأتهُ الضرورة، بموازة نهضتهن فى التعليم والعمل ونشاطات المجتمع المدنى، وفى أن يكون إعلام المرأة فى الصورة.