كريمان الصغير
فى اقوالنا المتداولة بلهجتنا العامية الكثير من العبارات والامثال والتوصيفات.. وقد يتضمن بعضها كلمات لها مدلول تاريخى أو اصول ضاربة بالقدم.. قد ندرك معانيها أو مناسبتها وبعضنا قد لايدرك معناها أو الحدث الذى ترتبط به…
أحد هذه الأقوال توصيفنا للشخص إذا كان مفرط العصبية وصدرت عنه تصرفات غير مألوفة منه نتيجة غضبه او عصبيته.. يقال “ناض عليه البورى”.. بمعنى اصابته حالة ”البورى”.. فما هو البورى…؟!
ببحثى عن البورى وماذا تعنى.. اتضح ان البورى هى طقس من الطقوس الحركية العنيفة أصولها افريقية وهى معروفة منذ القدم عند أشهر وأكبر القبائل الافريقية على مستوى القارة الإفريقية والتى تسمى الهوسا ”HOUSSA”.. والهوسا هى قبيلة تقع اصولها بشمال نيجيريا وتعتبر اكبر التجمعات العرقية النيجيرية.. وتمتد من “جبل الهواء“ بجمهورية النيجر شمالا الى منطقة جوس بلاتو وسط نيجيريا جنوبا ومن بحيرة تشاد شرقا الى مدينة جنى بمالى غربا.. والهوسا يدين اهلها غالبيتهم العظمى بالاسلام مايعادل 98%.. بعد ان دخلت فيه منذ عهود بعيدة.. كما تنتشر بينهم اللغة العربية كلغة مستعملة – ومن باب المعلومة (الهوسا تعنى راكب الثور.. حيث “هو” تعنى راكب و”سا” تعنى الثور)…
نعود الى البورى.. الكلمة التى نستعملها كما اشرت فى توصيف الشخص العصبى الذى يرغى ويزبد!
البورى BORI ببعض الدول الافريقية يعرف أنه نوع من الطقوس يسمى “الزار” كما عند قبيلة “الهوسا” الموجودة بالسودان مثلا وعند النيجيرين.. فكلاهما يطلق اسم البورى على الزار.. وفى بحث للباحثة الراحلة د. بقيع بدوى محمد “فان هناك نوعان من الزار” البورى والطمبورة BORI – TUMBURA حيث يعتبر طقس البورى نسائي بينما الطمبورة طقس رجالى.. فى طقس البورى النيجيرى يتم استخدام الطبول (يسمونها الدلاليك) بالضرب عليها الى جانب آلات أخرى ومنها مثلا “الجانجا والقراعة“ وغيرها.. ويتم القيام بالغناء على ايقاع معين وهذا الطقس والذى يتم فيه تقمص الارواح او التقارب مع عالم الارواح تسيطر عليه النساء بالغناء والقرع على الطبول فى هذا الزار البورى.. ويرتبط هذا الطقس “زار البورى” بالارواح التى تنتمى للجبال والغابات والاراضى الجافة.. أما الزار الذكورى “طمبورة” يقوم فيه الرجال بالضرب على الطبول او الدلاليك والغناء على ايقاع يتسم بالعنف والصراخ ويسيطر عليه شيخ زار يسمى السنجك ويوجد هذا فى منطقة طمبرة بمدينة بحر العزال بالسودان القديم.. وهذا الطقس حسب الباحثة مرتبط بالارواح التى تنتمى لعالم ”الماء السفلى”.. حيث يعتقد الناس هناك وخصوصا الاجيال القديمة أو الأكبر سنا أن الزار هو مجموعة من الأرواح التى يحكمها النبى سليمان عليه السلام كما ورد بالقرآن الكريم من أنه يتعامل مع الجن ومخلوقات العالم المختلفة “سورة النمل“.. هذه الأرواح حسب معتقدهم تعود للاسلاف والأسياد والشيوخ ويستعينون بهم من خلال هذا الطقس -الزار- حيث يعتقدون ان من تتقمصه احدى هذه الارواح من المرضى بالزار يتم شفاؤه…
وبعض المصادر والباحثين يصفون البورى انه الدين القديم للهوسا وبالتالى فان البورى هى احتفالات وطقوس وشعائر كانت بالاصل وثنية انتقلت من قبائل الهوسا فى النيجر حيث منشأها الاصلى…
بطقوس الزار التى يقومون بها يكون الشيخ هو الشخصية الاساسية بالزار له مساعدات تسمى احداهن الجليسة وهى نائبة الشيخ وعليها ابقاء البخور مشتعلة طول الوقت ومراقبة وضبط المشتركين بالزار وجلد كل من يخالف النظام.. ثم ”النجيبة“ ومهمتها خدمة الحضور.. و“الجراية” وهى مسؤولة عن توزيع الدعوات والرسائل.. ثم هناك ”حبوبة الكانون“ ومهمتها الطبخ.. وهناك ”بنات العدة“ وهن يتولين امر العزف على الآلات الموسيقية.. وهناك ”المزيورة” او الشخص الذى يقام لاجله الزار وتسمى العروس ولها مساعدة تسمى الوزيرة…
وهكذا فان البورى هو طقس معين عرف بالزار الذى يقام على شكل معين لغرض علاجات نفسية مثلا او كما ذكرت الباحثة جاكلين نيكولاس Nicolas Jacqueline عام 1970 ان هذه الظاهرة برزت من خلال فكرة اقتران طقوس البورى بالذنب عند قبيلة الهوسا.. مما يعنى ان الممارسة ذات طابع رمزى الهدف منها التطهر من الخطيئة والذنوب.. ومع إزدياد حدة الرقص والغناء بالزار او البورى تصل لحد الصراخ الهستيرى او الاغماء او غيرها.. ومن هنا ربما جاء بلهجتنا العامية تشبيه الشخص الذى فقد السيطرة على غضبه او اعصابه انه “ناض عليه البورى”…