من أعمال التشكيلي الليبي محمد البرناوي.
طيوب الفيسبوك

الرَّشْقَةُ، وَالمُؤامَرةُ الدَّوْلِيَّة!!!

د. رضا محمد جبران

من أعمال التشكيلي الليبي محمد البرناوي.
من أعمال التشكيلي الليبي محمد البرناوي.

مِنْ بَينِ أَبرزِ المُسَلِّياتِ وَالأَلعابِ التي استولتْ عَلى جَانبٍ كَبيرٍ مِن حَياتِنا وَمُخيْلتنا فِي الطُّفولةِ الرَّشْقَةُ، وَهي لُعبةٌ شَعْبيةٌ كُنَّا نُمارِسُها مَعَ أَقراننا فِي مَنطقةِ مَجدِنا العَامرة، حَيثُ كُنَّا نَصْنَعُها بِأَشياءَ بَسيطة لا تُكلِّفنا إِلا قِطعةً صَغيرةً مِن أَدَواتِ مَدْرَسَتِنَا، أَلا وَهُو الفُرْجَارُ، وَأَطرافُ ذُيولِ دُويُوكِنَا، التي كُنَّا نُطَارِدُها لِلحُصولِ عَلَى أَطولِ رِيشَةٍ فِي الذَّيلِ، وَمَا طَالَ مِن أَجنحةِ الدِّيكِ الرُّومِيِّ، لِيتَمَّ بَعدَها تَثبيتِ رَأَسِ الفُرْجَارِ فِي طَرفِ قَاعدةِ الرِّيشةِ، ثُمَّ نَقومُ بِرَسمِ دَائرةٍ كَبيرةٍ مَقْسُومةٍ عَلَى نِصفينِ، كُلُّ وَاحدٍ مِنَّا يَقفُ عَلى النِّصفِ المحدَّدِ لَهُ، وَنَسْتَهِمُ بَعدَها بِقَرشينِ وَهُو العُملةُ المعدنيةُ التي يَتِمُّ إِخفَاؤَها فِي إِحدى اليَدينِ، لِتَحدِيدِ مَنْ سَيبدأُ أَولاً، ثُمَّ نُرَدِّدُ عِندَ الاختيارِ قَولنا: (( هَاذِيْ، بَادِيْ، كُرُمبْ ازْبَاديْ، قَالي رَبِّي خُوْذِيْ، هَاذِيْ وَالَّا هَاذِي)) وَيَتِمُّ الاختيارُ، وَيَقِفُ الفَائزُ عَلى نِصْفِهِ مِن الدَّائرةِ، لِيبدأَ الَّلعبَ، وَهُو أَكثرُ حَظَّاً فِي الحُصولِ عَلَى أَجزاءَ كَبيرةٍ مِن أَرض خَصْمِهِ فِي التَّراشُقِ، حَيثُ يُلقي بِرَشْقَتِهِ المُذيَّلةِ بِريشةِ الدِّيكِ، وَلَو أَصابَ رَمْيَتَهُ وَارتكزَ رَأْسُ فُرْجَارهِ بِالأَرضِ يَسْتَمِرُّ لِيَجوزَ أَرضَ خَصْمِهِ، وَيَقومَ بِضَمِّهَا إِلى أَرضهِ، حَتَّى يُخْطِئَ فِي الرَّمِي لِيأخُذَ خَصْمُهُ مِنهُ الدَّورَ، وَلِيبدأَ مَا بَدَأهُ خَصْمُهُ، إِلى أَنْ يَفوزَ أَحَدُهُمَا بِالأَرضِ كَاملةً، فَيَسْعَى بِكُلِّ مَا أُوتي مِن قُوَّةٍ عَلَى التَركِيزِ لِيُحافظَ عَلَى الحَيِّز الذي يَقِفُ عَليه، وَبِحَمدِ اللهِ أَنَّنا لَمْ نُضِعْ تِلكَ الأَدواتِ المَدرَسِيَّةِ عَبَثًا، لأَنَّنا كُنَّا نُمَارسُ عِلمَ الهَنْدَسةِ عَمَلِيَّاً، دُونَ أَنْ نَقْرَأهُ، عَلى مَقاعدِ الدِّراسةِ، كَمَا تَعَلَّمنا في طُفُولَتِنَا الحَربَ مِن دُونِ حَربٍ، وَالتَّراشقَ وَإِصابةَ الأَهدافِ بِمهنيةٍ وَدِقَّةٍ، وَذَلكَ لِعِلمنا أَنَّ هَذه اللعبةَ لَم تَكنْ مُحَرَّمةً فِي دَوْلَتنا، وَلَيسَ فِيهَا أَيّ تَهديدٍ دِوَليٍّ، وَ تَقصرُ عن تَراشقِ سَاسَتِنا آنذاكَ الذين أَفزعوا الكَيانَ الصُّهيوني دُونَ إِطلاقِ رَصاصةٍ وَاحدةٍ، وَالثَّكناتُ وَالأَسلحةُ قَد مَلأتْ كُلَّ بِقَاعِ أَرضنا، حَيثُ كَان التَّراشقُ بِدُبلومَاسِيَّةٍ، وَعَلى مُستوى عَالٍ دُونَ إِهراقِ أَيِّ قَطرةِ دَمٍ، وَكُلُّ ذَلكَ عَن طَريقِ شِعاراتٍ تُظهرُ الاعتدادَ بِالنَّفسِ فِي تَجريم الإِرهابِ الذي يُمَارَسُ عَلى الشَّعبِ الفِلسطيني المَغلوبِ، بَل طَالتْ تِلكَ الشِّعَاراتُ حَتَّى أَمريكيا وَبِريطانيا!! نَعم كَانت كَذلكَ، وَلكن وَبِكُلِّ أَسفٍ أَصْحَبتْ تِلكَ الأَسلحةُ وَالشِّعاراتُ تُمَارسُ عَلى أَبناءِ شَعْبنا الِّليبي الوَاحدِ، وَذَلكَ لِتَهافُتِ ضِعافِ النُّفوسِ، مِمَنْ بَاعُوا أَوْطَانهم وَدِيْنَهم، وَطابورِ العُملاءِ الذي جَاءَ لِيُقَسِّمَ أَرْضَنا العظيمة بِشَعْبِها، وَتَقالِيدها، وَحَضارَتِها البِكْرِ التي لَم تُكْتَشَفْ بَعد، وَبِكُلِّ مَا فِيها مِن خَيراتٍ وَثَرواتٍ، وَلِيَلعَبُوا عَلى دَائِرَةٍ أَكبرَ مِن دَائرةِ طُفولتنا!!، وَتجْزِئةِ المُجَزَّأ، وَلَعلها سَتَكونُ ضِمنَ مَا يُسَمُّونه اليومَ (( صَفْقَةَ القَرْن)).
فَنَسألُ اللهَ سُبحَانَهُ أَنْ يَحفظَ بِلادَنا، وَيَحقنَ دِمَاءَ شَبَابِنَا، وَيَعودَ لِلوَطنِ كَيَانَهُ، وَلِليبيا وَحْدَتها، اعتزازاً وَافتخارًا بِجِهادِ الأَبطالِ الذين وَحَّدُوا هَذه الأَرض الطَّيبة.

23/ 5 / 2019

مقالات ذات علاقة

أسامينا…

أحمد يوسف عقيلة

الشيوعي

إبراهيم حميدان

المشهد الثقافي يعود من جديد

المشرف العام

اترك تعليق