أين ليبيا التي عرفت؟
المقالة

أين ليبيا التي عرفت؟ (23)

محمد نجيب عبدالكافي

نهاية رحلاتي عبر ليبيا

مدينة غدامس
مدينة غدامس

بقيت رحلة أخرى جامعة شاملة مهمة، سوف أحجم عن ذكرها رغم أنها تاريخية، إذ هي أول رحلة جوية مدنية تحلق حول ليبيا بأكملها. لكن بما أني ذكرتها تفصيلا في كتابي الذي كررت ذكره، فلا أرى لزوم الإعادة، وقد أتعرّض لبعضها في أحاديث قادمة. أدين بهذه الرحلة لرئيسي وصديقي السيد عيسى رمضان القبلاوي مدير إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بوزارة التخطيط التي استقبلت شركة عالمية سبق أن تعاقدت معها الوزارة لإجراء مسح ودراسة كامل سبل المواصلات بليبيا، برية وبحرية وجوية. أعطاني عيسى القبلاوي رئاسة المشروع فقضيت قرابة السنتين مستقلا في مكتب خارج الوزارة، صحبة فريق العمل اليوناني. وعندما جاء دور المواصلات الجوية، جيء بخبير مطارات بريطاني وآخر اقتصادي يوناني، وأُجِّرت طائرة صغيرة ذات أربعة مقاعد، ربانها بلجيكي فأصبحنا وفدا عالميا صغيرا يقوم بأول رحلة مدنية حول ليبيا بغية دراسة مطاراتها وما يلزمها حتى تتطور .
غدامس: أتاحت لي هذه المناسبة التعرف على أماكن ومدن وقرى لم أكن أحلم بزيارتها، منها لؤلؤة الصحراء مدينة غدامس الساحرة، ذات الصلة القديمة المتينة مع تونس حتى قيل “غدامس تُنجب وتونس تُربّي”. لعل هذا جعل فرنسا تربطها برّيّا، بتونس إثر احتلال جيشها فزان أثناء الحرب. تمرّ السنون بعد تلك الزيارة فأتعرّف على سيدة تونسية فاضلة كريمة، تعمل بمنظمة اليونسكو بباريس، زارت هي الأخرى غدامس، فعشقتها وأبدت استعدادها لتقديم ما يمكنها في سبيل العناية بها مقترحة توأمتها مع بلدة على الساحل الشرقي الإسباني، اشتهرت بواحتها وتمورها وإتقان العناية بهذه الثروة الزراعية. شاءت الأقدار أن يتولى وزارة السياحة الليبية تلميذي وصديقي، الكشاف والمهندس السيد البوخاري حودة، فسار بحزم في الاتجاه المقترح، وإذا بي، وأنا المهاجر بإسبانيا، أقدّم ما أمكنني لنجاح التعاون، فأرافق الوفد الذي ترأسه المهندس الصديق السيد لؤي أدهم، وهكذا وضع قطار التعاون على السكة فسارشوطا، وقدّمت مقترحات ومخططات – كتب عنها في حينه قيدومنا ومديرنا الأستاذ مهدي، المتفضل عليّ بهذه المساحة من صفحته – وأثناء المسير توقف حمار الشيخ بالعقبة.
مصراتة: لو قلت أني عرفت مصراتة طفلا لما صدّقني أحد، رغم وجود بعض الحقيقة في ما أقول. إني من مواليد صفاقس، العاصمة الاقتصادية بتونس، وبين مسقط رأسي ومصراتة روابط تاريخية واقتصادية تجارية، وتشابه كبير بين الصفاقسي والمصراتي خاصّة في حبّ التبادل التجاري والنجاح فيه. قد يكون في هذا التاريخ، وهذا التشابه أو التجانس، سبب جعل معظم المهاجرين المصراتيين يفضلون صفاقس لقضاء هجرتهم، فكان معظمهم على اتصال بوالدي وعمّي، فسمعت في طفولتي عن، وعرفت من هؤلاء عددا، أذكر منهم أقربهم السيد أحمد بوهدرة، الذي عاد إلى وطنه الأم وأنا مقيم بطرابلس، فها أنا أعضّ شفتي ندما لعدم اغتنام الفرصة وأخذ منه الكثير من المعلومات، بما فيها ما له علاقة بعائلتي والأقارب. زرت مصراتة مرات خاطفة، إلى أن سنحت الفرصة فأقمت بها أربعة أيام، فلمست وجه الشبه أو بعضه. لمست النشاط وحب العمل، اعتبار، إن لم أقل تقديس، التجارة والصدق فيها، مع نظرة اقتصادية بعيدة المدى. عرفت مفهوما عمليا واقعيا يوجّه المشاعر الوطنية الصادقة، وسعدت بمعرفة وجهاء ونشطاء في الإدارة والثقافة، أذكر منهم من كانت صلتي بهم وثيقة، مثل السادة سالم القاضي ومحمود عبد المجيد المنتصر والدكتور علي عتيقة، الذي عملت تحت إدارته، وكيف لا الزميل والصديق السيد ابوبكر أبو شحمة متعه الله بالصحة والعافية. غير هؤلاء كثيرون يضيق المجال لذكرهم، كما يضيق عن ذكر ما عرف عن مصراتة من وطنية وإخلاص أتمنى أنها محافظة عليهما.
بالذاكرة المزيد من الارتسامات فلي عودة إن طال العمر.

مقالات ذات علاقة

النيهوم وبوشويشة.. النقد لا يُفسِد الصداقة

إبراهيم حميدان

يوميات الأيام الممطرة

عبدالله عمران

نقد العقل الليبي (1)

محمد النعاس

اترك تعليق