الفنان التشكيلي محمد الخروبي.
حوارات

الخروبي: غاية الفن الحروفي مشاهدة القصيدة لا قراءتها

بوابة الوسط

الإمكان القول إن الفن الحروفي استطاع إيجاد مكان له في خارطة المشهد التشكيلي الليبي الحديث، محاولاً استيعاب مفردات الفضاء اللوني وتقديمها على قاعدة الفن البصري المعاصر. لكن ما هي الأسس الجمالية والمعرفية التي اعتمدها الفنان الحروفي في تقديم تجربته وفق تلك الرؤية، وفلسفته الإبداعية بالخصوص، وصدى ذلك على المستويين المحلي والعالمي، وهو ما حاولت «بوابة الوسط» الإجابة عنه في حوارها مع الفنان الحروفي محمد الخروبي.

الفنان التشكيلي محمد الخروبي.
الفنان التشكيلي محمد الخروبي.

●كيف اتجهت إلى الحروفية بتأثير التشكيل أم بدوافع أخرى؟
الحروفية تولدت لدي كملكة منذ الصغر، وطورتها معرفيًا من خلال دراستي الخط العربي بكلية الفنون بقسم التصميم والطباعة، ثم صقلتها بدورة «أم مقلة» على يد الخطاطين مثل أبوبكر ساسي، إبراهيم المصراتي، محفوظ البوعيشي، وهو ما جعلني فيما بعد متذبذبًا في خياراتي الفنية بين الاتجاهين الكلاسيكي أو الحديث، ما قادني في النهاية لاختيار الفن الحروفي كمنطقة وسط تمزج بين تقنيات الأسلوبين، وكانت البداية بالحفر على الزنك ثم اتجهت إلى لوحة القماش، جامعًا في أعمالي بين الخط والتشكيل.

●ما المرجعية التاريخية لهذا الفن؟
تاريخيًا يمكن القول إن الحروفية ظهرت وأعلنت عن نفسها بوضوح منذ خمسينات القرن الماضي، مرتبطة في بروزها بمرحلة المد القومي آنذاك والتي تنهض في جوهرها الفكري على استرجاع الهوية العربية والذي يمثل الخط العربي أحد أسسها، ثم في مرحلة السبعينات أسس الفنان العراقي حسن شاكر آل سعيد، وهو من جيل الرواد جماعة البعد الواحد والذي تمخض عنها عقد أول مؤتمر تأسيسي للحروفيين، ترتكز مبادئه على تخليص الخط العربي من المضمون اللغوي، والاتجاه به نحو بعد واحد وهو الإيقاع الجمالي التشكيلي لتصبح هي القاعدة التي يقوم عليها نقد اللوحة الحروفية في تكوينها الخالص، والمشهد الحروفي الليبي لا ينفصل عمومًا عن هذا التفاعل وقدم لنا الفنانون على الرميص وعمر الغرياني وصلاح الشاردة وغيرهم.

●هل ينظر التشكيلي إلى الحروفية كفن دخيل؟
ربما يكون الأمر معكوسًا فالتشكيلي عمومًا يتقبل ويستوعب الفن الحروفي، فعلى المستوى المحلي مثلًا مارسوا وأنتجوا لوحات حروفية، كالفنان علي العباني، وبشير حمودة، وعلى المستوى العربي نجد الفنان الإماراتي عبدالقادر الرايس الذي اتجه للفن الحروفي منطلقًا من اللوحة الواقعية، بالإضافة إلى أن لجان التحكيم يتكون غالبية أعضائها في مسابقات الفن الحروفي من التشكيليين، وإذا ما انتقلنا إلى الشق المخفي في السؤال وهو هل يقبل الخطاط الانضمام إلى فضاء التشكيل؟ نجد بعض الخطاطين يعارضون ذلك بحجة أنه كسر لقاعدة الخط العربي وتشويه له، وهو تخوف ليس له مبرر، لأن الحروفية لا تتبنى إزاحة أو تهميش الخط العربي لكنها رافد له.

●أين تأتي مرتبة النص داخل فضاء اللوحة الحروفية؟
تعطى الأولية للتوازن والتنسيق وتوزيع الألوان داخل عناصر اللوحة ثم يأتي النص في مرحلة لاحقة، حتى لا يقع الحروفي في عملية التوثيق وهي إظهار النص على حساب الشكل، ذلك أن الأول تنتهي مهمته في استثارة الخيال وتحريك كوامن الانفعالات وترك باقي المهمة للشكل الذي سيترجمها لصورة حروفية، فالغاية هي مشاهدة القصيدة لا قراءتها، نصوص نزار قباني موجودة في دواوينه بإمكانك قراءتها في أي وقت، لكن كيف يتحول البيت النزاري إلى قالب حروفي هناك يكمن جوهر العملية الفنية، بالإضافة إلى محاولتي الجمع بين المدارس الحديثة في التقنية اللونية والتشكيلية، وكذا نصوص شعرية لخليفة التليسي ومحمد المزوغي ونوري عبدالدايم.

من أعمال التشكيلي محمد الخروبي.
من أعمال التشكيلي محمد الخروبي.

●هل تستطيع وضع نهاية ذهنية للوحة الحروفية أثناء الاشتغال عليها؟
بإمكاني معرفة بداية اللوحة لكن من الصعب تخيل نهايتها، ربما ينطبع في ذهنك تصور تخييلي، ثم تكتشف لاحقًا أن رؤيتك تحولت خلال العمل إلى شكل آخر لا علاقة له بتصورك المبدئي، وقد تتضح المعالم الجمالية للوحة منذ اللحظات الأولى، هذا يتوقف على الخبرة والممارسة، بالإضافة إلى أن العمل الحروفي في فلسفته ليس رسمًا كلاسيكيًا مباشرًا، فأنا أرفض انتهاج طريقة «الاسكتش» أي رسم العمل الحروفي في قالب مصغر ثم نقله إلى إطار أكبر، لأنني فقدت هنا جوهر العملية الإبداعية وهي مواجهة البياض، إذ لابد للفنان من خوض معركة البداية والنهاية، فالعمل الفني كما يقول بيكاسو يبدأ بانفعال وينتهي بانفعال وبينهما تأتي الخبرة.

●هل هناك علاقة بين النص الشعري والشكل النهائي للوحة؟
هذا يعتمد على قوة النص وارتداداته النفسية، فمثلًا الشاعر محمد المزوغي لديه بيت يقول فيه «والحرف إن لم يكن كون بأكمله / ليس إلا سواد ضمه الورق»، هذا النص تملكني تمامًا واستحوذ على مخيلتي، لدرجة أنني كتبته بخط اليد قرابة المائة مرة، ولم أتخلص من هذا التأثير إلا بعد إنجاز أربع لوحات لذات النص، ربما تستطيع تسميته النص الملهم، إضافة إلى أن طبيعة النص من الغزلي إلى المادح والوصفي، يفرض عليك نوع التقنية اللونية المستخدمة في اللوحة فيما إذا كانت ناعمة أو خشنة الملمس.

●كيف تختار النص؟ 
طبيعة اللحظة وظروفها تحدد نوع النص، ربما تلوح لك الفكرة في موقف عابر أو أمسية شعرية أو حال قراءتك لقصيدة أو حتى رواية تحيلك إلى نص ما، الحدس الفني يرتبط بإيقاع خاص لا يخضع لترتيب أو رؤية مسبقة، بعض الأعمال وصلت إلى عدد عشر لوحات نفذت من كلمة واحدة وهي «كلام» استوحيتها من البيت القائل «نظر المحب للمحب سلام /والصمت بين العارفين كلام»، ولك أن تتصور أن بيتًا جميلاً كهذا اقتنصت منه كلمة واحدة أنتجت العدد الذي ذكرته.

●ماذا عن مشاركاتك المحلية والدولية؟
محليًا شاركت في اتجاهين التصميم والطباعة ومعارض في التشكيل عدا أن جميع المحافل التي نظمت بخصوص الخط العربي كنت حاضراً في فعالياتها من خلال المشاركة والتنظيم، على المستوى الدولي كانت لي مشاركات في أغلب الدول العربية وحصلت على الترتيب الثاني فيما يتعلق باللوحة الحروفية بمهرجان الجزائر الدولي للخط العربي، كما شاركت بمعارض في إسبانيا ولندن والنمسا وتحصلت أيضًا على جوائز بها، إضافة لجانب الفرجة تقام ندوة أو محاضرة تثقيفية على هامش المعارض بغية التعريف بالخط العربي والفن الحروفي.
وفي موازاة ذلك عملت مؤخرًا خلال السنوات الثلاث الاخيرة مع نخبة من الفنانين منهم أحمد البارودي، رضوان زناتي ,أشرف سويسي، على تكوين مؤسسة «دواية للحروفيات» وإطلاق صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي بعنوان «معرض دواية» مكنتنا من اكتشاف مجموعة من الشباب يمتلكون موهبة الرسم في مجال الحروفية، وأنجزوا أعمالًا فنية على درجة عالية الاحترافية. 

●كيف تقيم تجربة الفن الحروفي مقارنة بالتجربة العربية؟
على المستوى الفردي جيدة، فالفنان الحروفي الليبي حقق حضوره الفاعل في المحافل الإقليمية كما أشرت، لكن كتمثيل دولي غير موجودين، بسبب أن ليبيا الوحيدة تقريبًا التي يغيب فيها مهرجان خاص بالفن الحروفي، فلماذا لا يكون لدينا بينالي الخط العربي أو الفن الحروفي، وهو عمل مؤسساتي ينبغي على وزارة الثقافة أن تعني به وتضعه ضمن خارطة برامجها الثقافية.

مقالات ذات علاقة

حوار مع الأديب الليبي المبدع منصور بوشناف حول روايته (العلكة)… المرشحة لجوائز عالمية

يونس شعبان الفنادي

وجها لوجه الباحثة فاطمة غندور والكاتبة حواء القمودي

المشرف العام

محمد أبوميس يتحدث عن مشواره مع الترجمة العلمية والأدبية

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق