قصة قصيرة للطالبة / شهد عبدالسلام الفيل – العمر 17 سنة
الإهداء/ أهدي أحرفي إلى كل أم شاركت في تَكون وابل الدمع… إلى كل أم ضحت بزهرتها للخريف، خريف أتلف زهورنا، الخريف الذي سيطر على شهور السنة وغطها … ويحاً لك أيها الخريف أهلكتنا..
القصة /
ذات يوم في وقت غير معتاد عصفت ببلدي البائسة، ريح مُغبرة خنقت شبابها، سرعان ما أنتشر الخبر على مواقع التواصل الإجتماعي وسرعان ما اختفت وجوه أعتدنا تداولها علينا في نشرة الاخبار؛ (العثور على جثة مقتولة بطريقة شنيعة “ذبحاً”).. صُدِق الخبر ولا أحد يعلم سبب القتل ومن القاتل، لا أحد يبالي ولا أحد يشعر بتلك الغصة التي دخلت في صدرها، صدرٌ التي حملت هذه الاشلاء، حملته وهو شيء ضئيل وتركته شيئاً قادراً، علّمته كل ما تعلم، وكل ما بوسعها، ولكن للأسف لم تعلمه كيف يهرب من أدواتهم الملوثة ومن أياديهم العكِرة.
تصرخ تنادي بكل ما أوتيت من قوة وهي تعلمُ أن الله سيؤتينا من الصبر والسلوان حتى تهدأ، لا لوم عليها.. فقد فقدت جزاءً منها وأصبحت تنزف دموع القهر والظلم، ترى الأيادي تمتد لها… تواسيها وتعزيها… أتعزينني؟ على ماذا؟ بربكم هل يجب عليّ قبول عزاءكم في ولدي الذي راح هدراً في بلد لم تكن تحتويه….. بلد شعبها يأكُلُ بعضهُ… بلد ارتفعت فيها راية الظلم وانصارها كثيرون!!!
………….
يمر على أم تميم أول يوم بعد وفاته وهي في حالة لا يمكن وصفها… لا يمكن وصف وجهُها الشاحب وعينيها المحمرتين ولا فمها الذي يرتجف. وبعد أيام عدة وانتشار إشاعات تدليسية مراوغة وأخبار مخادعة تمر على مسامع الكثير، وتنتشر بسرعة فائقة كالرياح.
وبعد أيام عدة وتحريات كثيرة، لازالت الأسباب مجهولة.
..
البيت سرعان ما بدأ يهدأ وتنطفيء شمعته، سرعان ما اختفت منه الوجوه، وعمه خفقان عليه ضباب بعد الازدحام، وانقطعت الأيادي الممدودة ولم تبقى فيه إلاّ الأيادي المخلصة التي تمتد إلى خالقها منادية لمن يجيب… لمن يراها من داخلها لا من فوقها كما تعتقد… تردد “يارب، إنك تعرفني جيدًا دون أن أشرح، والناس حولي كثر، يعرفونني حسب أهوائهم، ومهما كان مؤذيًا فإن معيّتك تزيح عني الأذى، إغنني بفضلك عمن سواك أكرمني بصبر على فقيدي وجزئي النازف”
تمر عليها الأيام وهي بكامل شظفها وضعفها، مكسورة وضائعة، يكاد الحزن يأكل أطرافها. يوجد ضوء خافت من بعيد كالأمل، كالفرج.. كالشيء الذي يوحي أن أبنها في راحة لن يتلقاها في هذه الحياة.
الأيام تمر… وفي كل يوم تحدث فاجعة… تدمر أمّاً أخرى… تشتت عائلة أخرى… تأكل جزاءً من بيت آخر… تنزف دماء طاهرة أكثر تسيل في كل بقع الارض..
لم تكن أم تميم هي الوحيدة التي زعزعتها هذه الرياح… وغيرها من الأمهات والزوجات أيضاً.. “جوهر بلادنا يختفي في الأرض كلما صفقت الرياح نسائه” ولكن أم تميم كانت الأقوى… كانت تحارب ألمها بالدعاء والقلم ولكنه انكسر.
وعندما كتبت أم تميم مقالتها الأولى في هذه الحرب تم اختفائها… اختفت فجأة كخبر وفاة ابنها… بلد سلبت منها كل أشياءها حتى القلم الذي كتبت به.
وهي كانت قد كتبت آخر ورقة لها حملتها الكثير مما يدور في عقلها ويهز قلبها:
ها أنا اليوم سبية وأخـرى مثلي كانت الضحيـة…
أعلم أن تثريبي لن يحرك شعائـر نخوتكم يا أشباه الرجال…
وأعلم أن صوتي لن يتماشى مع أنغام سلطاتكم..
وأن عرضي لن يلوث أوراق أموالـكم..
وأن تغض بصرك عني لن تختبئ من صدى صوتـي
سأصارع للبزوغ من جـديد بعدمـا أعدمتموني
قطفكم لأوراق زهرتي القرمزية سوف يقوي جذوري لأنمو من جديد
سأنمو فوق التراب الذي أسقيتموه بدموع حسرتـي..