من أعمال المصورة التونسية سلوى الجوادي
قصة

طيف

تهمس للرجل الذى يحاول أن يراها، بأنها مجرد طيف، وأن خياله فقط هو من صور له بأنها امرأة من لحم ودم، ولكن الرجل مصر على إزاحة الستارة التى تحجبها عنه ويقول لها بأنه تولع بروحها وخصب عاطفتها، وجموح مشاعرها الدافئة، تبتسم من وراء الستار وتقول له: هذا ما تبقى فقط من المرأة التى ماتت هذه بقاياها التى تحدثك من خلف ألف ستار وستار، ومهما حاولت أن تمد يديك كى تزيح الستار الحديدى الذى يحول بينك وبينها فلن تفلح، فلقد حاول الكثيرين قبلك فعل ذلك ولكن كانت أياديهم ترتد خائبة وخاوية لكن الرجل لايريد تصديق بأنها محض طيف ويحاول أن ينفخ فى روحها الحياة لتعود من جديد امرأة من لحم ودم تصهل بالفرح، وتغنى بصوتها الجميل كما كانت تفعل فى حياتها الغابرة وتعلو ضحكاتها وهى تركض فى طريقها لتحتضن الحب وتلمسه بيديها، وتشم رائحته، وتشاغبه وتشاكسه وتكتسحه بعنفها اللذيذ ولكنه لا يفلح وكلما حاول أن يخترق الستار الحديدى يرتد للوراء، وطيفها يتأمله بصمت، لم تعد تتكلم، لم تعد تسرد حكايتها، تحدق به وبكل الذين يحاولون رؤيتها،كى يتأكدوا بأنها امرأة من لحم ودم وليست مجرد طيف شبح امرأة كانت تقطن فى الجوار، حلقت فى الأعالى منذ أن انغرس سكين الفراق فى قلبها…

صديقتها أيضاً التى فقدت اخيها منذ أشهر، لاتصدق بأنها طيف امرأة، وليست صديقتها السابقة التى كانت ممتلئة بالحياة والأمل والفرح يأتِلق من عينيها النجلاوين تطلب منها أن تشاركها البكاء على الميت دون أن تعرف بأنها تعيش مع الموتى، تنغز مكمن جرح الموت بسكين الذاكرة فيتهاطل دم الجرح النازف، ترجو صديقتها أن تصمت فنحيبها يوجع الموتى ويجعلهم يتقلبون فى قبورهم، ولكنها تصر كل ليلة على نكأ الجرح، والبكاء فوق رؤوس احبائها الموتى، ترى الدماء وهى تنزف من أرواح الموتى حين يصلهم صوت العويل العالى، لكن صديقتها لا تأبه بكلماتها وتمضى فى حفلة البكاء التى لا تريد أن تنتهى، يحدق شبحها فى وحه صديقتها، دون أن تبكى أو يهطل من عينيها الدموع التى جفت من كثرة البكاء حين كانت امرأة من لحم ودم، تتأمل صورة الرجل الذى لا يريد أن يصدق أنها مجرد طيف، وليست امرأة من لحم ودم وترتسم إبتسامة على شفتيها وهى تراه يحاول بكل قوته، هدم الجدار الفاصل بينه وبينها، يمر طيفها أمامه ويعبره وينسل بهدوء من أيامه، تنام بجانب احبائها الموتى تحتضنهم وتسرد عليهم حكاياتها، تقبل عيون احبائها الموتى الذين يعيشون رفقتها و يلمسون يديها بمحبة،ويبتسمون وهم يتهاطلون فى منامها يحضنونها بحب، تسير معهم سعيدة لأنها خلعت أديم الأرضى وأوزاره، وأصبحت شفافة، تدرجت فى شفافيتها درجة درجة حتى تخلصت من كل أثقال الأرضى وتحولت إلى محض طيف…

مقالات ذات علاقة

“برنيه” تدخل “المبروكة” …

فهيمة الشريف

على حافة الوادي

أحمد يوسف عقيلة

أنا والدجاجة

المشرف العام

اترك تعليق