صحافة.
طيوب عربية

الصحافةالورقية بين محاولة الانتعاش ولفظ أنفاسها الأخيرة

استطلاع/ منى بن هيبة

والخلل يكمن في فقدان الشارع لثقته في الصحف المحلية

الصحافة التليفزيونية خطفت الأضواء بقوة من الصحافة الورقية

القارئ الرئيسي الآن للصحف هو جيل الكبار

تبقى الجريدة وثيقة مهمة ومتابعتها يومياً يعتمد على ثقافة القارئ

صحافة.
صحافة.

إن نظرة خاطفة نحو التدفق الهائل التي تبثه منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، تكفي للتنبؤ بمستقبل الصحافة الورقية التي بات خطر الموت يهدد مستقبلها، في ظل التسارع الرقمي الذي يضع العالم بين أيدينا بكبسة زر واحدة، وينشر سيد الصحافة (الخبر) بين ملايين من الناس.

وإذا تقصينا بعين الباحث طبيعة حركة مبيعات الصحف، لوجدنا أن معظم كبريات الصحف العالمية قد أقفلت أبوابها، بسبب تراجع نسبة الإقبال على اقتنائها، وبعضها الآخر استمرت ولكنها اضطرت لنقل أخبارها إلى مواقعها الإلكترونية لتواكب الأحداث، وكل هذا وذاك يدفعنا لطرح الاستفهام الكبير:

هل ستفقد الصحيفة الورقية قرائها، حين لا يجدون فيها إلا الخبر الذي أتى إليهم قبل أن تأتيالصحيفة به إليهم؟ أم أنها ستصبح فقط وسيلة لمسح وتنظيف الزجاج؟

موقع بلد الطيوب استطلع آراء أبناء المهنة من مختلف أنحاء الوطن العربي و رصدت لقرائها التالي:

الصحفي نصر الزيادي
الصحفي نصر الزيادي

وقفتنا الأولى كانت مع الصحفي الأردني “نصر الزيادي”، وعبر من خلالها عن استيائه من الممارسات السيئة ضد الجريدة الورقية محملا الإعلام مسئولية تغيير العقول وتوجيه الجميع إلى احترام الكلمة كما دعا لجمع الجرائد التي لم يتم بيعها للحد من تكدسها الذي يؤدي بالضرورة إلى سوء التعامل معها قائلا: (وضع الجريدة كسفرة للطعام مؤلم، وحشو الأحذية المستخدمة في الأسواق مع كل أسف مشاهد مؤلمة حقاً، وفيها دلالة صريحةعلى عدم احترام الكلمة، وبالكلمة خلق الله عز وجل الكون أجمع، وصور الاعتداء على الجريدة متعددة وكثيرة، ونراها بشكل يومي، ومن الصعب استصدار قانون يخالف هذا، ولكن على الصحف أن تهيب بنشر الوعي والثقافة بين المجتمعات للحد من هذه الظاهرةالسلبية، وليس سبب هذه الإساءة رخص ثمن الجريدة فهي إن لم تكن رخيصة الثمن لن تباعمنها عشرات النسخ، لكن الاسباب الرئيسية هي عدم تقدير الناس لها وعدم وعيهم بأهمية الحفاظ على نسخة بمكتباتهم الخاصة كمرجعية لهم وللأجيال القادمة، وهناك مسؤوليةعلى نفس المؤسسات الصحفية وهي جمع الورقة الأولى من الصحف التي لم تباع باليوم الثاني وترك البقية لدى المكتبات، فمن الأفضل جمعها بالكامل ومن الممكن أن يستفيدوا منها ببيعها الى معامل إعادة التدوير والورق الصحفي والورق العادي، وأعيد وأكرر الناس بحاجة ماسة للتوعية أكثر بقيمة الجريدة).

 الصحفي المصري “حسام أبو العلا”، اعتبر أن هذا التعامل مع الجريدة الورقية أزمة مجتمعية معقدة تحتاج لإنعاش فاعل وسريع، قبل أن تعلن رحيلها.

الصحفي حسام أبوالعلا
الصحفي حسام أبوالعلا

وعنها قال: (أزمة الصحافة العربية الورقية في الوطن العربي باتت معقدة وشائكة بعد الانتشار الكبير للمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي وأظن أنها الأزمة ذاتها التي تعانيها الصحف الدولية إذ أن أي قارئ يجد ما يشبع نهمه عبر عدد من المواقع الإلكترونية خصوصا التي تواكب الأحداث ، كما أن برامج (التوك شو) التي تظلب الساعات لتناول القضايا الساخنة لا تفوت أية فرصة للصحف التي تكتفي فقط بعرض الخبر بدون تحليل، وهنا يبرز دور الصحافة التليفزيونية الحديثة التي خطفت الأضواء بقوة من الصحافة الورقية، أيضا برأيي أن جزءً كبيراً من الأزمة بسبب تراجع المادة الإعلانية التي كانت تمكن الصحف من تطوير أداءها عبر استكتاب كتاب كبار وأقلام لامعة والدفع بمواهب شابة وابتكار صفحات مميزة تستقطب القارئ لكن تراجع الإعلانات بعد عدم الاستقرار في سوق الإعلام والصحف إثر الاضطرابات التي شهدها عدد من الدول العربية أدى إلى انتكاسة كبرى لهذه الصحف التي تحول عددا منها من يومي إلى أسبوعي للصعوبات المالية التي تحاصرها، كما أن القائمين على إدارة صحف ومطبوعات مهمة ولها تأثير في عقل القارئ العربي منذ عشرات السنين، يقفون محلك سر في ظل الدور الكبير للصحافة الإلكترونية، إذ أن المعظم وهم ينتمون لأجيال قديمة لا يدركون قيمة التطوير، ويتمسكون بكلاسيكيات الصحافة، ولا يدفعون بالمواهب الشابة لعمل موضوعات مهمة أو تحقيقات تسلط الضوء على سلبيات بداعي الحفاظ على مواقعهم خشية بطش السلطة بهم في حال تجاوز ما يعتقدونه خطا أحمر.

والصحف الورقية في الوطن العربي تحتاج إلى إنعاش سريع قبل إعلان وفاتها رسمياً وغلق معظمها وتسريح العاملين بها وهم بالآلاف ما سيشكل ضربة موجعة لقيمة كبيرة تربيناعليها وهي متعة القراءة في صحيفة ورقية، وهو ما يتطلب عقد مؤتمرات وندوات والاستعانة بآراء مختصين في هذا الشأن من أجل طرح حلول ناجزة للأزمة).

أما الأديب المصري “صلاح زكي”، فدعا إلى مواكبة التطور الإلكتروني الضخم الذي تشهده الساحة الثقافية في ظل انتشار الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي وطالب بصحافة النخب الثقافية والأدبية قائلا:

الأديب صلاح زكي
الأديب صلاح زكي

(إن الثورة في عالم الإعلام الجديد، بما تحمله من سهولة في التناول وجمال في العرض وقلة التكلفة وأشياء أخرى أدت إلى تقلص مكانة الصحافة الورقية، أضفي إلى ذلك عدم مصداقية الكثير من الجرائد و فقدان الثقة فيها من قطاع كبير في المجتمع كذلك الجيل الجديد لم يتعود على القراءة الورقية لجريدة أو كتاب،  وكل هذه الأشياء أضاعت وأضر كثيراً بمكانة الصحافة الورقية والكتب أيضا، ثم إن الجريدة نفسها تناسب هذه الأغراض، تبسط ليؤكل عليها مثلا وتستخدم في تنظيف الزجاج ولا نجد هذه العادة تقريبا إلى في البيئات الأقل تحضرا فالأمر في هذا يعود للثقافة البيئية  أولاً، وعلى سبيل المثال كنا زمان نغضب لمجرد أن يعبث أحد بنظام الجريدة وهو يقرأ ولا نحب قراءتها إلا منظمة مرتبة بل كنا نعتبرها ثروة ثقافية لا يجوز العبث بها، أما الآن أصدقك القول بعض الناس تشتريها لا للقراءة بل للأغراض الأخرى السابقة، الثقافات كما قلت ومصادر المعرفة المتضخمة صوتا وصورة أضرت كثيرا بهيبة الصحافة الورقية، و إذا أردنا التغيير فينبغي علينا أن نعمل على تطوير المنتج الصحفي نفسه لمواكبة التطور الهائل الذي دخل بعالم الطباعة، وأرى أن تكون الجريدة على هيئة كتيب وأرى أن تجذب الكتاب ذوي الخيال المحلق كالأدباء وليس فقط مجرد موظف ناقل للخبر وهذه الأخبار معروفة سلفا للقاريء من مصادر أسرع لتعيش الصحافة في هذه الحرب الشرسة ولا تنهار يجب أن تغير هذا النمط التقليدي وتكون أكثر صدقا وواقعية واحتراماً لعقلية المثقفين، نريد عقادا، مصطفى أمين، أنيس منصور وأحمد بهجت وغيرهم، لعلنا نعيد استنساخ الماضي مع الوضع في الاعتبار الثورة المعلوماتية في الحاضر).

كما حاورنا الصحفي الليبي “فاتح علي مناع”، والذي قال:

الصحفي فاتح مناع

(هذا الفعل ليس بجديد، فهو يمارس منذ كانت الصحافة رائجة، والخلل يكمن في فقدان الشارع لثقته في الصحف المحلية فقد كانت تروج للنظام وتنشر الأكاذيب، وحتى بعد فبراير سارت على نفس النهج نشرت الأكاذيب والفتن وساهمت في الترويج لأحزاب وشخوص تسببوا في تعرض البلاد للانقسام ودخولها في الحروب والشتات، إن الصحيفة وثيقة وحجة معترف بها قانونا لكن عدم المحافظة عليها، والإساءة لها من قبل البعض سببه ربما يعود لرخص ثمنها أيضا خامة الورق المستخدمة).

الصحفي المصري”محمد الفايدى”، لم تكن وجهة نظره مغايرة عما تفضل به الصحفيين قبل، حيث رأى أن:

(التحدي الأهم هو عزوف القراء عن شراء الصحف الورقية خصوصا جيل الشباب وما فوق الشباب وأصبح القارئ الرئيسي الآن للصحف هو جيل الكبار الذى من عادته اليومية قراءة الصحف بدقة مهما تكن الظروف وهذه الشريحة تملك سر استمرار الصحف الورقية ولها كل الاحترام والتقدير، ولكن لا تكفى بدون المرأة والشباب هذه الشريحة لاتتوقف أمام قرار رفع سعر الصحيفة فالسعر هو آخر ما تفكر فيه وكل ما يشغلها أن تكون الصحيفة في المستوى الذى تتوقعه واحترام خبرة السنين، أما بالنسبة لأزمة الصحافة الورقية مثلا تكاد تكون عالمية، ضربت الصحافة الأمريكية والأوروبية منذ بداية الألفية الجديدة وأغلقت بسببها صحف عريقة ومؤثرة بسبب زيادة التكلفة ونزيف الخسائر، ونتيجة منافسة الفيس بوك ووسائل التواصل التكنولوجي الأخرى لكن هناك استثناءان لهذه الأزمة في اليابان والهند حيث توزع الصحف عشرات الملايين من النسخ يومياً، وتحقق أرباحًا رغم أنف الفيس بوك ووسائل التواصل التكنولوجي الأخرى في دولتين من بين أكثر دول العالم تقدما في المجال التكنولوجي.

والسؤال الكبير هنا: هل ذهب أحد إلي أي من الدولتين ليدرس أسباب هذه الظاهرة؟ وكيف استطاعت الصحافة الورقية اليابانية أو الهندية  ليس فقط أن تصمد في وجه المنافسة الشرسة من جانب الوسائط الأخرى المتطورة؟ بل وأن تتقدم وتتوسع أيضًا. حتي يمكن أن نستفيد ويستفيد غيرنا من التجربتين؟! و هذا ليس مجرد رأي شخصي بل هو رأي أساتذة الصحافة عندنا عن مستقبل الصحافة الورقية).

حاولنا أن نلملم أوراقنا ونختم مع الصحفي العراقي “هادي الربايع”، الذي أضاف:

الصحفي هادي الربايعي
الصحفي هادي الربايعي

(مهنة المتاعب.. هكذا كانت تسمى الصحافة وإلى وقت ليس بالبعيد لما كان يلاقي الصحفي من صعوبات ومعوقات جمة عند نشر الخبر والتواجد في أكثر من مكان للحصول على تصريح صغير أو صورة للحدث ثم كيفية إيصال ذلك إلى مقر الجريدة أضف إلى هذا بعد المسافة ووسائل النقل والعوامل الجوية على عكس اليوم وبوجود الإنترنت لا يستغرق نشر الخبر سوى عدة دقائق ليصل إلى كل العالم وهذا ما جعل القارئ غير ملزم بالانتظار لليوم التالي لغرض الاطلاع على أخبار الجريدة، ولكن ومع كل هذا وذاك تبقى الجريدة وثيقة مهمة ومتابعتها يوميا يعتمد على ثقافة القارئ وينظر لها باعتبارها كتاب ذو حلقات يتابعه يوميا منذ ساعات الصباح الأولى وهي بالنسبة له موسوعة تضم الأخبار السياسية والثقافية والفنية والتاريخية والرياضية ولذلك يحرص على الأرشفة والتوثيق. وهنالك للأسف من يستخدمها لأغراض لا تليق بمضمونها وتاريخها وعلى الرغم من التطور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي اليوم لكنها أي الجريدة ستبقى قيمتها وحلاوتها كونها الأم بالنسبة للصحافة في الوطن العربي و إن تنوعت الثقافات بالنسبة للقارئ).

ويبقى القول أن الصحيفة الورقية تصارع الموت فإما أن تنتعش وتحيا أبدا وإما أن تنتهي وتطوي عهدها كما طوي عهد القطار البخاري.

مقالات ذات علاقة

الفــــــــرات…

حسين عبروس (الجزائر)

لا تبارح

المشرف العام

يوم ثقافي وطني بحضرة الأسيرة المقدسية إسراء الجعابيص

فراس حج محمد (فلسطين)

اترك تعليق