تُعد الترجمة مجالا هاما يشهد تطورا متواصلا في الفترة الأخيرة، خاصة مع رواج ترجمة الحوار في المسلسلات التي تقترحها بعض المنصات المعروفة، ومنها منصة نتفليكس.وجاء في تقرير نشرته مجلة “سلايت” في نسختها الفرنسية، أنه في أوائل العقد الأول من القرن الحالي كانت مواقع البث الحي نادرة جدا، كما كانت ترجمة الحوار موجهة بشكل رئيسي إلى مجاليْ السينما والتلفزيون. لكن في أقل من عشرين عاما، تغيّر هذا المشهد جذريا.
في الوقت الحالي، توسّعت ترجمة الحوار لتشمل عالم المسلسلات، وقد بات ازدهارها المذهل في هذا المجال معروفا في العالم أجمع. وتقدم المنصات -على غرار نتفليكس وأمازون فيديو- العديد من المسلسلات التي تُنتجها بنفسها، والتي ينبغي أن تكون حواراتها مترجمة ومدبلجة.
ومع 137 مليون مشترك، تقدم نتفليكس أفلاما ومسلسلات بنحو عشرين لغة، أغلبها تم تصويرها باللغة الإنجليزية. لذلك، كان على هذه الشركة انتداب أشخاص لكتابة الترجمات من أجل جعلها متاحة في جميع البلدان التي تُسوق فيها الأعمال.
وأوضح التقرير أن ترجمة الحوار تندرج ضمن مجال الترجمة السمعية البصرية التي تضم أيضا الدبلجة (عندما تتحدث شخصيات فيلم أجنبي بلغتك) والتعليق الصوتي (الصوت الذي يغطي على الصوت الإنجليزي مثلا في الخلفية الصوتية للأفلام الوثائقية).
وعن كيفية الترجمة، أفاد التقرير بأن مترجم الحوار يتلقى نسخة الفيلم والسيناريو في شكل ملف إلكتروني. وفي بعض الأحيان، يضطر إلى “وضع” ترجماته بنفسه في الفيلم، واحتساب وقت ظهور الترجمة ووقت اختفائها. وينبغي بالطبع منح الوقت الكافي للجمهور للقراءة، وترجمة أكبر قدر من المعلومات في أقل المساحات.
منصة “هيرمس”
كانت منصة الانتداب التي أطلقتها شركة نتفليكس لترجمة الحوار تُدعى “هيرمس” (التي أصبحت مغلقة الآن). ويتمثل الشرط الوحيد لاجتياز الاختبار في فهم اللغة الإنجليزية، وبالتالي فلا حاجة لأن تكون مترجما أو حاصلا على أي شهادة علمية، أو صاحب خبرة أو متقنا للكتابة دون ارتكاب أي خطأ. وكل ما ينبغي عليك فعله هو فهم اللغة الإنجليزية.
لكن، ما سبب إنشاء هيرمس؟ أرادت شركة نتفليكس توظيف “أفضل المترجمين في العالم”، وبررت مبادرتها بحقيقة أنه كان يصعب جدا توظيف مترجمين محترفين نظرا لغياب قاعدة بيانات موثوق بها تُمكن من التواصل معهم. مع ذلك، لا يعد هذا الأمر صحيحا مطلقا، ففي فرنسا مثلا، تكفي زيارة موقع “جمعية المترجمين والمحولين للإنتاج السمعي البصري” للعثور على دليل بيانات المترجمين.
وبسبب معاناتها من تقديم ترجمات ذات جودة رديئة، وجدت شركة نتفليكس حلا لهذه المشكلة بإطلاق حملة الانتداب هذه. وقد تألف اختبار هيرمس (المكون من من خمسة أجزاء) من أسئلة متعددة الاختيارات.
ويتمثل هذا الاختبار في اختيار ترجمة حوار من بين العديد من الاحتمالات، ثم إجراء اختبار ترجمة حوار أخرى. في نهاية الاختبار، وفي حالة النجاح، يُمنح المترجم “رقم تعريف هيرمس”، وهو تسجيل نهائي يسمح له بالعمل لصالح نتفليكس بوساطة من مورد رسمي.
وجاء في التقرير أن بعض الأشخاص فوجئوا بالحصول على نتائجهم بمجرد إجابتهم على السؤال الأخير. ويُشير هذا الأمر إلى أن الاختبارات يتم تصحيحها بواسطة خوارزمية دون أي تدخل بشري. في المقابل، ذكر آخرون أن الإجابات المقترحة لا تتناسب تماما مع الأسئلة المطروحة.
ولا تُخصص شركة نتفليكس ميزانية محددة للترجمة، حيث يحتوي كل إنتاج على ميزانية “محتوى” مخصصة لكل مقدم خدمات يُترجم الحوار ويحدد تعريفة خدماته بنفسه.
تندرج ترجمة الحوار بشكل جيد في ظاهرة تعمد إلى الربط بين مقدمي الخدمات والعملاء بواسطة التكنولوجيات، كما أشارت إلى ذلك مجلة “تيليراما” الفرنسية وصحيفة “لوموند” في ركن “بيغ براوزر”، بالتزامن مع إطلاق نتفليكس لمنصة هيرمس.
من ناحية أخرى، يُلاحظ المختصون في ترجمة الحوار أن أشخاصا آخرين غير مؤهلين يقدمون خدماتهم في هذا المجال مقابل مبالغ مالية بخسة وبجودة رديئة. ولم تتحرك الجماهير ولا الأطراف المختصة لإدانة هذا الأمر.