يروى عن الكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنز، أنه أعرب عن خشيته مرّة أن يفاجأ بأحد أبطال قصصه أمامه وهو يسير في شارع، لكن القاص الليبي عمر الككلي، لن ينتابه هذا الهاجس، فأبطاله في الغالب حالات أو تفصيل من حالات، قد تكون أمكنة لا جغرافيا محدّدة لها، أو إيحاءات يلتقطها ويحوّلها بمغزل لغته الخاصة إلى نسيج يحمل بصمته، اسمه قصّة عمر الككلي، قد يأتي الإيحاء من رشفة شاي يلمحها فتتحوّل على يديه إلى مادة خام لصناعة قصته، أو سطح صندوق بريد معدني، يفتحه فلا يجد داخله سوى غبار عالق على السطح، قبل أن يتحوّل ملمسه البارد إلى حالة، سيحير القارئ بعدئذ كيف فعل بها الكاتب كل تلك القصّة، ومن أين أتى لها بهذا الجمال المنحوت بدقّة، إنّ جماليّة السرد هي مبتغاه أوّلا، ولك أن تبحث بعد ذلك في ثناياها عن مرامي أو رمزية النص .. هو (حاوي) القصة القصيرة؟ بل، لو أن لمعنى كلمة “محتال” مدلولا محمودا في اللغة، لوصفته بـ«محتال القصة القصيرة»، حين يحتال بقدرة ساحرة على قارئه، إذ يوهمه في البداية بأن ما استهلّ به قصته هو تفصيل من زحمة العادي اليومي (الحالة) ويقدمه مدخلا لنص ما ، لكن ذلك لن يدوم طويلا، لأن الككلي بعد أن يفلح كالعادة في إيهام قارئه بأن ما التقطه الكاتب، عاش أو صادف أن مرّ به قبل قليل كما مرّ به من قبل، يبدأ طقسه السحري جارا ذلك القارئ بطريقة السائر أثناء النوم، إلى مسالك تبدو عكس السير فتحول العادي إلى اكتشاف، هنا يبدو كالحاوي الذي يخرج من قبعة عادية الشيء العجب، والشيء هنا نص قصصي رفيع اللغة، محكم البناء، فاتن الصورة، مدهش الحبكة، نص لا يشبه في شكله ونكهته ولذته أيضا إلا نصوصه هو، تلك النصوص التي تحمل ختم «صناعة الككلي»، وحينما أقرأ له قصة أو نصا سرديّا، يخطر لي القول إن هناك لغة القصة وهناك لغة القصيدة، وثمّة كذلك لغة الككلي، تلك اللغة المتسمة بمظهرها الجمالي المنقوش بدقّة، وبرائحة تشم ولها رحيقها الخاص، لغة كأنّ لها أحيانا ملمس الحرير، لكنها تحمل في عناوينها أحيانا طعم (الحنظل) و الـ(سجنيات) و(الشيء الذي ينأى) ، إنّ صناعة الككلي وهو ينسج خيوط قصصه ويرسم خطوطها، هي صناعة محليّة كما عنون إحداها، لكنّها في الغالب عالميّة (التكنيك) والبعد، حتى أنك تشعر أحيانا أنك تقرأ قصة مترجمة من الأدب العالمي، بلغة عمر الككلي..
أنا فخور بأن لدينا في ليبيا قاصا اسمه عمر أبوالقاسم الككلي.