حمراء.. تؤطر عينيّ عند القراءة.. علاقتي بها متينة لأنني قارئة وكاتبة.. هي في الحقيقة علاقة الحاجة، فإنا أعتمد عليها وبذا أشعر بأنني فاقدة لجزء مهم من استقلاليتي. فمدمن النيكوتين يختاره، أما حامل النظارة لا يختارها بل يحتاجها ليصبح دوما فقيرا مدينا لها.
وقصتي مع نظارتي مستمرة… افقدها على مدار اليوم رغم حرصي عليها، لا أتذكر أين وضعتها وتداهمني الحيرة ثم الخوف من فقدانها، فلا أملك إلا الإستعانة بإبنتي الصغرى رند:
- يا رند من فضلك شوفيلي النظارة.
- راحت تاني يا ماما؟
والحقيقة أنها لم تضيع، ولم ترتكب نظارتي أية حماقة.. فأنا من أضاعها. أعلم أن رند ممتعضة من ذات الطلب اليومي المتكرر، وأعلم أن امتعاضها سينقشع بمجرد أن تعثر عليها، لتعلو تقاطيع وجهها فرحا لفرحي بالعثور عليها.. تأتي وهي ممسكة بها، بالكاد يظهر جزء من إطارها.
تعاتبني بلطف وهي تبتسم….
- آه يا ماما نعرفك بتريحيها تاني…من فضلك ياماما، من فضلك..
تودع النظارة من يدها الصغيرة والتي تبدو لي من حرصها عليها وكأنها تختنق بين أصابعها إلى يدي الممدودة بلهفة نحوها.. ألامسها برفق وكأنني أعتذر منها واضعها… فتتضح لي الحروف وينقشع الضباب الذي كان يغلف شاشة نقالي وحاسوبي ويشعرني بالتوهان… يعود النور وتجري الدماء في كل ما حولي.. لتحيا الصور وتعود لي الدهشة والفضول بعد غياب.
هي تلك الأداة البسيطة.. الرقيقة.. ذات العينين الزجاجيتين الشفافتين والذراعين الضعيفتين المدودتين.. الحمراء….. العارية إلا من غلاف غالبا ما يتوه مني لأيام.. التي أدين لها بالكثير.
______________________
- 10. 2018