.
د. شعبان بشر
كتب الروائي الليبي هشام مطر روايته ذات الصيت والمعنونة (In the country of men) باللغة الانجليزية، والتي ترجمت إلى اللغة العربية، تناول الكاتب في روايته تشكل ما يسمى باللجان الثورية في فترة السبعينات وذلك كأحد خطوات الانقلاب العسكري الذي قام به الملازم معمر القذافي للسيطرة على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الليبي، والجديد في رواية الكاتب الليبي هو تناوله للقضية من خلال سيادة الرؤية الذكورية في المجتمع الليبي، حيث تتحدث الرواية عن علاقة معقدة بين السلطة والمرأة والطفولة والمجتمع.
تسير بناء الرواية عبر مسارب الزمن من خلال السرد، واسترجاع الأحداث (Flash back) وتأخذنا إلى عالم تختلط فيه العقد الذكورية مع الصرخات الأنثوية والتي بدورها تشكل حيرة طفل صغير بين أمه التي تكون ودودة محبة قبل تناولها للدواء الذي تجلبه من عامل الفرن، وتصبح مشوشة ومربكة وأحيانا مثيرة للريبة بعد تناول ذلك الدواء، وعجز الطفل الصغير عن تكوين صورة موحدة للام، وفي الطرف المقابل صورة الأب الغائبة والتي تُدخل الطفل إلى عالم السلطة السياسية القامعة، تلك السلطة التي تتداخل مع المجتمع ضمن التصنت على جهاز الهاتف والمتابعة العلنية في الطريق العام، ورصد الثرثارات الاجتماعية في البيوت والمدارس والمقاهي و الطرقات.
تدخل بناء الرواية إلى عالم السبعينات الذي تشكل بعد ما يسمى بالثورات العربية (الانقلابات العسكرية) عن طريق سيطرة العسكر على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لما يسمى بالدول التقدمية، عمليات الشنق والتعذيب والقتل والتشريد والتهجير والمصادرة والتخوين والابتزاز والاغتصاب و رصد النخب وتهجيرها، تحت شعارات الوطن والحرية والديمقراطية والاشتراكية وحروب الامبريالية والصهيونية ووو…..
بلاد الرجال… هي تلك البلاد التي تكون فيها المرأة معنونة ” قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت براهب متعبد، قد كان شمر للصلاة إزاره لما وقفت له بباب المسجد” حيث يقف الطفل حائرا بين الغيب والأم المغيبة والأب الغائب.
في بلاد الرجال…يعشق الذكور القبح والقهر والهجر والهدر والاغتراب، ويتحدثون عن الفضيلة والعفة والشرف، في بلاد الرجال…الكل أسير عقد الجنس الممهورة بالعصي والخوف والظلام… في بلاد الرجال الحديث حول القيم العربية وشرب حليب النوق وحياة التقشف وفي الخفاء شرب الخمور والرقص والرذيلة…في بلاد الرجال تعتقل وتعذب وتنهك إنسانيتك تحت شعارات الوطن والحرية…في بلاد الرجال تصبح الحياة كوابيس وقلق وخوف وجودي وتصبح الذات بئر مهجورة لا يسمع صداها… في بلاد الرجال تمتهن السلطة أنظمة المراقبة والمعاقبة تحت مسمى الله والدين والعبادة والصلاة…في بلاد الرجال تتحول العبادات إلى أغنية بائسة أمام أله وثني أصم لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم…في بلاد الرجال تصبح الطفولة خوف وقلق من المجهول…في بلاد الرجال تختفي الطفولة والمرأة والشيخ ويبقى الذكر أحاديا…في بلاد الرجال تعشق الجموع الرموز الطوطمية… في بلاد الرجال يتلاشي الزمن وتصبح الأيام والأسابيع والشهور والسنوات تكرار لزمن رمادي كلون الرصاص، فهل يخرجنا الربيع العربي من بلاد الرجال أم أننا نقول:
في بلاد الرجال هنا من جديد…
طرابلس/ليبيا
16 أكتوبر 2011