العروبة
المقالة

هرطقات ليبي معزول (5): عن العروبة ومستقبلها

العروبة
العروبة

 

إن التداعيات الحاصلة على جبهة السلام المزعوم بين العرب والكيان الصهيوني، تلك التي ظهرت للبعض منا مفاجئة، دفعتني هذه التداعيات دفعا اليها، وحجتي في ذلك أنه لا مستقبل للعرب ولا مكان لهم في المستقبل القريب مكان بين الأمم، إذا كان وجود هذ الامة ذاته قد أصبح في مهب الريح.

وصدقوني ان البسطاء من ابناء هذه الامة لم يفاجئوا بما فوجئ به بعض الحكام من هذه التداعيات، فليس جديدا على سبيل المثال ان تنتهك شرق القدس، قبلتنا الثانية وعروس عروبتنا، فقد حدث هذا في الماضي، تماما كما يحدث الان وكما سيحدث في المستقبل وهل ننتظر من الصهيونية ان تقصر في امتلاك كل اراضي عاصمتها الأبدية المزعومة؟ ‍‍

وليس جديدا، ان تشهر ربيبتها سلاح النقض “الفيتو” ضد الإرادة العربية والإسلامية، فقد شهرت علينا من قبل الفيتو والسلاح معاً ولا تزال تشهرهما، وليس هناك ما أو من يمنعها من ان تفعل ذلك في المستقبل.

وليس جديدا ان تسعيا الاثنتين في عدوانهما المستمر على العرب، او تسعي الى تأمين تفوقها العسكري عليهم مجتمعين، فتلك سياسة ثابتة كانت ولا تزال وستبقى الى نهاية صراع المصير على الارض العربية.

كذلك فانه بالنسبة للعارفين بحقائق السلام والحرب لا يجدون في حدوث هذه التصرفات والمواقف، في وقت أصبح فيه حديث المسيرة السلمية على كل لسان، وترتيباتها العلمية تجري في كل جبهة على قدم وساق، لا يجد هؤلاء في هذه التصرفات والمواقف ما هو جدير او مثير او مفاجئ، لأنهم يفهمون ان ما قدم لنا باسم السلام ليس الا حربا معلنة يمارسها العدو لتحقيق اهدافه النهائية في تدمير وجودنا بوسائل اقل كلفة وأكثر مجاراة لروح العصر وشعاراته المعلنة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌‍.

الجديد الحاصل إن العدوان “الربيب والمربي” قد استطاعتا عبر سلسلة من الاجراءات (الاستيلاء على أرض القدس المحتلة / قرارات الفيتو المتلاحقة / قرار نقل السفارة الأمريكية / امتناع الكيان الصهيوني العنصري عن التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي / محاولة إجبار العرب على التوقيع عليها)، يبين لنا قطعاً (إن الدرس قد انتهى)، وإن علينا أن نواجه حقائق الموقف الراهن على الأرض العربية بلا أوهام ولا أحلام.

ولا يخالجني أدنى شك في أن هناك خلف هذه المواقف والتصرفات، حقائق تطرد أوهاماً، دفعنا بسببها إلى الآن جيلين كاملين من حياة هذه الأمة.

إحدى هذه الحقائق التي تستصرخنا إليها المواقف الأمريكية المعادية للعرب، بلا لبس ولا غموض هي أنها ليست (وسيطاً محايداً) بيننا وبين آل صهيون ولا يمكن أن تكون كذلك، وإن الولايات المتحدة تؤكد لنا بتصرفاتها مع مشرق كل شمس أنها العدو الأوحد والأول للعرب والمسلمين، وإلا فما معنى أن يقوم راعي السلام بمساعدة أطراف النزاع في اغتصاب أرض الطرف الاخر؟ وما معنى حرصها على تجريد سلاحنا لصالحه؟ وما معنى سعيها لتفرده بامتلاك السلاح النووي؟ وما معنى تدخلها السافر لتعطيل الارادة الدولية لمجرد انها قررت توجيه اللوم للكيان الصهيوني؟

إن الذين يتوهمون ان أمريكا قد تكون طرفاً محايداً في صراع الأقدار على الأرض العربية، قد كلفوا الأمة أثماناً غالية، بسبب هذا الوهم الذي يتوارى الآن خجلاً في ضوء الحقائق الساطعة.

إن الحقيقة التي يجب أن يعيها العرب الآن، والتي لم تعد تحتاج إلى إثبات، أن أمريكا لا تريد على الأرض العربية سلاماً ولا ترغب فيه ولا تحتاج إليه.

إن الرغبة في السلام تعني حرص الأطراف المدعوة إليه، على انتهاء نوازع العدوان والحرب فيما بينهم بعد أن يستقر ميزان الحق والعدل وأن تحترم حقائق الجغرافيا والتاريخ، فهل نجد حقاً في اغتصاب الأرض واستمرار حالة التهويد شيئاً من نوايا السلام الحق؟

إن الأحاديث الأمريكية والصهيونية عن شراكة السلام في المنطقة، والرغبة المشتركة بين أحفاد إبراهيم للعيش في سلام، وضرورات العمل المشترك من أجل صنع التقدم والرفاهية، لم تكن إلا طعماً لجرجرة العرب إلى الفخ (الأمريكي الصهيوني) المشترك لتدمير الآمة.

إن الذين توهموا في العدو، نية السلام، ثم وقعوا في الفخ الأمريكي، يعرفون الآن، ماذا دفعت الأمة من كرامتها وإرادتها وأرضها ومستقبلها ثمناً لهذا الوهم الزائف.

وها هي الأيام تكشف لنا عن المواقف والتصرفات الأمريكية والصهيونية، وان ما يجري الآن على الأرض العربية ليس سلاماً ولا علاقة له بقيم وشروط السلام الحق، ولكنه محاولة لتشريع الاغتصاب وتكريسه واستمراره لتهديد حاضر الأمة ومستقبلها، ومحاولة لدفعها للتسليم بعبوديتها للعدو إلى ما لا نهاية، بلا قيد أو شرط.

ان العدو الصهيوني قد نجح في جميع تصرفاته، لأنه نجح في الانفراد بكل قطر عربي على حدة بما صنعه من عصر (ثورات الربيع العربي) التي نجح فيها بامتياز، فلم يعد أي شعب عربي يكترث لما يتم من تهويد لكل أرض فلسطين، وكأن فلسطين باتت ليست أرضاً عربية.

لكل هذه الحقائق جاءت التصرفات الأمريكية والصهيونية المتلاحقة وكأنها مطرقة حادة على رؤوس الذين تصورا في أمريكا الحياد، والذين صدقوا نوايا السلام والذين وقعوا في فخ العدو، في حربه الشرسة على الأمة.

 

دعوني أهرطق، فإنه لم يعد لي إلا الكتابة، علها تبقى لي متنفساً قبل أن أموت.. فقد مات فينا الوطن.

 

 

 

مقالات ذات علاقة

في انتظار “القائد”.. المُخلِّص “الذي يأتي ولا يأتي”

محمد دربي

نقُوش : عالمُ العولمة يتَّسعُ للجميع

خالد السحاتي

ضحية الحظ والجاهزية “محتمع الصحوبية”

المشرف العام

اترك تعليق