مر يوم 29 أغسطس/آب 2018، الذي يواكب مرور اثنتي عشرة سنة على رحيل الأديب العالمي نجيب محفوظ دون أن يفتتح متحف نجيب محفوظ، الذي أعلن عنه وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني وأصدر بخصوصه قرارا وزاريا يحمل رقم (804) لسنة 2006، باختيار تكية أبو الدهب (أثر رقم 68) لتكون متحفًا للأديب الراحل، لكن السنوات مرت وتعاقب عشرة وزراء على حقيبة وزارة الثقافة المصرية بداية بفاروق حسني وحتى الوزيرة الحالية إيناس عبدالدايم والمشروع لم ير النور، رغم تأكيدات الجميع على أن العمل يمضي على قدم وساق، وأن المتحف سيفتتح في موعده.
تأجيلات واتهامات
مع كل تأجيل لموعد الافتتاح تتناثر الاتهامات وتتوزع على شركة المقاولين العرب المكلفة بالأعمال الإنشائية أو وزارة الآثار أو وزارة الثقافة. من جانبه نفي د. فتحي عبدالوهاب رئيس صندوق التنمية الثقافية، وجود أي تقصير وراء التأجيلات المستمرة لافتتاح المتحف: “نحن نتعامل مع أثر، لا مبنى خاص، فللأثر طبيعته التى تحتاج إلى طريقة معينة وحساسية كبيرة في التعامل. فمثلا وبينما يسير العمل بشكل جيد لتركيب مصعد، وجدنا صهريجًا أمامنا، طبعًا هذا أعاق العمل، ويجعلنا نعيد حسابات كل شيء، طوال الوقت تواجهنا أمور كهذه، لا حيلة لنا فيها، فقط نفكر فى التعامل معها، ولأننا نتعامل مع أثر، فإن حدوث أمور كهذه متوقعة، وهذا هو التحدى”.
وأضاف: “نحن فعلًا أنجزنا كل شيء تقريبًا وكل ما يتبقى لنا مجرد أشياء بسيطة، هذا بخلاف أن إقامة متحف لنجيب محفوظ فى منطقة شغلته كثيرًا وأثرت عليه تمامًا يجعل للأمر خصوصية محببة”.
وذكر أن المتحف يتكون من ثلاثة طوابق لتضم بعض مقتنيات عميد الرواية العربية الشخصية، بالإضافة إلى مكتبه تضم مؤلفاته بالعربية وترجمتها بالإنجليزية، وأخرى للإعارة الخارجية، وعدة قاعات للندوات والمؤتمرات، والعرض السينمائي، ومتعددة الأغراض، والسمعية والبصرية، وجاليري، وأخرى للتسجيلات الفنية، وفصول لدراسة السيناريو والكتابة الإبداعية، وكافيتريا مكشوفة.
وأكد عبدالوهاب استحالة تحديد موعد نهائي لافتتاح المتحف، قائلا: “فقط عندما نتسلم المبنى من شركة المقاولين العرب يمكننا عندئذ أن نحدد متى ننتهي من وضع المحتويات وترتيب مقتنيات محفوظ، ووضع اللمسات الأخيرة، حينئذ فقط نحدد موعد الافتتاح”.
أصل الحكاية
عقب رحيل الأديب الكبير نجيب محفوظ في 29 أغسطس/آب 2006، تعالت أصوات المثقفين المصريين للمطالبة بإقامة متحف لمقتنيات ومؤلفات الأديب العربي الوحيد الفائز بجائزة نوبل في الآداب، ومن جانبه أعلن فاروق حسنى، وزير الثقافة آنذاك، استجابته لمطالب المثقفين، وصرح المسئولون يومها بأن اختيار تكية محمد أبو الدهب القريبة من منطقة الحسين مقصود نظرًا لقربها من المنزل الذى ولد فيه الأديب الكبير بحى الجمالية فى القاهرة، وأيضا لأن موقع التكية يتوسط منطقة القاهرة التاريخية التى استوحى منها نجيب محفوظ شخصيات وأماكن الكثير من رواياته.
قيل يومها إن المتحف يحتاج لنحو خمس سنوات من العمل قبل أن يرى النور، وعد المسئولون بافتتاحه بالتزامن مع مرور خمس سنوات على رحيله في نهاية أغسطس/آب من عام 2011، فلما قامت ثورة يناير وغادر فاروق حسني موقعه، خلفه أربعة وزراء أنستهم الأحداث المتسارعة مشروع المتحف، وكان خامسهم محمد صابر عرب، الذي صرح فور توليه حقيبة الوزارة على أنه يعمل جاهدا لكي يتم افتتاح هذا المتحف، بالتزامن مع ذكرى ميلاد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر/كانون الأول 2012، وفي الموعد المحدد لم يحدث شيء، ولم يعد الوزير للحديث عنه حتى غادر منصبه، وعاد الدكتور جابر عصفور لمنصب وزير الثقافة للمرة الثانية، وصرح بأنه اعتمد ميزانية قطاع صندوق التنمية الثقافية لعام 2014 / 2015، وضمنها ميزانية إنشاء متحف نجيب محفوظ بتكية أبوالدهب، لكن بعد أسابيع وخلال ندوة حضرها بجريدة الأهرام لمناقشة كتاب “حوارات نجيب محفوظ” للكاتب محمد سلماوي تحدث عن ضرورة مساهمة المجتمع المدني في المشروعات الثقافية وطالب بإنشاء المتحف بالجهود الذاتية، مؤكدا على أنه سيكون أول المتبرعين.
حينئذ تبين أن المتحف لن يرى النور قريبا، وغادر جابر عصفور موقعه ليخلفه عبدالواحد النبوي، الذي بادر بالإعلان عن افتتاح المتحف في ١١ ديسمبر/كانون الأول 2015 بالتزامن مع ذكرى ميلاد عميد الرواية العربية، وهو الأمر الذي لم يتم، وقيل يومها إن تأخير وتأجيل موعد افتتاح المتحف يرجع لاعتراض وزارة الآثار على بعض الأعمال التي تخص التجهيز المتحفي، على أساس أنها لا تجوز في مبنى أثري.
موقع التكية يتوسط منطقة القاهرة التاريخية
وهي الأمور التي سعى لحلها وزير الثقافة السابق حلمي النمنم، الذي أكد على اهتمامه شخصيا بإنجاز المشروع لتخليد ذكرى الأديب العالمي، وقال إنه توصل لحل مع وزارة الآثار فيما يخص كل نقاط الخلاف، وبالفعل تسلمت وزارة الثقافة المتمثلة في قطاع صندوق التنمية الثقافية تكية أبوالدهب إداريا في شهر أبريل/نيسان 2016 لإعداد دراسة هندسية تشمل الترميم والتجهيز وتقديمها لوزارة الآثار لحين الموافقة عليها على أن تبدأ وزارة الثقافة في تنفيذ ذلك المتحف، حينئذ فقط وبعد مرور عشر سنوات على صدور قرار فاروق حسني بدأت أولى الخطوات الجادة لتنفيذ المشروع.
بعد ذلك قام حلمي النمنم، يرافقه وزير الآثار يومها، بزيارة تكية أبوالدهب، حيث قاما بجولة تفقدية للأدوار الثلاثة المختارة للمتحف، وأعلنا تذليل كافة المعوقات التي أدت في السابق لتأجيل المشروع، ونقلت وكالات الأنباء عن وزير الثقافة تأكيده على افتتاح المتحف في 30 أغسطس/آب 2017 تزامنا مع ذكرى رحيل نجيب محفوظ، وبعد أسابيع قلائل عادت وسائل الإعلام نفسها لتنقل عن نفس الوزير خبر تأجيل الافتتاح إلى 11 ديسمبر/كانون الأول من نفس العام تزامنا مع ذكرى ميلاد الأديب، وكما حدث في السنوات السابقة غادر الوزير المنصب، وتولته خلفا له إيناس عبدالدايم التي أكدت عن افتتاح المتحف في موعده، إلا أن المشهد نفسه تكرر مرة أخرى، وتم تأجيل الافتتاح لمطلع يناير/كانون الثاني 2018 ثم يؤجل مره أخرى، وهكذا تعاقب عشرة وزراء وتمر إثنتا عشرة سنة ولا يزال متحف نجيب محفوظ حلما مؤجلا. (وكالة الصحافة العربية)