المقالة

استيهام اللوياثان

لن يستطيع المشرّع تدبير شؤون الدولة، أو سنّ أي قوانين، إلا إذا وجد السطح نظيفاً أو نظّفه هو نفسه.

أفلاطون – الجمهورية 501 أ

 

استيهام اللوياثان ..مشكلة التعاقدية ومستقبلها في ليبيا

 (1)

في أحد المأثورات الرومانية: الكلماتُ تربط الإنسانَ، والحبالُ قرونَ الثيرانVerba ligant hŏmĭnes, taurōrum cornua fūnes 1. هذا المثَل نعثر عليه أيضاً في التراث الإقليمي لشمال إفريقيا حيث لسانُ الرّجل رباطٌ له، وللمثل صيغ عربية أخرى. العبارتان تسكنان عمقَ التفكير القانوني، وفي الحقيقة فإن الأحكام والمقتضيات ذات الأساس الأخلاقي نادراً ما تتغيّر أينما اتجهنا. وهي أساس الاستقرار في المجتمع بوصف الاستقرار نتيجةً لعمليّة تعاقدٍ بين أطرافٍ متكلّمة، قادرة على تمثيل العلاقة بين الكلمات والأشياء.

(2)

ما يميّز الارتباط عن طريق الكلمة هو الاعتراف المتبادل والإعلان عن ذلك بين أطراف تزكّي هذا الارتباط بقبول المجموع العام للكلمات الصادرة عن مجموع الأطراف. “إن ما يعطي لكلماتٍ قوتها وما يجعلها قادرة على حفظ النظام أو خرقه هو الاعتقاد بمشروعية الكلمات ومن ينطق بها، وهو اعتقاد ليس في إمكان الكلمات أن تنتجه أو تولّده”.2 هذه الفكرة الأوليّة هي التي تصنع ما نعرفه باسمالتعاقد، ولكنها تبقى فكرةً أوليّة، إذ أن ما يؤسّسها، وما تؤدّي إليه هي نفسها، هو أكثر تعقيداً من مجرّد الاستنتاج المبنيّ على حسٍّ عام.

(3)

عندما نتحدّث عن ليبيا، فإننا نتصوّر لوهلةٍ أن كلّ شيء قابل لأن يبدأ من جديد بأن ينبثق عن قاعدةٍ صفريّة، غير مختَبَرة. حالة اللادولة Statelessness التي هي عليها الآن لا تمكّننا من الحديث عن الدولة قدر حديثنا عن المجتمع. إن المجتمع الليبي في حالة حرب دائمة، وهو بالتالي ينفتح على جميع الاحتمالات. إذا اعتمدنا على توماس هوبز فإننا سنصفه على هذه الوضعية بـ”المجتمع الحر” ، ولكن من المهم أيضاً أن ننتبه إلى هذا المفهوم في ظلّ بحث ديفيد هيوم “في الطبيعة الإنسانية” حيث أعيدت صياغة الحق الطبيعي المغلّف ثيولوجياً لكي يرتبط بالنزعات الأخلاقية التي تظهر في التوازن الاجتماعي الملزِم من خلال تساوي وتكافؤ القوى المتضادة3. إن البداية الصفريّة انطباع هوبزي4 Hobbesian وهو ليس واقعيّاً تماماً، ولكن جزءاً منه قد يعبّر عن حالة فعليّة؛ فالإحداثيات السياسية والاجتماعية المتداخلة في ليبيا تتيح لنا حقّاً افتراض الفراغ أمام ادّعاء السيطرة، ولكن إذا كنّا هيوميّين Humean 5 فسوف نكون مقبلين على صفحة بيضاء شاسعة يحتاج ملؤها بنزعات الأفراد المسبقة إلى جهود تفوق التصوّر.

(4)

إن ما أراه في بلادي هو تماماً ما كنت قد عبّرت عنه سابقاً بعنوان “مجتمع اللادولة”6، ولكن طوباوية أفكاري الأولى تصطدم الآن بأعنف التحولات التي من الممكن أن يصبح عليها مجتمع كهذا.

(5)

لماذا يجب أن نبتعد بتحليلنا إلى هذا المستوى التأسيسي؟ لأننا نضطر في المسألة الخاصة بنا إلى إعادة تعريف وترتيب الأولويات، ونقوم في نفس الوقت بمسائلة أدواتنا عن قدرتها فعلاً على مقاربة الحلول الصحيحة.  أعتقد أن الحلول الذي قدّمها الليبيون، أو قُدّمت لهم، لم تكن تهتمّ كثيراً بذلك، ولهذا السبب لم يتحقّق من وراء اسم التوافق سوى صيغ تلفيقيّة مصطنعة من السهل أن تنجرَّ إلى “الحالة الطبيعية”، أي حالة الحرب. فالصيغة التوافقية حلّت محلّ الضرورة التعاقديّة وألغتها دون أن تكون حلاً، أو جزءاً من حلّ، وها نحن الآن نعود إلى المربّع صفر، ونقرّ بقابليّة التصوّر الهوبزي وقدرته على احتواء وتمثيل المسألة الليبية. ففي عمق مطالبة كلّ ليبي بشكل ما من أشكال الدولة لا نلمس في الحقيقة سوى التعبير عن الحاجات الأساسية التي تلخّصها كلمة أمن، وتبدو هذه المطالبة بالتالي صورة ذهنيّة عن رغبة غير مشبعة، أكثر مما هي إرادةٌ. إن الجميع يشعرون بالأسى على فقدان الدولة، وهم مشدودون إلى ما يمكن أن نطلق عليه استيهام اللوياثان، ويتمثّل في “إقامة دولة قوية منيعة تقضي على كل ضروب الفوضى والاضطراب والفتن والحروب الأهلية، وتحقّق الأمن والحماية لرعاياها، وعلى هذا الأساس – يقول هوبز – فإن البشر العقلاء الواقعيين سوف يرون أنهم في حاجة ماسة لأن يُحكَموا بواسطة دولة تكون على غرار اللوياثان حتى تقوم بحمايتهم، دولة صلدة منيعة، تغدو محاولة تقويضها ضرباً من الجنون”.7

(6)

في هذه العودة إلى المستوى التأسيسي، أؤكّد مرةً ثانية، يمكننا أن نكتشف خسارة عدّة قرون من تطوّر الوعي الاجتماعي تتلخّص في الفرق بين مفهومي الرعيّة والمواطنة. هذا الاستيهام، كما هو واضح، يشير إلى رعايا يعبرون عن رغبات، ولا يدلّ على مواطنين يعبرون عن إرادة. فاللوياثان بالنسبة لهم إنما يوجد، ولا يُصنع؛ وهو ذو طبيعة مفارقة، وليس امتداداً طبيعياً لهم. إنه تصوّر لم يكن هوبز ليقرّه لأن اللوياثان بالنسبة له هو الدولة، وليس الحاكم أو الملك كما يُفهم خطأً، إنه دولة الأمّة Commonwealth، كما إنه ليس المجال العام الذي نتصوّره في “الحالة الطبيعية” وهو يحتضن حرب الجميع ضد الجميع Bellum omnium contra omnes.

(7)

إن كل فردٍ هو مشروع كائن عقلي، ملتزم – أو قابل لأن يكون كذلك – أي بعبارة أخرى “مشروع إنسان”، وإن مجموع هذه المشاريع الفردية هي بالتالي مشروع مجتمع متعاقد سياسياً، بوصف العملية السياسية مصداق نفاذيّة التعاقد المجتمعي، وهي عملية قد تسبق التشريع، أو تتزامن معه، أو تليه، ولكن التشريع أيضاً قد يُستبدَل أو يلغى أو يتجدّد…  ذلك يعتمد بالطبع على طبيعة المجتمع الذي نتحدث عنه والمستوى الحضاري الذي حقّقه أو يسعى إليه معرباً عن إرادته في ذلك. وبعبارة أخرى فإنه يتعلّق بالضرورات وترتيبها أو إعادة ترتيبها، ذلك أن التعاقد أهمّ من التشريع، وعندما يكون المجتمع تعاقدياً يتمّ تجاوز ضرورة التشريع واستبدالها بصيغ توافقيّة، بحيث يتحوّل الإلزام الخارجي إلى التزام ذاتي أساسه التضامن على مستوى المجال العام، وأساسه التشارك على المستوى الفردي.

(8)

لقد اعتدنا أن نفهم سياق التعاقد التاريخي على أنه يتم بصورة إراديّة، أي كتوافقٍ حرّ، ولكنه متى ما تحقّق فإنه يصبح مستقلاً عن أثر الإرادة، وهذا تماماً ما يجعله مصدراً للتشريعات ويمنحه قوته وثباته وسمته المرجعيّة. في المسألة الليبية، وبدلاً من هذا السياق القياسي، نحن نتحدّث عن إعادة التعاقد. إن المجتمع الليبي المعاد تعاقده re-contractual society قد مرّ بأكثر من تجربة لتحديد التعهّدات بين الأطراف التي مُنِحت صلاحية الكلام، أي اتخاذ القرار نيابةً عن محيطٍ ما تقوم بتمثيله، حزباً كان، أو جهةً، أو قبيلةً، أو توجّهاً. لكن ذلك لم يحوّلهم إلى أطراف لاعبة أساسية قادرة على الإنجاز والتطوير بناءً على ما تم إنجازه، لقد مررنا بتجارب مماثلة8، لم تُنتج أكثر من “التهريج” السياسي.  لا أجد كلمةً مناسبةً أكثر من ذلك للتعبير عمّا يحدث من تفريغِ وتعطيلِ قيمِ المجال العام.

(9)

هذه التعاقديّة المستعادة، التي يتكرّر تملّكها، فقدت أهمَّ أسبابها، وهو قدرتها على الإلزام، وتعميم وانتشار ثقافة الالتزام بها. ولهذا السبب الرئيسي عجز الليبيون حتى الآن عن إصدار دستور موحّد يمثّل تعاقداً أساسياً بينهم وينظّم ما يتوجّب عليهم اجتراحه من سياقات إجرائية تنهي المرحلة الانتقالية المنفتحة على المجهول وعدم اليقين. لقد فشلوا في ذلك لأنهم كانوا يقومون بكتابة رؤيتهم الأخلاقية التي تمنحهم حقّ الهيمنة باسم التشريع، بدل أن يقوموا بإصدار نصّ تعاقدي يُلزم التشريع أخلاقياً.

(10)

عندما يكون المجتمع متعاقداً، إذن، يتحقّق التكافؤ في المجال العام، وتكون الدولة مصداقاً سياسياً لتكافؤ السلطة والسيادة. أما في ظل تعاقد متكرّر ومعاد، دون ثقةٍ في المرجعيّة التعاقدية ودون الارتباط بالمجال العام، فإن الدولة تنشأ عَرَضاً، أي بمعزل عن عمل المكوّنات التقليدية للدولة، بل كنتيجة اضطرارية مصطنعة دون تكافؤ بين السلطة والسيادة. إن عدم التكافؤ بينهما يجعلهما متعارضتين، وتسقط بذلك أهم أسس الفكرة التعاقدية. “إنه وضع من المساواة – كما قال جون لوك – حيث تتكافأ السلطة والسيادة كل التكافؤ، فلا يكون حظ أحد منها أكثر من حظ الآخر (…) أو يسخّر واحدها الآخر أو ينقاد له”.9 ولكن الفكرة التعاقدية تقوم من ناحية أخرى على الاعتراف بالسيادة كرأسمال رمزي، وبتفاعل أشكال الرأسمال تكون السلطة شكلاً أخيراً لتثبيت رمزيّة السيادة، وبالتالي نجاح التعاقد، أما في وضع التعاقد المستعاد فإن القيمة الرمزية المعترف بها في المجال العام تفقد فاعليتها، وتفشل بالتالي إعادة التعاقد. من المناسب أن نذهب مع بورديو إلى أن “كل رأسمال، مهما كانت الصورة التي يتخذها، يمارس عنفاً رمزياً بمجرّد أن يُعترَف به، أي أن يُتجاهَل في حقيقته كرأسمال ويُفرَض كسيادة تستدعي الاعتراف”10، ما نضيفه إلى ذلك قياساً على المثال الذي نعالجه هو أن تفريغاً اجتماعياً يطال الرأسمال الرمزي الذي يقع خارج شكل ما من أشكال ممارسة السلطة، المباشرة أو غير المباشرة، بغض النظر عن الاعتراف به كدلالة سياديّة؛ فالمسافة تبقى شاسعة بين السيادة والسلطة، لا يمكن للرأسمال الرمزي بالتالي أن يحتفظ بهذه الدلالة ما لم يجتز فعلاً هذه المسافة الانتقالية.

(11)

بتفكير رياضيّ فإن القاعدة الصفرية التي تتأسّس عليها أطراف متكافئة تؤول بالضرورة إلى نتيجة صفريّة. كيف للمخرجات – إذن – أن تتجاوز هذه الحلقة المفرغة؟ يمكننا اللجوء إلى حلول تعتمد على هذه الطريقة في التفكير.  إن ليبيا تبدو من الناحية النظرية أرضاً بكراً لاشتراع نظام يستفيد من التجارب السابقة، وعلى هذا الأساس فإن إمكانية النجاح كبيرة جداً، خاصةً وأنها منذ عدّة سنوات تُقادُ دولياً، وهي ملزَمة بعدم تجاوز التشريعات الدولية التي رسمت لها خارطة طريق محدّدة، بغض النظر عن فوضى وعبثيّة جزء كبير من هذه الترتيبات التي لم تثبت جدارتها حتى الآن. أما من الناحية الفعلية فإننا لا نستطيع أن نهمل وجود التشريعات البديلة المرتبطة بتعاقد أكثر قدماً يعتمد على طرفين رئيسيين هما الدين والعرف القبلي. وهما الطرفان اللذان نجد أثرهما متواصلاً وعاملاً على المستوى الاجتماعي. ولكننا نتحدث عن ممكنِ الدّولة، لا المجتمع، أليسَ كذلك؟ إن تفكيرنا السياسي الذي يستفيد من المعطيات الأنثروبولوجية لا يجب أن يرتهن لهذه المعطيات، إلا بقدر ما يتوخّى إعادة ترتيب الأوليّات باستدعاء تصوّر روسوي11 Rousseauian للانتقال من الحالة الأصلية إلى الحق الطبيعي، وبالانتقال من الحالة الميتافيزيقية إلى أنطولوجيا القوّة، والخروج بالتالي من تقييدات الماهيّة المتخيّلة إلى تعاقدات الممكن الإنساني التي يعبّر عنها القانون بوصفه تمثيلاً لإرادة مشتركة حول القضايا المشتركة.

(12)

صورة المجتمع المتعاقد- أو صوره – القديمة، هي جزء من ذاكرة سياسيّة متخيَّلة، ولكنها في الحدّ الأدنى أتاحت لنا التأسيس عليها لرسم سياقات التعاقد، وتنظيم التنازل أو التواطؤ لخلق مجال عام مبنيّ على التكافؤ بين السلطة والسيادة في الدولة، وهو الأمر الذي انعكس مباشرة على المجتمع في ترتيب التكافؤ بين الأفراد تحت مسميّات دعمتها صيغ قانونية حول التشارك والمساواة والأحقيّة وتنظيم العلاقات.

(13)

لم يعد ممكنُ المجتمعِ التعاقدِ مسألةً محليّةً أو إقليمية. إن الأمم المتحدة، تتّسم بالسلطة المادية كمصدر للاعتراف، وتتّسم بالسلطة المعنوية كمصدر لإحلال القيم، ما يحدث الآن أننا نجد أنفسنا أمام نكوص سبّبه تنازع المصالح والفشل المتكرّر في نفاذيّة المقرّرات التوافقيّة. نعود إذن إلى إشكالية التناقض بين الإلزام والالتزام، وأقول هنا باختصار أن نشأة ليبيا كدولة حديثة، في 1947 و1951 قد انبثقت عن اهتمام دوليّ تركّز على ضرورة حسم مسار التعاقد الذي منعته تناقضاته الداخلية من الوصول إلى نهاية مرضية لجميع الأطراف، ولا يبدو الآن أن إعادة التأسيس ستتم بمعزل عن هذا الاهتمام.

(14)

ما زلنا مشدودين إلى قياس الحق بمقياس الوقائع، لم نفارق حالة هوبز الطبيعية بعد، نحن لا نمارس الوقائع بمقياس الحق، لم نُقبل على حالة روسو التعاقدية بعد، إذن بعدُ لا نستطيع أن نحوّل هذا الفعل إلى مشتقاته السياسية.

(15)

يعترينا الأسى عندما نقول أن الليبيين يعودون الآن إلى “حالة الطبيعة” كما ذكرها هوبز، بينما يقف الثيولوجي واعظ البلاط الملكي بوسيه Bousset على قمة الجبل الأخضر أو الجبل الغربي وهو يصيح: “عندما يستطيع الكلّ فعل ما يشاؤون فإن ذلك يعني ألا أحد يستطيع فعل ما يشاء، وعندما لا يكون هناك سيّد، فإن الكلّ سادةٌ”12. إن الفوضى (بمعنى اللا-سلطة) تتميّز ،كتعبير عن الحالة الطبيعية، بإغراء عميق، وهي قابلة على الدوام لأن تتفعّل وتصبح حالةً عامة كلّما توفّرت أسبابها. ولكن نهاية خطبة بوسيه تقول: “حيث الكلّ سادةٌ، فإن الكلّ عبيدٌ إذن”.

(16)

لأخلص إلى إن الحاجة لا تكمن في التعاقد، بدلالته الأصلية، ولا في إعادة التعاقد، بدلالته الاختيارية، بل تكمن الحاجة في عقد اجتماعي اضطراري يكون ملزِماً عبر طرف ثالث.

(17)

إذا أردنا ألا نزيد الأمور تعقيداً يجب التوقّف بصرامة عند صوتٍ غائب يتمّ تجنّبه. ليكون التعاقد ممكناً وشرعياً – حسب فيليب باتيت  – لا يجب أن يحظى بالقبول فقط، بل يجب أن يكون قادراً على امتصاص أي تمرّد ممكن، وهي الحالة الوحيدة لإثبات القبول الشعبي العام بالتعاقد نفسه. إن أدوات هذا الإثبات محطّ جدل، ولكن لنكتفي – بالنسبة للمسألة الليبية – بالاتفاق مبدئياً على عدم تجنيب الصوت الغائب، كما في طوال المراحل الانتقالية السابقة، إنه الشعب، أو المصدر الوحيد – كما قال روسو – الذي يمارس سيادته المباشرة دون تفويض أو تمثيل.

مقالات ذات علاقة

راحلٌ في الحَيَاةِ.. طَاعِنٌ في الموتِ *

جمعة الفاخري

مـفارقة كـبرى

زياد العيساوي

مكابداتُ جيلاني طريبشان

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق