النقد

الرواية الليبية .. تبلورت سريعاً رغم ظهورها المتأخر

سماح عادل

أصبحت الرواية في العصر الحديث سجل الحياة للإنسان، فيها يسجل خيباته وانتصاراته وصراعه مع المجتمع الرأسمالي، وبالنسبة للعالم العربي تعتبر الرواية مخزن لكل الخيبات والأحزان التي يعيشها الإنسان منذ عصر النهضة وحتى الآن، تصور اغترابه وعجزه عن التعايش في مجتمعات يطحنها الفقر والحروب والصراعات المتوالية.. ورغم ذلك تعد الرواية في العالم العربي بمعنى ما تأريخاً صادقاً، قد يفوق كتب التاريخ والسياسة في تصوير حياة الإنسان في تقاطعه مع ظروفه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفي توحده مع ذاته ومحاولته الانعزال محتمياً بها من قسوة الخارج.

تأخر الرواية الليبية..

تأخرت الرواية في الظهور في ليبيا مقارنة بباقي الدول العربية، وذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، وعلى الرغم من ذلك استطاع الروائي الليبي أن يواكب الحركة الأدبية في العالم العربي والعالم الغربي.. بدأ ظهور الشكل الروائي الحديث في ليبيا في فترة السبعينيات، حيث شهد الواقع الليبي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي استقراراً سمح للرواية بالإعلان عن نفسها.. إن نضج الشكل الروائي في ليبيا, في هذه الفترة, كان نتاجاً لتطور الفن القصصي الذي ظهرت محاولاته الأولى في الخمسينيات، متمثلة في مجموعة قصص نسبت إلى الكاتب “محمد كامل الهوني”, نشرت سنة 1951، وأول مجموعة قصصية متكاملة هي مجموعة (نفوس حائرة) للكاتب “عبد القادر أبو هروس”, صدرت في 1957.

نشأة القص الليبي..

هناك بعض الباحثين الذين يرون أن نشأة الفن القصصي في ليبيا يعود إلى فترات سابقة, حيث نشرت قصص في أعداد من مجلة (ليبيا المصورة), التي كانت تصدر سنة 1935، وأن أغلب تلك القصص كانت بتوقيعات تشير إلى كاتبها “وهبي البوري”.. وهناك من يرى أن بدايات ظهور القصة في ليبيا كان في 1908 عندما كانت ليبيا ولاية عثمانية، حين سمح الباب العالي للولايات التابعة له بإصدار صحف محلية في ذلك الوقت، عرفت ليبيا بعض الصحف التي نشرت بعضها ما يمكن اعتباره إرهاصات أولى للقصة القصيرة في شكل مقالات قصصية.

يمكن تقسيم نشأة القصة في ليبيا من الناحية الفنية وتطورها, إلى ثلاث مراحل:

1 – مرحلة النشأة: وهي مرحلة البدايات الأولى لفن القصة في ليبيا, وجاءت هذه البدايات مضطربة من الناحية الفنية، نتيجة لعدم معرفة الأساليب الفنية واختلاط الخواطر السريعة بالقصة القصيرة فجاءت أعمالا ساذجة، ولا غرابة أن تكون مثل هذه السلبيات في هذه المرحلة لأنه من التعسف توقع الاكتمال الفني من أدباء وقعوا في أسر اللغة وطغيان التراكيب اللغوية على الشكل الفني والمحتوى.

2 – مرحلة النمو: تجاوز الأدباء سلبيات المرحلة الأولى من خضوع للقولبة اللغوية، واعتناء بالصنعة الشكلية، وضحالة الفكرة وانفصام القصة عن الحياة.

3 – مرحلة الازدهار: جاءت هذه المرحلة على يد الجيل الثالث من الأدباء الليبيين, وأشهرهم في ذلك الوقت: “أحمد إبراهيم الفقيه، وبشير الهاشمي، ويوسف الشريف”، وتميز أدب هذه المرحلة بالوعي بأصول الفن القصصي والانفتاح على الثقافات الأخرى والسعي وراء التجديد والتطوير.. يمثل “أحمد إبراهيم الفقيه” هذه المرحلة أصدق تمثيل, لأن أدبه القصصي تميز بموهبة فنية عالية، ووعي بأصول هذا الفن ونزوعه الإنساني الذي تجاوز حدود الزمان والمكان.

بداية الرواية..

بدايات ظهور الفن الروائي في ليبيا اختلف الباحثون في شأنه, كما اختلفوا في نسبة الريادة لمؤلف أول رواية ليبية، بل وفي وجود رواية ليبية أصلاً، من الباحثين من ينسب فضل الريادة للكاتب “محمد فريد سيالة” مؤكدين على أن نشأة الرواية في ليبيا تعود إلى سنة 1961, وهو تاريخ صدور رواية (اعترافات إنسان)، وباحثين آخرين يرون أن رواية (مبروكة) أول رواية ليبية ولدت في ديار الهجرة بسوريا سنة 1952 وأن مؤلفها الأديب “حسن ظافر بن موسى” له فضل الريادة.

وفريق ثالث من الباحثين يعتقد أن الرواية في ليبيا لازالت غائبة ولازالت حلماً جميلاً، فالأدب الليبي ما يزال أسير القصة القصيرة التي سيطرت تماماً على الحركة الأدبية طيلة ثلاثين عاماً، وفريق رابع من الباحثين يرى أن البداية الحقيقة لظهور الرواية كان على يد “الصادق النهيوم” في روايته (من مكة إلى هنا) التي صدرت 1971, وتقسم مرحلة نشأة الرواية إلى:

1 – مرحلة التأسيس: شملت فترة الستينيات التي غلب عليها الجانب القصصي مع ظهور بعض الروايات القليلة أمام الكم الكبير من القصص.

2 – مرحلة التطور: وشملت فترة السبعينيات التي بدأت برواية “الصادق النهيوم”, وامتدت إلى نهاية الثمانينيات, ومن أشهر روادها “محمد صلاح القمودي” و”خليفة حسين مصطفى”.

3 – مرحلة الازدهار: تبدأ هذه المرحلة من منتصف الثمانينيات, وتستمر حتى وقتنا الحالي, ومن أعلامها “أحمد إبراهيم الفقيه” و”إبراهيم الكوني”.

نقد الرواية الليبية..

الكاتب أحمد إبراهيم الفقيه.
الكاتب أحمد إبراهيم الفقيه.
الصورة: عن الشبكة.

تعرض الناقد السوري “سمر روحي الفيصل”, إلى نقد الرواية الليبية في دراسته: (في الرواية الليبية) التي صدرت في 1983, حيث قام بالدراسة والتحليل لبعض الروايات التي صدرت لأدباء ليبيين, وفي كتاب ثان بعنوان: (نهوض الرواية العربية الليبية) صدر في 1990.. في الكتاب الأول درس “الفيصل” رواية (حقول الرماد) واعتبرها نقطة تحول في مسار الرواية الليبية، وقد جمع الناقد بين المنهج البنيوي التكويني والمنهج البنائي, لكن يؤخذ على كتاب “سمر روحي الفيصل” ذلك أنه اعتمد على نصوص ضعيفة فنياً، ولم يطلع على كثير من الدراسات التي كتبت حول القصة والرواية في ليبيا، كما ركز على المنهج التحليلي وأهمل العامل التأريخي في كتابة النصوص الروائية وتاريخ نشرها، لرصد مدى تطور الكاتب أولاً وكذلك رصد تطور الرواية الليبية ثانياً.

إلا أن الجهد الأهم في هذا الكتاب هو القائمة التي قدمها الباحث للرواية الليبية، فقد لاحظ أن الرواية الليبية مبعثرة في كتب “البيبلوغرافيا” دون أن يجمعها احد في مكان واحد، مشيراً إلى المحاولة التي قامت بها الكاتبة “أسماء الطرابلسي” في تقديم قائمة بالقصة والرواية، معتبراً أنها المحاولة الأولى لجمع الرواية في مكان واحد ولكنها لم تفصل الرواية عن القصة، وقام “الفيصل” بعمل قائمة للروايات الليبية رتبها مرة بحسب الترتيب التاريخي لصدور الروايات، ومرة أخرى بحسب الحرف الأول من اسم الروائي، وفي كتابه الثاني عبر “الفيصل” فيه عن تفاؤله بنهوض الرواية الليبية في الثمانينيات.

التأثير العربي والغربي على الرواية الليبية..

الكاتب الصادق النيهوم
الكاتب الصادق النيهوم
تصوير: فتحي العريبي

شهدت مراحل نشأة الرواية في ليبيا اتصالاً مباشراً مع الثقافة العربية، من خلال الكتب والمجلات الأدبية الوافدة من الدول المجاورة، وهذه الوسائل فتحت الأبواب أمام الجيل الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية لمعرفة الحركة الأدبية في البلدان العربية، ويبدو أثر أدباء المشرق العربي واضحاً في كتابات جيل رواد القصة والرواية في ليبيا، فقد تأثرت قصص “وهبي البوري” بطغيان الرومانسية في القصص القصيرة المصرية في تلك الفترة، كذلك يبدو تأثير واقعية “يوسف إدريس” في قصص “أحمد الفقيه” خلال فترة الخمسينيات، أما الرواية فيظهر تأثير بدايات الرواية في مصر على “محمد سالم عجينة” في روايته (نافذة على المطل الخلفي) ممثلة في (الأيام) رواية السيرة الذاتية للأديب الكبير “طه حسين”، كما يبدو تأثير الروائيين المصريين واضحاً على “أحمد نصر” في روايته (وميض في جدار الليل) متتبعاً فيها خطى “فتحي غانم” في رواية (الرجل الذي فقد ظله)، وكذلك “نجيب محفوظ” في (ميرمار) و”إحسان عبد القدوس” في (أنف وثلاث عيون).

ويمتد هذا الأثر إلى ثلاثية “خليفة حسين مصطفى” وهي (جرح الورد – عرس الخريف – آخر الطريق), فهو من الذين تأثروا بـ”نجيب محفوظ” وطمحوا إلى كتابة ثلاثية روائية مثله.

أما تأثير الثقافة الغربية فيبدو واضحاً في رواية الصادق النهيوم (من مكة إلى هنا), حيث قدم شخصية “مسعود الطبال” بوصفه نموذجاً عربياً لشخصية “سنتياغو” عجوز “أرنست همنغواي” في (الشيخ والبحر).

_________________________________

المصدر: ورقة بحثية للدكتور “محمد علي البنداق” – كلية الآداب جامعة الزاوية – ليبيا.

نشر بموقع كتابات.

مقالات ذات علاقة

جدليَّةُ الظل والجسد في ومضات جمعة الفاخري القصصيَّة

المشرف العام

هل لدينا نقاد؟

أحمد الفيتوري

صراخ الطابق السفلي في زمن السفلة

سالم العوكلي

اترك تعليق