النقد

(أثوابُ الحُزن) للشاعرة هدى السراري

المجموعة الشعرية أثواب الحزن


كثيرون لا يعرفون أن هدى السراري سيدة الأعمال الليبية وصاحبة قناة 218 الفضائية التي تبث من العاصمة الأردنية “عمان” هي كاتبة صحفية وشاعرة، صدر لها ديوانها الوحيد بعنوان (أثواب الحزن) سنة 2002م عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في العاصمة اللبنانية “بيروت”.

وتهدي الشاعرة ديوانها اليتيم (إلى من هم سندي في هذه الحياة ومرفأ الأيام الوحيد وأغلى من في الوجود أبي وأمي. وإلى شقيقتي المحبة وصديقتي الوفية .. أسماء السراري. وإلى كل من يحاربني ويقف في وجهي ويستهين بتفكيري ويسعى لتهميش كياني وإلغاء حقي في الحرية وإلإبداع .. أهدى تجرتي المتواضعة)
وقد صدّر هذ الديوان الأستاذ الأديب مفتاح قناو بمقدمة تحت عنوان (إضاءة) تتبع فيها مراحل من مسيرة الشعر الشعبي في ليبيا وبعض رواده ورموزه، ويقول فيها ((لم أعرف في البداية كيف يتسنى لفتاة من حي دمشق ومتخصصة في دراسة اللغة الألمانية بالجامعة أن تكتب شعراً عامياً مفعماً بروح البادية، فمن أين لها هذه الدراية بمفردات خارج نطاق المدينة قد تكون قروية أو حتى بدوية مثل (نزلنا الجرد من السدة) و(سيرته وطاريه) و(معورج انقابه).

ويزول العجب عندما تخبرك الشاعرة هدى السراري أنها تنتمي إلى عائلة من الشعراء وأنها واصلت السير على ذات الدرب بتشجيع من الأهل.
والشاعرة الواعدة هدى السراري في ديوانها الأول تقدم عدداً من القصائد الشعبية التي تتنوع في مواضيعها ولكن تفاجئك في هذا الديوان نبرة الحزن والإحباط التي تسيطر على هذه القصائد ولعله السبب الذي دفعها لأن يكون عنوان مجموعتها الشعرية (أثواب الحزن).

ومسيرة الشعر الشعبي في ليبيا قديمة ومتجذرة لها رموزها منذ زمن (غناوي سيدي قاننة) مروراً بقصائد رجب بوحويش عن (معتقل العقيلة) حتى جيل القشاط والنويري ومصطفى سلاّم وغيرهم من الشعراء التقليديين، لكن السنوات الأخيرة شهدت ظهور عدد من الشعراء الشباب الذين حاولوا ولايزالون تجديد القصيدة الشعبية الليبية بإدخال مفردات جديدة تتمشى وروح العصر وتنطلق أحياناً من بيئة المدينة التي لها مفرداتها الخاصة وطابعها المميز ومن الشعراء المخضرمين يعد الشاعر أحمد الحريري أبرز شعراء (قصيدة المدينة) بمفرداتها التي تفوح منها رائحة الحياة اليومية والعادات والتقاليد في أزقة طرابلس القديمة.

أما قصائد هذا الديوان فبرغم أن الشاعرة من أهل المدينة مولداً وإقامة إلاّ أن بعض قصائدها لم تبتعد كثيراً عن النسق البدوي للشعر الشعبي الليبي حيث تخطو الشاعرة خطوات واثقة لطبع شخصيتها الشعرية التي ستتأكد معالمها في قصائدها القادمة بين اتجاهين يحكمان الشعر الشعبي الليبي حالياً، الاتجاه التقليدي في الشعر الشعبي والذي يمثله جيل الشعراء القدماء والسائرون على دربهم ومحاولات تحديث الشعر الشعبي الليبي التي يقوم بها عدد من الشعراء الشباب. لعل أبرزهم الصيد الرقيعي ومحمد الدنقلي وسالم العالم.

ومن المناسب جداً في هذا المقام أن الشاعرة قد أردفت قصائدها بقصيدة أهديت لها لأحد المجددين للشعر الشعبي الشاعر محمد علي الدنقلي، لتكون لها تجارب الشعراء في الاتجاهين نبراساً يضيء الطريق نحو تأكيد شخصيتها الشعرية المستقلة كما نرجو لها أن تكون.))
وبعد مقدمة الأستاذ مفتاح قناو يجد القاريء خمسة وثلاثين نصاً شعرياً تتفاوت أنفاسها الشعرية بين القصيرة والقصيرة جداً، وتتنوع مواضيعها وإن ظلت جميعها تعكس أحاسيس النفس المرهفة والوجدان الإنساني المفعم بعشق الحياة وقيمها النبيلة، وهو ما جسدته عناوين النصوص التي جاء بعضها كالتالي (يا صاحبي، المنطق، صبر أيوب، عربية، لولا الغلا، الهروب، بوجهين، شرع الحب، ما توحشني، هان غرامك) وغيرها.

ومن بين قصائد الديوان تقدم الشاعرة لمحات من شخصيتها وتبسط بعض المفاهيم الفكرية الخاصة بها، مع براح لقبول الأخر بكل أريحية وروح منفتحة, وصرّحت بذلك حين جعلت عنوان القصيدة (شخصيتي) وتقول في أبياتها:
(أنا هذي هي شخصيتي
لا ما تحاولش تغيرني
عندي ميزاتي وعيوبي
زي ما نا لازم تقبلني
ولو أنت فعلاً رايدني
علّمني لا ما تعايرني
وترضي بيا كيف ما نا
مش صورة وأنت ترسمني
وليش تسيطر ما توجهني
ونسخة بالألف تكرر لي
وما تنسى إنس إنسان
كياني بذاتي قائم لي
وحب الندرة اللي في طبعي
ونتبع ظلك ما ترغمني
وزي ما نا نقدر في شخصك
ولازم حتى أنت تقدرني)

ووفاء للشاعر محمد الدنقلي فقد ضمنت الشاعرة هدى السراري في نهاية ديوانها (أثواب الحزن) قصيدة للشاعر كان قد أهداها لها في أمسيتها الشعرية الأولى وصدرها بعنوان (تغيّرتي) ويقول فيها:
(بعد كنتي صغيرونة .. وتحفونة ..
على قيسي، وعلى ذابي.
ندودش فيك بعيوني ..
نخطي فيك لأعتابي.
ندسدس فيك بجفوني …
نغطي فيك بأهدابي.
بعد .. هرش القلم ..
والخربشة عالحيط والمندار
وعلى يديك .. وعلى كتابي.
تغيّرتي ..
وبطّلتي بكاء الأطفال .. مع حظوري،
وفي غيابي. ومر الكرز من هانا ..
وما طقطق على بابي وفي شفاهك ..
على غفلة .. ختلني ومر عنابي.
مواسم خوخ في خدودك ..
ومهما يكون متعابي .. تغيرتي ..
تغيرتي .. وتعلمتي .. السفر في داخلي ..
وماعاد كي قبل ترتابي
وتعلمتي .. جنون الريح …
بلا ميعاد .. تنفجري ..
وبلا ميعاد تنسابي
وتعلمتي .. تعلمتي وأحلى
ما تعلمتي فنون اللعب بأعتابي)

أما على ظهر خلفية ديوانها (أثواب الحزن) فقد اختارت الشاعرة هدى السراري عدة أبيات من نهاية قصيدتها (ساعة صفر) تقول فيها:
(ناديت أملي فيه … ما ردش علي
زود أكيد عذابي
ولملم ثيابه عالسفر مستعجل
ولملمت حزني اللي هوا كل أثوابي
فهل ياترى يامسافر
كيفي إحساسك مر وألا زمانك طاعك
ساعة سفر حانت وحان وداعك
يا ويل قلبي من سريب أوجاعك)

مقالات ذات علاقة

الدور الوظيفي للشخصية في قصص أحمد إبراهيم الفقيه

طارق الشرع

الأبعاد الثقافية للنسق الرمزي وتركيب المعنى في نص إبراهيم الكوني

المشرف العام

الوظيفة السامية للتخريف

محمد الترهوني

اترك تعليق