حوارات

القاص الصديق بودوارة/ لـم أكـتب شيـئاً بعـد !!

الصديق بودوارة:

لـم أكـتب شيـئاً بعـد !!

حاوره : عبدالباسط أبوبكر محمد

القاص: الصديق بودوارة

[الصديق بودوارة].. كاتب بدأ الكتابة أوائل التسعينات.. تجربةٌ مسكونة بكثير من محاولات الاجتهاد و البحث عن جديد.. يرتدي جيداً قناع الأسطورة ليسكب لنا في كل قصة دهشةً مغايرة..

فضاءات القصة عند الصديق محمومة بالبحث عن أفاق قصة  جديدة دائماً.. كاتب ينشر باستمرار [قصص و مقالات].. سواءً من خلال زاويته الأسبوعية في صحيفة الجماهيرية.. أو من خلال الصحف والدوريات الليبية الأخرى.. ينشرُ بشكلٍ مكثف عبر شبكة الإنترنت..

تجربة غنية بزخم غير عادي من الأسئلة التي تعلنها القصص هنا وهناك.. وتتشكل عبر إطار السرد.. بعض الأسئلة حاولنا أن نجد له جواباً هنا :

  • (آلهة الأعذار) اسم المجموعة القصصية الجديدة.. قصص هذه المجموعة لم تخرج عن إطار الخط الذي برز في جانب من جوانب المجموعة الأولى (الجانب الأسطوري) هل ترى أن هذه المجموعة تشكل تكثيفاً لجانب معين من تجربتك القصصية ؟ ما الجديد في آلهة الأعذار؟

الجديد في (آلهة الأعذار) إنها الخطوة الثانية على دربٍ طويل.. كما تفضلت الآن.. التجربة.. شعرية كانت أم قصصية لها جوانب عدة.. التجربة ليست كيان مسطح.. إنها جسد مزدحم بالتفاصيل.. نتوء هنا واستدارة هناك.. وهكذا.. كل هذه الجوانب تطالب بحقها في الظهور.. هذا لا يتم بالطبع في مجموعة واحدة أو مجموعتين.. انه يتشكل داخلياً ويستغرق وقته الذي يريد.

  • (المكان الأسطوري ليس استثنائياً..) هذه ليست نتيجة.. لكن عدم اهتمام ( الصديق بودوارة) بتأثيث مكانه جيداً ينعكس على الشخوص..هل ترى إن المكان الأسطوري غنى عن التعريف (خاصة إن في بعض القصص يقفز اسم المكان هكذا مفاجأة)؟؟

 ماذا تقصد بحكاية (ينعكس على الشخوص) اسمح لي أن أخالفك الاعتقاد.. عدم الاهتمام بتأثيث المكان لا ينعكس سلباً على الشخصيات.. للشخصية متاعها الخاص.. لها تفاصيلها الداخلية التي تغنيها عن الحاجة للعناية بالمكان.. المكان ليس بطلاً في قصصي.. لكنه وعاء قسري يحتوى من بداخله ويحاول أن يفرض عليهم ملامحه.. انه مكان مستبد لكن للشخصيات دوماً رأيها الآخر.. تمعن جيداً في ما اكتبه وسترى ذلك.

ثم إن اسم المكان لا يقفز (هكذا مفاجأة) مثلما قلت.. أن له علاقة وطيدة بالجو العام للقصة.. هل لك مثلاً أن تختار اسماً لقريةٍ بمواصفات (أم الجراد) غير هذا الاسم ؟

  • هل البحث عن الأسطورة المستحدثة بحث عن إطار إنساني متسع؟

وما هي الأسطورة أن لم تكن فضاءنا الآخر الذي نشد صوبه الرحال ؟ قرأت مرة لأنسى الحاج كلمات من ذهب.. انه يقول (أريدك أيتها الأوهام.. وكلما بددوك أعدت اختراعك) الأسطورة هي إعادة ترتيب الوهم.. هندمته.. أن نمد يداً من ذواتنا إلى ذلك الوهم البعيد.. هي أن نملأ صدره بهمومنا ولكي لا نحيله إلى كائنٍ اعتيادي فإننا نجعل له أجنحةً لا نملكها نحن.. هكذا فعل الإغريق بأوهامهم فكانت النتيجة أن أهدوا إلى الدنيا كلها هذا الأدب المثير للشجن والدهشة.

الإنساني هنا هو ما يعنيني.. أنا الإنسان القاصر عن فضاء الأسطورة  رغم إنني من أعطاها أجنحتها التي حلقت بها.. هل ترى هذا الخليط الممتع من الوهم والخيال والقدرة والعجز والحياة والموت.. هذا كله هو الأسطورة.. وأسألك الآن بدوري : أليست رائعة.. هذه الأسطورة ؟

  • (قصص خارجة عن المألوف) عنوان مجموعة من القصص القصيرة تضمنتها المجموعة الأولى.. ألا ترى أن هذا العنوان يشكل تحايلاً على القارئ؟ حيث إن أغلب القصص التي تنطوي تحت هذا العنوان تقترب من الخواطر والانطباعات.

(تحايلاً على القارئ؟).. أنا لا أبيع شيئاً  للقارئ حتى أتحايل عليه.. أنا امنحه الكلمات وهذا يكفى.. ولكن دعني أناقش معك هذا السؤال.. وما هي القصص التي لا تخرج عن مألوفها ؟ وما هو المألوف في القصة أصلاً ؟.. حسناً سأعرض الأمر بطريقة أخرى.. هل سبق لك أن تعرفت على امرأة خارجة عن المألوف ؟ قد تجيبني  بنعم.. وسأسألك مجدداً.. وكيف عرفت ذلك ؟ هل تختلف في الشكل ؟ هل تملك  أربع عيون مثلاً ؟ بينما تجهز لي الجواب سأخبرك انك تحدثني الآن عن مجموعتي الأولى (شجرة المطر).. سأخبرك أيضاً أن الخواطر والانطباعات التي تحدثت عنها تحولت في هذا الجزء من المجموعة إلى قصص.. أن يتحول بيت من الشعر أو مطلع أغنية إلى قصة.. اقصد التحول بمعنى الامتزاج الكامل.. القصة تصبح أغنية والأغنية تستحيل لي قصة.. هل يبدو لك هذا مألوفاً ؟

  • هل ترى إن القصة القصيرة اكثر براحاً للتجريب من القصيدة ؟

أعطيتم للقصيدة ثوباً فضفاضاً يسع كل شئ.. حتى الكلام العابر لذلك تمتلكون براحاً أكثر ولكن لأي شئ ؟.. سأخبرك بشيء.. في موقع القصة العربية بعثت مرة بجزء من مجموعتي (أساطير الزمن الرديء) كانت قصة واحدة تفصلها أرقام متسلسلة.. ما يجمع بينها هو المعنى وليس المبنى.. الهيكل السردي منفصل تماماً ولكن الروح واحدة ومتصلة على امتداد التسلسل فماذا حدث ؟

قام مسئول الموقع بنشرها على دفعات منفصلة وجعل كل رقم مسلسل قصة بحد ذاتها.. عندها فوجئت بالكم الهائل من النقد الذي وصل أحياناً لحد التجريح.. هوجمت النصوص وكان أشرس المهاجمين من دول الخليج.. كلهم اجمعوا على أن هامش التجريب في القصة محدود.. شخصياً لا أومن بهذا.. أحاول في كل مرة أن اكتب قصة مختلفة عن السابق.. ولهذا لا اكتب باتصال.

  • القصص التي تتناول الذات كحالة لها خصوصيتها تظل اكثر اقتراباً من المتلقي  بل واكثر توهجاً (ربما يظل الصدق معياراً مناسباً للتفاعل مع الآخر) بينما تتقولب القصص التي تشكل الأسطورة عناصرها الأساسية عن بعض توهجها.. سؤال مشاكس نوعاً ما (متى يتنازل القاص عن الذات؟!)

إذا تنازل القاص عن ذاته خسر كل شئ.. اسمع.. الذات هي المنبع.. هي الأصل وما عداها فروع.. الذات ليست تهمة لكي يتبرأ منها القاص.. تجربة القاص الذاتية تتحول على يد إبداعه إلى تجربةٍ يعيشها القارىء معه.. ولكن من أخبرك أن الأسطورة ليست ذاتاً أخرى ؟..

هل تعرف أسطورة زهرة النرجس ؟.. هل سمعت بذلك البطل (نرسيس)..  نرسيس الجميل الذي أغضب الآلهة لفرط غروره وإعجابه بوسامته فجعلته يعشق صورته المنعكسة على بركة مياه.. مات الرجل عشقاً وفى موضع موته انبتت الأرض زهرة النرجس.. هل رأيت قدراً من الذاتية كما رأيته في هذه الأسطورة ؟ الأسطورة لا تتقولب أبداً.. إنها تمد يداً من خيال خصب إلى القارئ.. إلى الكون كله.. إنها نفس بركة المياه التي عكست صورة نرسيس.

  • في قصصك ما اسميه (لعنة التراث) حيث تركن القصة في بدايتها إلى مقطوعة أو كلمة مأثورة.. ألا ترى إن هذا الأسلوب يؤثر سلبياً على القصة ويجعلها تقترب من المقالة ؟

 لعنة التراث ؟.. عليك إذن أن تترحم على روايات الكوني التي تزدحم مقدماتها بإصحاحات التوراة والمقتبسات العديدة من كتب التاريخ والأعمال الأدبية الأخرى.. هل شعرت يوماً أن هذا جعل ما يكتبه الكوني مجرد مقالات ؟

الكلمة المأثورة في البداية.. أو الاقتباس كتمهيد للدخول ليس عيباً ولا يدفع بالقصة باتجاه المقالة التي هي فن مستقل بذاته.. أنها إضاءة على ما ستقوله القصة لكنها ليست بالضبط ما سيقال.. ثم ما هي حكاية (لعنة التراث) هذه ؟.. التراث ليس لعنة.. انه مخزون وهنا بالذات يكمن الفرق الكبير.

  • أين تتقاطع اللغة مع إطار القصة.. خاصة عندما تتحول بعض القصص إلى مطاردة اللغة بانفعال.. ما الذي يعنى الصديق بودوارة.. اللغة الوسيلة أم الغاية ؟

هنا بالتحديد تكمن اللعنة.. لعنة اللغة عندما تتحول إلى هدف.. إلى غاية.. يمكنك أن تسمى هذا وبارتياح (لعنة اللغة الغاية).. شخصياً ما يعنيني هو الفكرة ولكن مسئوليتي أن تصل رؤيتي للقارئ على متن لغة جميلة.. هذه الثنائية تبدو مرهقة بعض الشيء لكنها المتعة الحقيقية للكتابة.

  • تكرر اسم (منساد) كمكان أسطوري يحتوى الأحداث في بعض قصص مجموعتك (آلهة الأعذار).. هل هي بديل لأم الجراد أم هي نسق مختلف كلياً.. أم هي مقدمة لرواية بهذا العنوان ؟

 إنها تشترك ما (أم الجراد) كونهما مكان في الذاكرة.. (منساد) ليست قطعة من الجغرافيا.. إنها وطن في الذهن.. هي بصورة أخرى مساحة ذهنية هائلة الاتساع  تتشكل حسب موقعها من الانفعال.. هي في العادة مكان مستبد يحاول وباستمرار فرض شروطه على قاطنيه.. على أبطاله ويحاولون بدورهم الانفصال على هذه الرغبة.. اكتب الآن رواية بهذا الاسم.. امزج فيها بين هامش ومتن.. الأمر في غاية الصعوبة لكن المتعة تبقى الحافز الأكبر.

  • (الرواية.. فن التفاصيل) يقول [عبد الرحمن منيف] بينما الروائي [ ميلان كونديرا]  يقول (إن الرواية هي ثمرة توهم إنساني.. والتوهم باستطاعته فهم الآخر).. أين يقع مفهوم الرواية عند الصديق بودوارة ؟

التفاصيل لوحدها لا تصنع رواية ناجحة والتوهم الإنساني بحاجة إلى التفاصيل ليصنع روايته.. مع كامل الاحترام للاسمين الكبيرين.. اعتقد أن الرواية  هي امرأة فاتنة.. مدهشة.. تعشقها أنت لكن غيرك يريدونها ويدورون حولها والجوع يستبد بهم.. هم أقوى منك وأكثر منك جاهاً وسطوة لكنك الوحيد الذي تحبها بصدق.. باختصار أنت لا تملك إلا عشقك لها.. هو ثروتك الوحيدة.. لهذه تظل دائماً على مسافة منها.. تخاف أن تبتعد فيفوز بها الآخرون.. وتخاف أن تقترب فتواجه بالصد.. لهذا تظل الرواية دائماً عصيةً على التفسير.. إنها ذاتك أنت مع مشاهد البصر وما تختزنه الذاكرة وما تستقيه من التاريخ.. تاريخ الرواية ليس تاريخاً على امتداد بصر الإنسانية فقط.. انه أيضا تاريخ كل بطل من أبطالها.. الجزء هنا يتوحد مع الكل والكل يدين بوجوده لكل جزء فيه.. هذه هي الرواية.

  • كاتب زاوية أسبوعية.. هل هذه ميزة أم عيب ؟ مدى إثراء كتابات الزاوية في كتابات الصديق القصصية ؟

 بكل صدق.. لا املك إجابةً على هذا السؤال.. اعترف إني أدين بالكثير للزاوية الأسبوعية واشكر كثيراً صحيفة الجماهيرية.. هذه الزاوية كانت المهد لميلاد ( البحث عن السيدة ج  ) وكانت حافزاً للكثير مما كتبته.. ولكن من جهة أخرى لا ادري إذا كانت القصة في داخلي تشعر بنفس الدرجة من الامتنان لزاويتي هذه .. ربما يعود الأمر في نهاية المطاف للكاتب نفسه.. ولكن لو عاد بي الزمن من جديد وعُرض على كتابة زاوية أسبوعية.. فسأوافق بلا تردد.. احتاج دائماً إلى حافز للكتابة.. فأنا لم اكتب شيئاً بعد !!

مقالات ذات علاقة

الشاعر الليبي عمر الكدي: الشعر رفض الخروج معي إلى المنفى

خلود الفلاح

ليبية تسعى لتكون أول مذيعة محجبة بالتلفزيون الأميركي

نهلة العربي

الشاعرة سعاد يونس: هدفي أن تصل كلمتي.

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق