حوارات

فتحي نصيب: الحركة الابداعية الليبية نشطة وغزيرة.. لكن لاتجد من يقرأها

السقيفة

القاص فتحي نصيب ومجموعة من إصداراته (الصورة: عن السقيفة)

”الكتابة احدى وسائل الحفاظ على الذات“.. ”الكلمة لا تموت والأفكار تتجاوز الزمن وتتخطى القيود والحدود“.. ”هناك نزوع انساني وربما فطري لان يستمع الانسان الى الحكاية“.. ”مايلفت نظري هو الطفرة في القصة والرواية الليبية“…

السقيفة الليبية (حوار/ حنان علي كابو): أوجد القاص فتحي نصيب مكانا له في عالم القصة،بل يعد من كتابها في مرحلة السبعينيات والتي مثلت اضافة في المشهد الليبي للقصة القصيرة، تظل الأمكنة حنينا شاغرا يلامس قلمه والذي يسافر به إلى أمكنة وزوايا وطئتها مخيلته.

تحصل ضيفنا على بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية/ جامعة بنغازي 1994، بالأضافة إلى دبلوم دراسات عليا بقسم العلوم السياسية بجامعة بنغازي 1996، كما ترأس مدير ادارة التعاون الثقافي الدولي بوزارة الثقافة الليبية 2012/2015، وعمل رئيس تحرير مجلة (الهدف)، وكان المشرف الثقافي لصحيفة (الهلال)، ومدير تحرير مجلة (فضاءات)، مدير تحرير صحيفة (البلاد)، ومؤسس منظمة (فال) للدفاع عن حرية الفكر والتعبير، وقام بإعداد برامج أدبية في الإذاعة منها البرامج الآتية: (الباب المفتوح)، (محراب الفكر)، (كاتب وقصة )، (مرفأ الليل )، (أدوات الاستفهام)، (ديوان العرب)، (قصص وحكايات).

كما شارك في أمسيات قصصية وندوات في عدد من المدن العربية ومنها: بغداد، القاهرة، دمشق، عمان، تونس، أصيل، مراكش، بنغازي، طرابلس.

صدر له: (المد) مجموعة قصصية مصادرة 1979، (مرايا السراب) مجموعة قصصية عن مجلس الثقافة العام 2007، (مقاربات في الفكر والادب – مقالات فكرية ونقدية) عن وزارة الثقافة الليبية 2013، (الحلم الذي ينأى) مجموعة قصصية عن دار روافد المصرية 2020… وتحت الطبع: “المقامات/ تأملات فكرية“، “هو وهي/ حوارات وتساؤلات“…

> تعيش في منفى إجباري تدفع ثمن قناعاتك، حلمت بوطن يعيش مواطنيه بحرية، ماذا حدث؟

● دعينا نتذكر هنا ماقاله ابن عربي (المكان الذي لا يؤنث لا يعول عليه) أي حيث لاتكون للمرء مكانة ولا يعيش مقدرا فحري به أن يبحث عن مكان اخر، لقد عشت في بلدي وكل يوم أحلم بأن اكون مواطنا كغيري من الليبيين لدينا حقوق قبل الواجبات وأهمها حق المواطنة والعيش بكرامة، وأظن ان هذا المطلب بسيط وطبيعي، استطيع القول إن غالبية الشعب الليبي لامطمح لهم في السلطة، اهدافهم أن يعيشوا كمواطنين لا رعايا أو قطيع في حظيرة الحاكم ايا كان اسمه أو شعاراته، وأن يتمتع بالأمن والأمان وأن تصان حرمته ويتعلم اولاده وتتوفر لديه أبسط واجبات الدولة من بنية تحتية وعلاج حقيقي وأن ينال نصيبه من ثروة النفط لأنها ثروة كل الشعب وليس منة من الحاكم، أقول انه كل يوم كان الأمل أن تتغير الاحوال في المستقبل وكنت اكتب هذه الامال أدبا ومقالة والتي تتقاطع مع غيري من الليبيين، الا أن كل هذه الحقوق البسيطة تبخرت وصارت سرابا الا من قلة مستفيدة من كل عصر ونظام،واذا اضفنا الى كل هذا مسألة القمع وكتم الاصوات اما بالإهمال او السجن أو التغييب القسري أو الاغتيال المعنوي والجسدي، فان الخلاص الفردي يصبح هو الحل حيث لامناص من أن يتحول المرء الى فرد في القطيع أو ينفصل حيث يكون بمقدوره ان يعبر عن رأيه من خلال الكتابة، ولنلاحظ أن المثقف المستنير في العالم كله فرد سلاحه الفكر وأن هدفه أن يجعل هذا العالم أجمل وأن يقول كلمته ضد القبح والفساد والطغيان.

> توشك على الانتهاء من كتاب عن الحركة السياسية الليبية منذ الاستقلال، ما الذي دعاك لتوثيق هذه المرحلة؟

● هناك عدة أسباب اولها وأهمها عندي ان ليبيا مازالت أرضا بكرا أي لم يتم تأريخ وتوثيق كل ابعادها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية، وقد لمست هذا في قلة المراجع عن ليبيا خلال مرحلة دراستي الجامعية للعلوم السياسية، فقد نأى بعض الاساتذة بنفسه عن دراسة تاريخنا الوطني والسياسي مثلا، وكثير من المعلومات عن ليبيا نجدها في المصادر الغربية الايطالية والامريكية والانجليزية والتي لم يترجم أغلبها حتى الان .وقد ترك هذا اثرا سلبيا على طلبة الجامعة في جهلهم التام بتاريخ ليبيا السياسي الحديث والمعاصر ولا تستغربي أن معظمهم لايعرف عن بلده أكثر مما قدمه لهم المخرج مصطفى العقاد في فلم (عمر المختار).

الدافع الثاني يتلخص في تنقية ما يكتبه البحاث العرب عن ليبيا حيث وجدت الكثير من المعلومات المغلوطة حتى في الاحداث القريبة من وقتنا.. ايضا هي محاولة لاستكمال جهود بعض الاساتذة كعلي عبداللطيف احميدة ومالك أبو شهيوة على سبيل المثال والذين درسوا بشكل منهجي تاريخ ليبيا السياسي لتكون اعمالهم مادة جيدة لأي باحث.

> الحلم الذي ينأى، رفيقك في غربتك القسرية حيث تسيطر الذاكرة وتستعيد حواري وأزقة بنغازي وطرابلس، هل أنت راض عن هذه التجربة في الكتابة؟

● نعم أنا راض وذلك من خلال استقبال القاريء لها، ولأن هذه المجموعة التي صدرت بداية هذا العام عن دار نشر مصرية تأتي بعد مجموعة (المد) والتي صودرت عام 1979وضاعت مني الى الأبد وباءت محاولتي بالفشل لإعادة جمعها من خلال الصحف التي نشرت بها ولكن انت تعرفين وضع الأرشفة عندنا وفقدت كذلك عشرات القصص التي كتبتها في السجن ثم أصدرت مجموعتي (مرايا السراب). وسؤالك مهم لأنه يشير الى تأثير المكان في الذاكرة، حيث انني تنقلت بين اماكن مختلفة كبنغازي مهد الطفولة والشباب وطرابلس والقاهرة وتونس وفرنسا ولذا تركت جغرافية هذه المدن بصمتها من خلال الاحداث أو الشخصيات.

> عشر سنوات قضيتها في السجن السياسي، قاومت الموت بالكتابة، ما السر الذي قدمته لك الكتابة؟

● أنا ايضا اسأل نفسي عن هذا السر، وربما يكمن في ما قدمه “توينبي” من خلال نظرية التحدي والاستجابة.اكتشفت أن للإنسان قدرات كامنة لاتظهر الا وقت المحن، فكلما كان التحدي أقوى كانت المقاومة أكبر. السجن تجربة مؤلمة وقاسية حرمنا طيلة سنوات من العلاج والزيارة والكتاب والقلم والشمس والهواء النقي حتى الطعام شحيح،اضافة الى التعذيب والاهانات واهدار كرامة الانسان كل وقت وحين، ومع ذلك كان الحلم بأن اجمل الايام تلك التي لم نعشها أبدا، وكانت الكتابة احدى وسائل الحفاظ على الذات، ولك أن تتخيلي اننا كنا نكتب قصة او قصيدة في الرأس، أي بدون قلم وورقة، نكتب ونشطب وننقح ونحذف ونضيف ثم نلقيها على الاخرين من الذاكرة، اليست هذه احدى قوى الانسان الكامنة؟

> هل يمكن القول ان اتجاهاتك كانت سياسية منذ البداية ووجدت في الكتابة توثيقا لهذه الميول؟

● بداية لابد من تعريف (السياسة) هنا. ثمة فرق بين الاشتغال بالسياسة والآراء التي تهتم بالشأن السياسي . لقد عرف بعض العلماء الانسان بأنه كائن سياسي، أي يميل الى الاجتماع ومن هذا الاجتماع تنشأ المصالح المتضاربة لذا نشأت فكرة تنظيم هذه المصالح وتقنينها والتي وجدت في شكل الدولة، وهنا ايضا الاحظ خلطا كبيرا في الثقافة والادبيات العربية التي لاتفرق بين الدولة والنظام السياسي والسلطة والحكومة، وامتد هذا الخلط الى الانظمة السياسية نفسها التي لاتفرق بين من يشتغل بالعمل السياسي والمواطن البسيط الذي يعبر عن رأيه بداية من رغيف الخبز وانتهاء بمناقشة قضايا تهم المنطقة او العالم، وقد رأيت بنفسي افرادا بسطاء جدا اتوا بهم الى السجن السياسي وقدموا بتهم كبيرة وسجنوا لانهم قالوا رأيا في حفرة بالطريق او تساؤل حول الاموال التي تذهب خارج البلاد التي تعاني من ضعف البنية التحتية مثلا، وهذه هموم المواطن العربي بشكل عام ولاتعد عملا سياسيا بأي حال من الاحوال. الأنظمة الاستبدادية تضيق حتى لو بث مواطن شكواه، أي تضربك ولاتريد أن تسمعك تبكي.

في بداياتي كنت اطمح ان اكون كاتبا لأنني اريد أن اعبر عن رأيي ورؤيتي من خلال الادب والصحافة، واخترت أن ادخل كلية الاقتصاد لأتخصص بقسم العلوم السياسية وهو ما أفادني في القراءة الاكاديمية لعلم السياسة، ولم أشتغل بالسياسة لأنه لم تكن بليبيا حياة سياسية بالمعنى المتعارف عليه في العالم، الا أنه يمكن ان تنعكس رؤيتي كغيري من الكتاب الليبيين في الاعمال الادبية اي التعبير عن الرأي السياسي من خلال الادب وليس من خلال المنشور.

> جدل القيد والورد والعقلانية في الفكر العربي بمشاركة رفاقك في السجن، حدثني عن هذه التجارب وماذا تحوي؟

● بعد اصدار مجموعة من مجلة “نوافير” اقترح البعض اصدار كتاب” النوافير” بواقع كتاب كل شهر والفكرة أن نختار موضوعا ما وتتاح الفرصة لمن اراد الكتابة وطبعا كله من الذاكرة والقراءات المختزنة لأنه لاتوجد لدينا الكتب او المجلات، فتم اختيار عنوان الكتاب الاول بعنوان “جدل القيد والورد “وهو موضوع مخصص للشعر وتحديدا للشعر المنتمي الى الحياة والشعر المقاوم لكل أشكال القيود ومن هنا عنوان الكتاب وبعدها اخترنا موضوع دراسة وتتبع تاريخ الحركات العقلانية في الفكر العربي والاسلامي منذ ظهور المتكلمين والمعتزلة حتى حركة التنوير المعاصرة، واصدرنا كذلك كتابا عن فيلم (عودة مواطن) للمخرج محمد خان الذي يرصد التغيرات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والاخلاقية في مصر بعد ماسمي بسياسة الانفتاح وكان عنوان الكتاب (رغيف محمد خان وجاتوه القوة الميتة). والطريف إنني التقيت بالصدفة بمحمد خان في مهرجان القاهرة السينمائي الدول اواسط التسعينييات من القرن الماضي وبعد أن عرف انني كاتب ليبي قال لي: أتعرف إنه وصلتني مجموعة من المقالات حول فيلمي “عودة مواطن” كتبها مثقفون وأدباء ليبييون داخل السجن وصدقني إن قلت لك إن ماكتبه هؤلاء عن الفليم يفوق ماكتبه نقاد الفن في مصر، لقد كان نقدهم دقيقا ورؤيتهم عميقة وفهموا عدة اشارات لم ينتبه اليها أحد.طبعا كنت اسمعه وانا مبتهج وكان ردي: وهل تعلم إنني أحد هؤلاء السجناء ومن ضمن الذين كتبوا عن فليمك، وكانت المفاجأة سعيدة وغير متوقعة وصرنا اصدقاء من يومها حتى إنه دعاني للمشاركة في إحدى ندوات معرض الكتاب بالقاهرة وعرفني على صديقه المخرج خيري بشارة. وكنت سعيدا بتجربة مجلة” النوافير” والكتب التي اخرجناها وعرفت ان الكلمة لا تموت والأفكار تتجاوز الزمن وتتخطى القيود والحدود.

> مارست العمل الصحفي، كيف وجدت هذه التجربة؟

● بدأت مع الصحف الحائطية بالمرحلة الاعدادية والثانوية ثم رأست تحرير مجلة (الهدف) التي كانت تصدر بمدرسة صلاح الدين الثانوية ثم مشرفا على الصفحة الثقافية لصحيفة نادي الهلال ببنغازي ثم مدير التحرير لمجلة فضاءات وصحيفة البلاد التي صدرت عام 2011.

هذا من الناحية الادارية اما من حيث النشر فقد بدأت بمجلة جيل ورسالة الكشفية وبعدها في صحف ومجلات كالكفاح والفجر الجديد والاسبوع الثقافي والفصول الاربعة والشمس، وفي السجن أصدرت مجلة ( النوافير) وهي حسب علمي أول مجلة ثقافية تصدر في السجون الليبية. ولهذه المجلة حكاية لابأس من سردها، كنا وقتها محرومين من كل شيء تقريبا لاكتب ولاصحف ولا اقلام أو علاج صحي وشبه انقطاع عن العالم الخارجي الا من زيارات الأهل بواقع ربع ساعة كل ثلاثة أشهر اي ساعة واحدة في العام، استطعت أن اهرب راديو صغيرا بحجم الكف به موجتان المتوسطة والاف أم، فكنت استمع للراديو خفية عن الحرس وعرفت توقيت أغلب البرامج الثقافية التي تبث من القاهرة وتونس ودمشق والكويت الخ لذا فكرت أن اشرك رفاق السجن – وكان عددنا حوالي المائة في عنبر واحد –بما كنت استمع إليه وكذلك لتنشيط اذهاننا التي شرعت بالكسل وبالذات لدى الكتاب والادباء المسجونين او لدى البعض الذي يهتم بالشان الثقافي، لذا أخذت من خلال قلم رصاص أدون على ورق علب السجائر الاخبار والانشطة التي تذيعها هذه البرامج من اقامة ندوات او امسيات او اصدارات أدبية وثقافية وحتى بعض الحوارات مع الكتاب العرب الخ وبوبت كل هذا تحت عنوان أخبار ثقافية ثم كنت اطلب من احدهم قصة او قصيدة كتبها بالسجن واعطيها الى زميلين او ثلاثة كي يكتبوا عنها رأيهم وتجمعت لدي عدة نصوص مع هذه القراءات وهكذا تجمعت لدي مادة كافية لاصدار العدد الأول من المجلة التي كنت أزمع تسميتها (نوافذ) ولكن عدلت عن هذا الاسم ومن ثم فكرت في ان هذا السجن اسمه” الحصان الاسود” أو “بورتا بينيتو” لأنه بني في عهد “موسيليني” وكانت هناك ساحة بالمدخل يتوسطها تمثال لحصان أبيض في عهد الاستعمار تحول الى اللون الاسود في ظل النظام السابق وسمي بسجن الحصان الاسود وكانت توجد كذلك نافورة لكنها لاتضخ الماء أي مجرد بناء اسمنتي،ولذا فكرت ان تكون المجلة بعنوان (النوافير) ردا على هذا وكذلك لتشبيه سجناء الرأي العام بانهم أصل الحياة وسط هذا السكون القاتل والرتابة المميتة، كتبت افتتاحية العدد الاول أو العدد صفر كماهو متعارف عليه في عالم الصحافة متضمنا الاخبار الثقافية في الوطن العربي وكذلك النصوص والقراءات على الورق المنزوع من علب السجائر وغلفتها بورق من علب الحليب وعملت على خياطتها بما توفر من خيوط منتزعة من الملابس المهترئة ووزعتها بالتناوب على الجميع مدنيين وعسكريين وسجناء الثورة الثقافية 73 وحزب التحرير الاسلامي والذين شاركوا بانتفاضة الطلبة ومجموعة الابشات والافراد المستقلين الخ وكانت المفاجأة ان الجميع ابتهج بهذه المجلة وتم تداولها سرا بيننا ومن ثم توالى اصدار اعداد أخرى شارك بها الجميع تقريبا، كتابة وقراءة، ونشطت الحركة الثقافية لدى البعض وشرع البعض الاخر بالكتابة بعد توقف وكأن هذا العمل كان احد وسائل مقاومة السجن الذي هو بمثابة أداة تأديبية لكل من يفكر او لديه رأي مختلف او من يرفض ان يكون احد افراد القطيع.

> برامج الاذاعة ما الذي استهواك بها؟

● العمل بالإذاعة بدأ بعرض من أستاذي/ حسين مخلوف لمشاركته كتابة برنامج (الباب المفتوح) وهو برنامج يومي مدته 10 دقائق. شرعت بعدة حلقات في الشهر ومن ثم أسند الي البرنامج كاملا ليتفرغ الاستاذ/ حسين لإدارة الاذاعة الاجنبية، وأذكر أنني قدمت من خلال هذا البرنامج بعض الاسماء كسالم الهنداوي وسالم العبار وادريس المسماري وعائشة المغربي وعبدالله زاقوب وصالح مصباح عباس وسالم الفاخري واخرين.

كنت أنشر بالصحف والمجلات لكن استهوتني كتابة البرامج الاذاعية لذا اعددت عدة برامج اذكر منها محراب الفكر/ كاتب وقصة/ مرفأ الليل، واكتشفت ان الكتابة الاذاعية لها مواصفاتها الخاصة وجمالها المميزوصعوبتها أيضا، فالقاريء للصحيفة فئة تتقن القراءة والكتابة في حين الاذاعة جمهورها أوسع وأكثر تنوعا وتصل بشكل أسرع حيث يتواجد الراديو في كل مكان: المحلات وسيارات الاجرة،في البيوت والمطابخ ويستمع اليها الأمي والانسان العادي والمثقف، وتتميز الاذاعة بسرعة الاستجابة من المتلقي وهذا يتضح من خلال الرسائل التي كانت ترد الي من خلال هذه البرامج من داخل ليبيا وخارجها التي يصلها البث الاذاعي، وتعلمت كذلك متعة المشاركة في اخراج البرامج بالتعاون مع فني التسجيل وذلك من خلال اختيار الموسيقى والفواصل الخ، وتعاون معي مجموعة من المذيعين اذكر منهم: المهدي الجلي، عبدالله وعزيزة عبدالمحسن، معيتيقة ماضي، احمد أنور، كريمان جبر، حميدة الرعيض.

الكتابة للإذاعة أصعب من الصحافة حيث يعتمد المستمع على أذنيه فقط ولايمكن اعادة الاستماع الى فقرة ما كما الصحيفة لذا لابد أن تكون الجمل قصيرة وبدون استدراكات أو جمل اعتراضية لتصل بسهولة ولكن كما ذكرت فان الكثير من المستمعين كانوا يرسلون الى الرسائل أو من خلال المقابلات الشخصية ويناقشون معي المادة الاذاعية عكس الصحافة مع العلم ان دقيقة البث الاذاعي تستهلك مادة كتابية ليست قليلة.

> لماذا القصة القصيرة تحديدا، ماذا وجدت بها؟

● هناك نزوع انساني وربما فطري لان يستمع الانسان الى الحكاية، ولازال هذا ساريا حتى الان، فالمسرحية والسينما تقوم أساسا على قصة أو (حدوتة) أعني رغم تطور التقنية وتنوع مصادر التلقي الا أن العنصر الاساسي هو مادة (الحكي)، اما لماذا القصة فأشير الى أنها تتوافق مع روح العصر حيث يمكن أن يقول الكاتب رأيه بأقل عدد ممكن من الصفحات، وحتى الرواية تبدأ بقصة تتحول على يد الكاتب الماهر الى عمل طويل متشابك الاحداث والشخصيات.

والقصة القصيرة ليست كما يظن البعض انها عمل سهل بل تتطلب مجهودا ودراية واسلوبا كي تشد القاريء، وقد أشار الى صعوبتها الكثير من الكتاب العالميين كماركيز وايزابيل الليندي .وأود أن اضيف الى ما قاله بعض النقاد من أن نجيب محفوظ بارع في الرواية رغم تواضعه في القصة القصيرة مقارنة بيوسف ادريس الذي أجاد كتابة القصة أكثر من الاعمال الروائية.

> من أين تلتقط قصصك؟

● بداية أشير الى انني تأثرت كثيرا بحكايات الجدات وكذلك والدي الذي كان يمتلك موهبة سرد الخراريف وبعد أن بدأت افك الخط شرعت بالقراءة النهمة لمجلات الاطفال وقتها كسمير وميكي والسندباد وقصص كامل الكيلاني وكنت اهوى مشاهدة افلام السينما في مرحلة الاعدادي وهي كانت التسلية الوحيدة وقتها وكانت هناك تسهيلات اي كنا ندفع نصف ثمن التذكرة لاننا كنا نحمل بطاقة طالب، هذه هي مصادري الاولى ومن بعد شرعت اقرأ القصص والروايات الليبية والعربية والمترجمة وكذلك ما اسمعه من احداث ووقائع في مدينتي بنغازي من الاقارب والجيران والاصدقاء الخ، واود القول هنا انه ليس كل حدث يمكن ان يكون مادة لقصة وليس كل شخصية واقعية تصلح لأن تكون شخصية قصصية اضافة الى إنني أميل إلى التخييل اي بناء قصة تستند الى الواقع لكن لابد من اضافة جزء من الكاتب ومشاعره ورؤيته وحصيلة تجاربه الحياتية لبناء قصة أو حكاية تبدو في ظاهرها كواقعة حدثت بالفعل رغم انها من بناء الخيال.

> لماذا لم تعد حركة النقد تواكب ما ينشر؟ وهل حركة النقد منصفة لما تتناوله أم الأمر له حسابات أخرى؟

● متى كانت (الحركة النقدية) في ليبيا تواكب ما ينشر؟ للأسف لاتوجد لدينا حركة نقدية جادة ومستمرة الا من بعض الأقلام التي تواكب بعض الاصدارات، ونتيجة لغياب الناقد المتخصص فقد لجأ المبدعون أنفسهم الى ممارسة الكتابة النقدية، ليبيا تخلو من حركة نقدية كما نجدها في مصر أو العراق أو الخليج أو دول المغرب العربي، ولذا قلت وكتبت أن الحركة الابداعية الليبية نشطة وغزيرة لكن لاتجد من يقرأها نقديا.

أستطاع الأدب الليبي أن يأخذ مكانته في الساحة العربية بل ونال الكثير منها التقدير سواء من خلال ترشحه للجوائز الدولية أو من خلال الفوز بالمراتب الاولى ولكن لم تواكب هذه الانجازات كتابات نقدية ليبية وذلك مقارنة بالاعمال العربية التي نجد مواكبة ومتابعة حتى لو كان المنشور هو العمل الاول لصاحبه، حيث نجد المقالات والندوات والمقابلات الاذاعية في حين ينال الكاتب الليبي التقدير من خارج بلاده.

> شاركت في العديد من الأمسيات القصصية، مالذي تقدمه هذه الأمسيات؟

● بالفعل شاركت في أمسيات قصصية وندوات في ليبيا و أغلب الدول العربية ويمكن القول إن هذه التجربة تقدم تعريفا بالأدب الليبي لدى المتلقي العربي حيث أن الكثير يظن ان الادب الليبي مقصور على اربعة أو خمسة أسماء فقط كالتليسي والكوني واحمد ابراهيم الفقيه والمصراتي والنيهوم، لأن القاريء العربي وحتى أغلب المثقفين يجهلون خارطة الأدب الليبي تماما، لذا فان هذا الامسيات للأدباء الليبيين في الخارج وسيلة جيدة للتعريف بالوجه الثقافي الليبي وأذكر هنا انني دعيت لقراءة بعض قصصي من قبل اتحاد كتاب تونس عام 2014 وفي ختامها جرت مناقشات عميقة ورغبة جادة من الحضور لمعرفة الادب الليبي قصة ورواية وشعرا، قدمت من خلالها نبذة عن معظم الاصوات الجديدة لأبين لهم ان الابداع لم يتوقف عند الاسماء الخمسة التي يعرفونها.

> تتابع عن كثب أصوات أدبية في القصة والرواية والشعر، مالذي يلفت نظرك؟

● لنحصر الحديث عن الأدب الليبي، مايلفت نظري هو الطفرة في القصة والرواية الليبية، فمن حيث الكم صدرت اعمال كثيرة خلال السنوات الماضية رغم مامرت به ليبيا من احداث طيلة العقد الماضي، ربما لاتساع هامش التعبير وربما أيضا أن الناشر العربي اكتشف منجما من الابداع الليبي والأهم ان الكثير من القراء العرب لديهم تشوق لمعرفة ليبيا التي كانت مجهولة نوعا ما.

فليبيا لاهي محسوبة على المشرق ولا المغرب العربي، اضافة الى تنوع مكوناتها الاجتماعية من عرب وامازيغ وطوارق وتبو وهي من ناحية مساحة شاسعة تطل على أوروبا شمالا وافريقيا جنوبا، تجمع بين الحضر والبداوة، انها قارة مجهولة لدى البعض. اما من حيث الكيف فقد صدرت الكثير من الاعمال الجيدة فنيا والتي استطاعت تجاوز كتابات جيل الرواد واستفادت من تقنيات الكتابة الحديثة، ايضا هناك تطور ملحوظ للكتابة النسوية (رغم تحفظي على هذا المصطلح) ولكن أعني به تلك الاعمال التي تكتبها المرأة الليبية مقارنة بما كتب في العقود الماضية.

اما على صعيد الشعر فهناك أزمة عالمية، فقد أسر الي أكثر من ناشر عربي أنه لم يعد هناك اقبال على اقتناء كتب الشعر، وفي فرنسا فوجئت ان عدد النسخ التي تطبع من أي ديوان شعري لاتتجاوز 300نسخة ولايباع منها الا القليل.

لقد تكاثر (الشعراء والشاعرات) العرب بحيث فاق عددهم الاطباء والمهندسين ولم يعد الشعر (ديوان العرب) وقد كتبت منذ سنوات أكثر من مقال عن هذه الظاهرة وأشرت الى أن العديد من الشعراء العرب اتجهوا الى كتابة الرواية والقصة.

متى تصبح المرايا سرابا؟

● عندما تطوى الحقيقة وينعدم العقل وتسود الخرافة ويستشري الفساد وتهدر كرامة الانسان ويصبح المرء غريبا في وطنه ويعتلي الجهلاء المناصب وتصبح السجون أكثر من الحدائق، عندها لاتعكس المراَة الا الوهم.. ختاما أود أن أضيف انني في كل ماكتبت كنت أصدر عن قناعاتتي ولم أنخرط في حزب ما أو انتمي الى طائفة او طيف سياسي.. شكرا لك، وأسعدني ان نتحاور في ما يهم الثقافة والأدب في ليبيا املا أن ينال الكتاب الليبييون مكانتهم العربية والعالمية.


السقيفة الليبية، الأحد 12 أبريل 2020.

مقالات ذات علاقة

الشاعر والروائي عبد الحفيظ العابد : العمل الإبداعي لا يقدم خطابا أخلاقيا

مهند سليمان

التشكيلي الليبي عمران بشنة: الفنان العربي لايزال يرفض النقد الحقيقي

المشرف العام

مع (كتابات).. “فريال الدالي”: قصيدة النثر أميل للبساطة في التعبير عن اليومي والمعاش

المشرف العام

اترك تعليق