من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي
قصة

تفــــاح بلـــون الـذهـــب

من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي
من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي

 

في انتعاش هذا الصباح .. قطفت عناقيد أمنيات تتدلى فوق خاصرة المدينة ..وتقاسمتها مع طقس كان يمر ويحمل إلي كلاماً موشى بالألفة وله حضور يطغي على هياج الشوارع  .

وإذ تطل الوجوه من الشرفات .. والشمس الطالعة من سماء ناعمة تفرش ضوءها على الشوارع .. فأشعر أنني صباح منتعش .. أتوحد مع النهار .. فتنظر المدينة إلى أناقتي وتنبهر العيون من وسامتي وأنا أرى إلى فتاتي الأنيقة تحتسي القهوة وتغري الفنجان بمذاق الحلاوة في الشفتين وتكوي جسدي بلمعان نظراتها كلما تحدثت مع الأخريات .. قالت أنت مخادع كبير وبكت .. وجففت دموعها بالمنديل الأبيض الذي أخرجته من كيس مناديل الورق المختبيء في حقيبة يدها .. أقسمت أمام دموعها بأنني لست مخادعاً .. وهدأت خوفها .. نظرت إلي وأثر الدموع في احمرار عينيها وبدت أكثر جاذبية  .

آه يا فتاتي .. أنت مثل تفاحة ذهبية تحرسها الهسبيريدات  .. ¹أخبريني يا ابنة يوهسبيريدس²

.. كيف يتحول الذهب إلى تفاح  .. وكيف يخرج التفاح من الذهب ؟  .

أحب التفاح والذهب .. أحب لمعان الذهب .. ورائحة التفاح ولونه .. أحبك .. وأحب هواء يوهسبيريس  .. أستنشقه .. وأزفره فأنتعش بالهواء البليل  .

أحب بياض الملح .. أحب يوهسبيريدس .. وأحبك يا فتاتي .. يوهسبيريدس تنام في حواسي الخمس .. فأين أضعك أنت .. سأحملك إلى بياض الملح .. ليصبح جسدك البض لاذعاً .

قالت  :  يا أبن مدينة الملح .. أمهرني تفاحات ذهبية لأمنحك أنوثة هذا الجسد وقلبا لا تفتر عواطفه ..تسللت على أطراف أصابعي ودخلت بستان³ الهسبيريدس أغويت الهسبيريدات الثلاث .. الواحدة تلو الأخرى .. وسرقت من البستان تفاحات ذهبية وعدت إلى أهلي  .

قلت لوالدتي  ..  هذا مهر خطيبتي  .

واستغربت وسألتني  :  من أين جئت بالتفاحات الذهبية  ؟

رويت لها الحكاية .. لم تصدقني وقالت  :

– قد يكون كلامك صادقاً وأغويت الحارسات الثلاث .. لكن ثمة ثعبان هو الآخر يحرس شجرة التفاح الذهبية  .

قلت لها  :  أنا لم أر الثعبان يا أمي  .

قالت بعد أن عرفت صدق كلامي  :

–  أنت ابن بار ولو كنت غير راضية عنك لوقعت فريسة للثعبان .

أجتمع أهلي وأهل خطيبتي .. عقدوا القران .. قرأوا فاتحة الكتاب .. رفع المأذون يديه إلى السماء يدعو .. وأمن الحاضرون .. صارت الفتاة حلالي وقالت  :

–  الحياة حلوة وجميلة في عش آمن يجمعنا  .

ثــم قالت حماتي الطيبة القلب  :

–  أنت ابن حلال وابن ناس طيبين .. ابحث عن شقة تسكن فيها ابنتي .. الشقة هي الأهم .. البلد مليئة بالعمارات والمساكن .. وكلنا ندعو لك بالتوفيق .. أنت طيب وابن أصل وما عندنا فيك ما نقولوا  ..  أبي الذي يدخن بشراهة ويقضي جل وقته في سماع نشرات الأخبار

قلت له :  أنا في ورطة أريد شقة أسكن فيها بعد أتمام الزواج  .

قال وهو يستمع إلى أخبار التفجيرات في بغداد  :

(دبر رأسك أنت اليوم راجل ما نكش صغير .. وأنا ما عندي ما نديرلك )..

عادت إلى ذهني فكرة سرقة التفاحات الذهبية ..

آه يا فتاتي .. جمالك مثل تفاحة ناضجة .. يبهرني اللمعان في احمرارها .. وتستهويني رائحتها .. تتخلل شهيقي .. تسري في جوفي .. وترتقي إلى سقف راسي  .. فتمنحني انتشاءً لا حدود له  .

في المرة الأولى سرقت التفاحات الذهبية  .. وقدمتها مهراً لخطيبتي .. بعد أن نجوت من الثعبان الذي يحرسها  .. والمثل يقول  ( مش في كل مرة تسلم الجرة ) .. ليس أمامي حل آخر .. تسللت إلى البستان .. والقمر يختبيء خلف حجاب الظلمة .. لم ينكشف أمري .. التقطت من الشجرة تفاحات ذهبية .. وضعتها في الكيس الذي كان معي .. ثم قلت لنفسي هذه لا تكفي .. سأقطف المزيد من التفاحات .. رحت أقطف وأقطف .. وأضع في الكيس .. كنت لصاً حقيقياً .. يتسلل في الظلمة ويحمل كيساً فيه المسروقات .. سمعت صوت خشخشة في الظلمة .. التفت إلى مصدر الصوت .. كان الثعبان قد اقترب مني .. وغرز نابه المسموم في ذراعي  .

___________________________________________

الهـامـش

( 1 )   هن مجموعة من الحسان يحرسن شجرة التفاح الذهبي التي غرستها الآلهة هيرا في بستان الهسبيريدس كما ورد في الميثولوجيا اليونانية        .

( 2 )   اسم مدينة  بنغازي في العهد اليوناني

( 3 )   البستان الأسطوري الوارد ذكره في الميثولوجيا اليونانية  .

مقالات ذات علاقة

كبوس جحا

سالم أبوظهير

الساعة الحائطية

إبراهيم دنقو

غيهب

هدى الغول

اترك تعليق