القاص خليفة الفاخرى هو جوهرة مضيئة في تاريخ الكتابة السردية في ليبيا فمع القاص خليفة الفاخرى، قفزت القصة القصيرة قفزة نوعية حديثة، تقوم على التكثيف والاختزال وروح السخرية وإضافة لذلك فلقد كان القاص خليفة الفاخرى كبيرا بأحلامه الشاسعة بالعدالة والحق والخير،وكان ثائرا رومانسيا هادئا يستكشف الواقع من حوله ويكتب عنه قصصه الهادئة الأقرب إلى الومضات البارقة وفى لغة مقتصدة ومكثفة يشحن قصصه القصيرة برؤيته الفكرية للحياة والناس فجودة كتابته تكمن في أسلوب رؤيته للموروث الذي يعتمل بداخل ناس مجتمعه التى يقرأها بعمق ثم يعيد صياغتها برؤية نقدية قصصية.
في القصص التي كتبها القاص خليفة الفاخرى في ستينيات القرن العشرين نتشمم عطر الماضى لمدينة بنغازى حيث شوارع المدينة القديمة ونسائم الصيف بالبيوت التى بنيت خلال العهد العثمانى والأيطالى و روائح حكايات ناسها البسطاء “سي عمر” و”السائق خالد والحارس الليلي والسكير ووجوه أهلها البسطاء العاديين الذين يبحثون عن نقطة ضوء في أرضهم.
ثمة رومانسية وغنائية في قصص الفاخرى ،فالراوي في جميع القصص هو نفس الشخصية المتمردة على مجتمعها، ولكنه ليس التمرد المبنى على الرفض المطلق للإرث الفكري والحضاري وإنما الرفض والتمرد على القيم المتخلفة من أجل التغيير المبنى على العلم والعقل والتنوير الفكرى .
في قصته “الوجه الأخر للقمر”يتحدث الراوي عن الفتاة التي أحبها في رسالة طويلة يصفها بالجمال والدفء ولكن لا وجود لأمرأة حقيقية في هذه القصة أو غيرها من قصص خليفة الفاخرى ،المرأة موجودة فقط في أحلامه وأفكاره أو فى وجه فتاة مارة بالشارع ،لكل ذلك تخلو قصص خليفة الفاخرى من ملامسة عالم المرأة لطبيعة المناخ الأجتماعى والديني والفكري الذي كان منغلقا نوعا ما
في إحدى قصصه المعنونة ب فتاة جميلة “يتخلى القاص عن صوت الراوي الرجولي ليكتب قصة بصوت فتاة من بنغازي تتحدث فيها عن مدينتها وعن نفسها بصورة نرجسية فائقة وبأسلوب تقريري يظهر عدم أهتمام الكاتب بالمرأة الليبية في ذلك الوقت لذلك يتجه بطل قصص خليفة الفاخرى بفكره وذهنه إلى وجوه النساء الأوربيات بجمالهن وحريتهن والى مدن الغرب الأوروبية بجمالها وحيويتها إلا أن هناك دائما شيء في داخله يشتاق للوطن بشوارعه المهترئة وحكايا البشر البسطاء الذين يبدو كأبطال الملاحم الإغريقية ببؤسهم وعراكهم الدائم مع أقدارهم .
الفاخرى في قصصه كان محملا بهواجس المنبوذين والمهمشين فيرسمهم فى قصصه القصيرة جدا في مجموعته القصصية “موسم الحكايات ” بطريقة مكثفة ومختزلة و بروح شعرية هائلة وفى قصتة “العذاب “يمزج الحقيقة بالخيال فى رؤية فانتازية ، ليعبرمن خلالهاعن حالة الانسحاق التي غاص فيها “سى عمر”عند رؤيته لمتناقضات الموروث الاجتماعي المنافق ، وهكذا هى قصص الفاخرى فى مجموعاته القصصية ..تلامس الوجع وتكتبه بقلم رؤيوى سابق لعصره، وبصدق جميل ،وكما يقول أد وارد غاليانو :”في لغة الهنود الحمر الكلمة تعنى الروح وكل من يكذب أو يبدد الكلمات يخون الروح”، و الفاخرى كان صادقا حتى منابت العظم كما عرفنا من خلال قراءة سيرة حياته ،ومن مجموعاته القصصية ومقالاته فلقد كان متطابق فى كتابته مع حياته فى صدق نادر، وعاش مبتعدا ومنعزلا عن ضجيج وتزلف الوسط الثقافى طيلة عقود حكم القذافى ، مشتغلا في محرابه بالكتابة والأبداع القصصى وترك خلفه نتاج قصصى معبر عن مجتمعه ومشاكله وقضاياه و بيئته إلى أن توفاه الله في يونيو 6 يونيو 2001 ولكن القاص خليفة الفاخرى لم يمت ولكنه فقط ينام هادئا تحت تربة مدينته التى أحبها وسقاها من روحه وفكره إلى أخر يوم في عمره