بشير زعبية كاتب صحفي ورئيس تحرير صحيفة الوسط الإخبارية
قراءات

قراءة تحليلية لمجموعة بشير زغبية القصصية “كان هذا هو الموجز”

بشير زعبية كاتب صحفي ورئيس تحرير صحيفة الوسط الإخبارية
بشير زعبية كاتب صحفي ورئيس تحرير صحيفة الوسط الإخبارية

قصص لا تنتهج البراءة، فهي ملغّمة عند تفكيكها

الأقلام التي احترمت نفسها لم تسقط في حاضنة السّلطة

يبتعد القاص الليبي بشير زعبية عن القوالب التقليدية في السّرد، ويختطّ لقصصه قوالبها الخاصّ من حيث أبواب الدّخول إليها، وتنوّعها، بما يحقّق له خصوصيّة غير مسبوقة عند غيره، من حيث مواضيعها التي تعايش محطّات متنوّعة، وهي تنتج من الهموم المحليّة، بالإضافة إلى المحيط الإنساني الأوسع، وأغلبها لا تتماس مع دوائر الفرح المفرط، وغالبا ما ينحو نحو التّكيف الذي يحقّق جماليّة الرّاحة في المتابعة بالنّسبة للمتلقّي، الذي تصدّه الإنشاء الكلاسيكيّة، بما يعتريها من ترهّل. وهذا يحسب له في محيطه العربي، ويحقّق له بصمته، وعند متابعة ما نشره من قصص في هذه المجموعة، والتي سبقتها مجموعة (العابر)، يجد المتابع نفسه أمام قاموس متّسم بلوحات لها جماليّة زوايا الصّور التي تعب عليها صاحبها، فهي قصص لا تستورد أبطالها من الخارج، أيّ لا تراهن على وحي الخيال، ولكنّها تنقل معايشة الكاتب وتجاربه، أو هذا ما يصل للقارئ، كما لا تتغطّى بالبراءة، فهي ملغومة عند تفكيكها بما يجيش في داخله من رفض للمسكوت عنه، والذي يقلق كاتبه، رغم القدرة على تصنّع القبول الذي ترفضه نفس القاص في لحظة الاقتراب من الورقة والقلم، وقرار الصّدق مع ما يعانيه المواطن. وبخصوص لوحاته التي يرصدها، فهي تتّسم بالتّدقيق في التّفاصيل التي تؤثّثها، ولا يملك تغييب ما يعتري مشاعره من شحنة غضبيّة لواقع وأقدار أبطاله، أمام قساوة وسوداويّة المعاش. والقاص بشير زعبيه لا يسلّم مفاتيح نصوصه القصصيّة إلا في لحظة الوصول إلى مبتغى الكاتب المتمرّس، والتي تأتي مع النّهاية الصّادمة (قصّة الهاتف).

والملاحظ غياب تحديد تاريخ ميلادها، وقد اختار لبطلها اسم (العم صابر)، وتابع رصد سلوكه اليومي وحركته بدقّة متناهية، ليجسّد فيها ما يعانيه المواطن “الكافي خيره وشرّه)، والمنضبط في قوقعة وحدته، ومع ذلك لا يسلم من سوء الحظ الذي يلقي به في حياض اللعنة البوليسية لمجرّد إدارته رقم ما، ويتم تغييب المسكين في دهاليز العوالم التي لا تعرف الرحمة، أو افتراض حسن النيّة، ليطل العم صابر بعد أيّام عبر جهاز التلفزيون (الإذاعة المرئيّة) كما جاء في نص الكاتب، وهي تسمية خاصة بمنطقة جغرافيّة لا تتوقّف على ترشيد كل أخطاء الدنيا، وكان عليه أن يجيب في وضع المعترف عن سؤال لمحقّق خفيّ: كيف تحصّل على الرقم الخاص بالسّيّد الرّئيس؟

وبخصوص حضور القاص في النص، فهو من حرفيّة بشير زعبيه، وطريقة كتابته، فمع بداية القصّة ينبّه المتلقّي بأنه (ما يعتبر نفسه مسؤولا عنه في سلوك العم صابر، هو رسم الظواهر العامة لحالته…)، ويضيف ( الاسم لا يحمل دلالة النداء فقط، لكنّه يتجاوزها ليدلّل على حالة شاملة)، وينبّه القاص إلى أنه تعمّد في مشروع قصّته التي يتحمّل مسؤوليّة العم صابر فيها، أن يتجاهل جهاز الهاتف المركون في إحدى زوايا الحانة، فهو يقدّم لنا شخصيّة بطله أبعد ما يمكن عن نموذج له علاقات هاتفية، ويضيف بل إن شخصيّته لا تمكّنه من معرفة أيّ اتّجاه يدار نحوه قرص الهاتف، وهكذا يذهل المتلقّي من الطّريقة والخصوصيّة التين يقدّم فيهما القاص نفسه مع عوالم أبطاله، وهي حقيقة يندر أن يجدها المتابع الدقيق عند غيره، وهذا نوع من اللعب وتقديم الجديد في تعامل الكاتب مع نصه الابداعي والمحافظة على عدم تجاوز خطوط جدار الآخر، وهو ما يعطي لقصصه ما يميزها ويجعلها عالقة في الذهن على مستوى الفكرة المطروقة وايضاً تكنيك الكتابة , ويعيش المتلقي داخل النص مع ابطاله البسطاء الذين يحتلوا مكانهم في الذاكرة , ابطال احياء يفصلهم برزخ عن الحياة المرفهة, وغالبا ما يقربهم سوء الطالع من عوالم القمع ولعنة التماس العفوي مع حياض الالهة البشرية فيصلون الجحيم حيث لا غالب في الزمن المسخ الا رموزه ولا مغلوب الا السواد. وكمتلقي لا استغرب عندما تشدني قصة الاديب بشير زعبية لقراءتها اكثر من مرة لتحقيق المزيد من سبر اغوار جمالية الشكل وعمق المضمون.

وفي قصة «الطابور» نبوءة لما عاشه ويعايشه المواطن في لعنة الطوابير التي غيبت كرامته وامتهنت حقوقه كإنسان يجب ان لا يصل الاعتداء الى حياض مسخه فهو يواجه غرور وشتائم ارذال القوم الهة الشبابيك التي تقف جداراً صلدًا امام الحفاظ على ما تبقى له من كرامة، ويصدمنا القاص بغطرسة موظف الشباك، وجمله البعيدة عن الذائقة السوية والتي يطلقها بأنكر الاصوات على عواهنها امام الجمهور المغلوب على امره وكأن التاريخ يعيد نفسه على فترات. اما القصة المختارة كعنوان للمجموعة «كان هذا هو الموجز» يتماس فيها واقع بطله و من على شاكلته في ادمان معايشة ما يأتي به المذياع من اخبار وكأنهما رأسان تسجنهما قبعة واحدة ، وخاصة في فترة تقديم نشرة الاخبار قبل غزو الاذاعة المرئية الاسم المتحدث في زمن تعليم ما يحقق مستقبل الجماهير ، ويتمثل شخوص الصراع في الزوج والزوجة والطفل، الاول الذي يفرض جناح الصمت في اللحظات الشبه مقدسة خوفاً من ان تتجاوزه بعض الاخبار، والزوجة التي تعيش بين المطرقة والسندان مما يطور الامر الى مركز الشرطة، ويتلاعب القاص بنصه الساخر الذي قد تصل حدوده الى مضان ان تستغله الاذاعات.


https://tieob.com/?p=81810

مقالات ذات علاقة

ليس دفاعا عن خبز الخال ميلاد. ولكن!

البانوسي بن عثمان

5 روايات ليبية تُنسيك هموم السفر

نهلة العربي

دراسة أكاديمية في القصة الليبية القصيرة

إبراهيم حميدان

اترك تعليق