طيوب البراح

غـيـبوبـة

الخزامى

ضوء خافت  وصورة ضبابية لمصباح معلق فوق رأسه بداءت تتضح شيئا فشيئا.

جلبة وصوت صفير عالي يصم أذنيه.

 صوت ضربات قلبه وأنفاسه يسمعها بوضوح.

وخز أبر في اصابع يديه وقدميه حاول أن يتحرك أن يمد يده ليزيل ذلك الأنبوب المزعج في أنفه, أراد أن يحك وجهه ولكن أياد قوية منعته وبقوة.

بداء يميز ارديتهم البيضاء وأدواتهم . يلمسونه بأيديهم الناعمة المغطاة بقفازات بيضاء يرفعون يدا ويضعون أخرى, يكشفون عن صدره يضعون مجسات وينزعون أخرى.

 أشياء معدنية باردة يحس بها تلامس جسده.

صوت أنفاسه بداء يخفت وما عاد يسمع صوت نبضات قلبه وكأنه توقف.

جاهد ليلتفت, هذه المرة لم يمنعه أحد أستطاع أن يميز جسدها النحيل ملقيا على كرسي في طرف الغرفة. حاول أن يتعرف علي ذلك الوجه الذي طالما حلم به كان شوقه اليه كبيرا.  ذلك الوجه الذي زرع في نفسه زغاريد الفرح والأمل وأزهار ربيع الحب الحمراء.

بدا وجهها غريبا و متغيرا عن صباح اليوم حين ودعها بقبلة حانية علي خدها الناعم وهي ترقد في سريره قبل ان يغادر الى عمله الذي يقضي فيه ساعات طويلة  بعيدا عنها ولكن ذلك الوجه لا يغادر مخيلته أبدا.

لم يفهم شيئا, ربما هي ليست هي فكيف يمكن لأنسان أن يشيخ خلال ساعات.

 بدت وهي تنظر اليه بتلك العينان السوداوان وكأنها تريد أن تصرخ من خلال دموعها أنها تحبه.

صارت نظرتها فجاءة تقتله بعد أن كانت مصدرا لأكسير حياته.

 لم يعد يفهم شيئا.

فجاءة أحس بيدين تضغطان علي يده من الطرف الأخر لسريره وتبللانها بالدموع وشفتين تغدقان عليها بقبل دافئة يعرفها. التفت بعد أن صارع ذلك الألم القاسي الذي أصبح يحسه أشد قوة.

حاولت بعض الممرضات منعه  ووجهت مصباحا الي عينيه النصف مفتوحة. التفت أخيرا كانت هناك صاعقة أخرى بأنتضاره كانت سيدة عجوز أخرى أكبر سنا تجلس بجانب سريره وتتشبث بيده بقوة كغريق يمسك يد منقضه. هي تشبه أمه هل هي أمه؟ يا الله انها عجوز طاعنة,  شعر أبيض, وجه حفر فيه الزمن ماقدر عليه من أخاديد وتجاعيد, عينان مغرورقتان بالدمع ذهب الحزن بضوءهما, فم  غادرته الأسنان فصار ككهف مهجور,هيكل بال هده الزمن.

كانتا كل حياته, أسرته التي لا يعرف غيرها كل ما يملك في هذه الدنيا. أقتسمتا قلبه كما اقتسمتا أفراحه وأحزانه نجاحاته وفشله .

 أدرك أخيرا وبعد برهة و بعد أن مر شريط ذلك الحادث أمام عينيه صباح ذلك اليوم بالنسبة له و الذي كان قيل عشر سنوات بالنسبة لهما أنه كان في غيبوبة.

علا صوت صفير ذلك الجهاز المثبت اليه, كثر الهرج في الغرفة, علا الصراخ, هزات قوية ترفع جسده وتخفضه, ضباب يغشى عينيه, علا من جديد صوت انفاسه وضربات قلبه, فجاءة بداء ضوء ذلك المصباح يخفت,

 ساد الصمت وعلا صفير ذلك الجهاز بنغمة واحدة غير متقطعة .

 ابتسامة صغيرة حزينة علت الوجهان الحزينان تعلن الرضا بانتهاء ذلك العذاب.

KL 26-03-2010

مقالات ذات علاقة

آن أوانها

المشرف العام

في جسد أحدهم

المشرف العام

أتساءل مَن منكما البحر ؟

المشرف العام

اترك تعليق