من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي
دراسات

الأسطورة في الأدب العربي

إعداد: سليمة حمد الخفيفي

من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي

الأسطورة ؛ كلمة تبدو للوهلة الأولي أنها محاطة بسحر خاص وغموض ايضا، إذ توحي بتخطيها لحدود الزمان والمكان ، ولا تقيدها حدود أو مسافات، واحيانا تتداخل مع الوهم وتدخل مع عالم اللامعقول، ولا يخلو التراث الإنساني في كل مراحل تطوره ونموه منها، فهي لصيقة بالواقع وتعتبر احيانا محاكاة له ترسم آماله واحلامه وتطلعاته وعقائد ايضا.
وإذا نظرنا إلي مفهومها وتعريفها نري أنها ” محاولة للإنسان منذ بداية ظهور الخليقة لتفسير الطبيعة حوله بصورة قولية من خلال صور الشعائر الدينية المختلفة، والتي كانت تمارس مصحوبة ببعض الحركات والإيماءات كالرقص مثلاً.
وقد عرفت الأسطورة في المعتقدات الشعبية والتي اختلطت بالمبالغة والتهويل في بعض الاحيان..
وقد نمت في بعض المجتمعات والثقافات دون مجتمعات آخري ؛ كما هو الحال عند العرب والهنود، ومن أشهر الأساطير التي عرفت أسطورة ” بوذا ” التى تطورت عبر المجتمع المحلي لتنتقل بعد ذلك إلي أوروبا ودول المشرق العربي..
والأسطورة كما يلاحظ لاتعيش وتزدهر فقط في المجتمع الذي تولد فيه، بل هناك العديد من العوامل الوسيطة التي تساهم في ذلك.
فبعض الأساطير انتقلت بواسطة الرحالة كما هو الحال في أساطير الهند والشرق الأدني والتي كان للعرب الآثر الواضح في نقلها.
ولعل من أسباب عيشها وإنتشارها ؛ الرغبة لدي الجمهور لمعرفة كل ماهو به نوع من الغرابة، ومن ثم استقبالها، والعمل علي نشرها، مما يدلل علي مدي تماثل وتشابه الأفكار لدي الشعوب مهما اختلفت بقعة الزمان والمكان.
وهي كغيرها من فنون الأدب ؛ بالرغم من عدم تقيدها ببعض القواعد نتيجة تداولها علي ألسنة العامة ومن جميع المستويات الثقافية الإنسانية، وبالتالي تشكلت بعدة صور منها:

1-الأسطورة الرمزية:
وهي التي تتحول فيها القوة إلى رمز مجسد، بحيث تفصل صفات الإنسان عن الآلهة، مما يعطي الشخصية الأسطورية صفات هائلة وخارقة ولها القدرة علي مواجهة كل الصعاب.
مثل: الأساطير التي تمثل معني أمومة الأرض وارتباط الإنسان بها.

2-الأسطورة التاريخية:
وهي صورة مقاربة للأسطورة الرمزية ايضا، غير أن شخصياتها حقيقية غالبا، ويرتفع فيها الأبطال إلي مصاف أصحاب القدرات الخارقة، من خلال ما يقدمونه من معجزات أو تمجيد لأعمال الإنسان القوي، التي تبهر من يخاطب بتلك الأساطير ويجد فيها ضالته.

3-الأسطورة العقائدية:
وترتبط هذه الأسطورة بالعقائد التي كانت منتشرة في كل مجتمع..
ويحمل لنا القرآن الكريم أية كريمة تدلل علي وجود الأساطير الطقوسية عند العرب، وجاء ذلك في قوله تعالي في سورة الأنفال -25-: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكان وتصدية}. والمكاء: هو الصفير. والتصدية: هي التصفيق.
حيث كان العرب يؤمنون بقدرة الأصنام ؛ فكانوا يتمسحون بها قبل سفرهم، وتعظيمها كالتي كانت حول الكعبة، والتي كان يخصص لها سدنة وحجاب، وتهدي لها القرابين، و لها قدسيتها وتعبد من قبل قبيلتي بني كنانة وقريش في ذلك الوقت ؛ ومنها الللات والعزى، وكما عرف هبل كأعظم أصنام العرب في جوف الكعبة، وكان علي شكل إنسان مكسور اليد اليمني، جعلت له العرب يدا من ذهب، وقد نصبه خزيمة بن مدركة من مصر.
ايضا كما كان لقوم نوح عليه السلام أصناما عكفوا علي عبادتها ؛ قال تعالي في سورة نوح -23.24- { وقالوا لاتذرن آلهتكم ولاتذرن ودا ولاسواعا ولايغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا }.
رغم أن تلك الأصنام التي عبدت، كانت لرجال صالحين في عهد سيدنا نوح، وبعد أن ماتوا وحتي يتذكرهم الناس، قاموا بصناعة أصناما لهم، ومع مرور الزمن تحولت إلي آلهة تعبد..
كما اتخذ العرب أسافا ونائلة، الأول يلصق بالكعبة، والآخرعلي موضع زمزم ينحرون عندهما، وأصل أسطورة تلك الصنمين أنهما رجلا وامرأة من جرهم ؛ وهما: أساف بن بغي، ونائلة بنت ديك، أحدثا في الكعبة فمسخهما الله حجرين.
وهكذا كان للعبادات والعقائد، آثرا في صناعة الأدب العربي خاصة قبل ظهور الإسلام ؛ حيث كانت العقائد تبني علي الخرافة والأسطورة و تواتر القصص.

4-الأسطورة الشخصية:
يعد هذا النوع أكثر تحررا من حيث تناول الشخصيات التي يستعرضها، فهو لا يرتبط بالعقائد أو العبادات، وإنما يركز علي الشخصيات المهمة التي لها آثرا في التركيبة الاجتماعية أو الثقافية، وبعضها يكون لشخصيات حقيقية، أو لشخصيات وهمية وخيالية..
ومنها شخصية أبوزيد الهلالي، التي عرفت في الموروث الثقافي العربي، وقصص الشخصيات كالكهنة، وايضا ممن تميزوا بالقدرات الخارقة في فنون السحر، أو الشخصيات التي عرفت بنظم الشعر والهجاء مثل الخنساء، وقيس ابن الملوح، وعنترة بن شداد وماكان من روايات حول حياتهم..
وقد تكون الشخصية رمزية ؛ مثل التنين في ثقافة شعوب آسيا، أو شخصيات للعفاريت والوحوش التي ارتبطت بثقافات ومجتمعات معينة..

5-أسطورة المكان:
هذا النوع من أدب الأسطورة، الذي يدور حول المكان، يشكل ثورة حقيقية للأدب الأسطوري العربي، ولكننا نلمح فيه آثار العصر الذي آلف فيه..
فقد يكون المكان سببا لنسج الكثير من الحكايات حوله، ولعل القرآن الكريم قدم صورا حقيقية لذلك الأدب منها ؛ حادثة بئر سيدنا يوسف عليه السلام، و جبل الجودي حيث استوت سفينة سيدنا نوح عليه السلام، والوادي المقدس طوي، وشق البحر بين فرعون وجنوده، في قصة سيدنا موسي عليه السلام..
وأسطورة المكان تبني علي الحقيقة غالبا، كما ذكر سابقا، ولكن احيانا قد يكون فيها شيء من المبالغة كما في أساطير الرحالة، وقصص الخيال والبطولات..

6-الحيوان في الأسطورة العربية:
يعتبر هذا النوع قريبا من الأدب الشعبي الذي يتناقل ؛ فقد ظهر الحيوان في صور متعددة في الأسطورة، حيث اتخذ كرمز للعبادات عند الديانات القديمة كالفراعنة، ورمز له ايضا بالقوة كالحصان في الثقافة العربية، كما إن الثقافات الآخري كالفرس والهنود كان لهم تأثرا كبيرا بذلك، وظهر بصور خرافية بعيدة عن الواقع.
أما القرآن فقد قدمه بصور لأحداث حقيقية ومن الحيوانات التي ذكرت في القرآن الكريم ؛ هدهد ونملة سيدنا سليمان، والنحل، والبعوض، والكلب في سورة الكهف، وبقرة اليهود التي سميت بها سورة البقرة، والعنكبوت، والبغال والحمير, والإبل.. وكلا جاءت بمواضع مختلفة ولأحداث وعبر متعددة ولكنها بنيت علي الحقيقة، لم تكن مجالا للشك كما كانت في الديانات الوثنية الآخري..
ويعد عبدالله ابن المقفع أكثر الأدباء الذين آثروا ذلك الادب، حيث قام بنقل كتاب ” كليلة ودمنة ” في القرن الثامن الميلادي، والذي ترجم إلي كل اللغات السامية، ويعد من أخطر الأعمال التي أثرت في الأدب العالمي كله. وقد تميز بأن كل قصصه تروي علي لسان الحيوانات، بصورة حوار ومناقشات، ومنها الأرنب والضب والثعلب.

7-أساطير الخوارق:
وهي التي ترتبط بحكايات السحر والجان، والقصص التي تفوق التصور الإنساني، ويعد كتاب ” ألف ليلة وليلة ” من أشهر كتب الأدب التي اشتملت علي ذلك، والعالم العربي عرف هذه الحكايات منذ زمن قديم جدا، سواء كانت هذه الحكايات تأليفا خالصا أم نقلت من موروث ثقافي آخر, وتعد من إبداعات الأسطورة العربية، وقد تطورت وعرفت في الفترة ما بين 900: 1500 م.
ومن أهم تلك الحكايا الحكاية الأولى في الليالي وهي ” حكاية التاجر مع العفريت ” والتى تدور أحداثها بين تاجر يجول لطلب رزقه في يوم حر شديد، وبين عفريت يعترض طريقه شاهرا سيفه، وغزالة ظهرت كزوجة للتاجر، مع شخصيات آخري كالبقرة والبغلة، في سرد خيالي بعيد عن الواقع، ولكن القارئ يستلذ بذلك.
والمتتبع لقصص الخوارق يجد أن السحرة والكهان بأن الشياطين والأرواح تسخر لهم، وهي في خدمتهم، وأن هناك من يستخدم السحر للشر وآخرين يسخرونه للخير.
والملاحظ أن قصص الخوارق العربي يستند إلي ثلاثة مصادر وهي:
الملك سليمان، وحضارة بابل، والحضارة الفرعونية القديمة.
وقد يكون شخصية أسطورية خارقة كرحلات السندباد، وما تحويه من قصص ومغامرات خيالية، تجمع بين أدب الأسطورة في الخوارق، والحيوان في القصص الأسطوري.
وبين هذا التنوع الذي يجمع الأسطورة الرمزية والشخصية، وأسطورة العقيدة، وصورة الحيوان في الأسطورة، والخوارق التي تتعدد صورها ومصادرها، وتمتزج بين الحقيقة احيانا، والخيال والمبالغة احيانا آخري، والذي بالتالي ساهم في إثراء الثقافة العربية والعالمية علي حد سواء.

مقالات ذات علاقة

التماسك اللغوي المكون للخطاب الحكائي عند زياد علي (الطائر الذي نسي ريشة) أنموذجا

المشرف العام

ليبيا واسعة – 6 (هني)

عبدالرحمن جماعة

قصيدة النثر في ليبيا*

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق