دراسات

جماليات الحكاية والسرد في قصة الأستاذ لمصطفى اللافي

الجزء الأول: دراسة بناء الحكاية والبعد الساخر في القصة

من أعمال التشكيلي عبدالقادر بدر

1.1 حكاية القصة:

تحكي قصة الأستاذ لمصطفى اللافي حكاية الأستاذ عبدالغني وزوجته أميرة، وهما من سكان منطقة قروية ليبية، يقومان بزيارة إلى مدينة بنغازي.

الزوجة أميرة سليطة اللسان وعصبية المزاج، وتشعر بالتفوق الدائم على زوجها عبدالغني الذي تظهره القصة باستمرار خانعا مطيعا لها.

تصورهما القصة وهما يتجولان في المدينة، وعندما مرا قرب البحر قام عبدالغني محدثا زوجته عن البحر الذي تراه لأول مرة وعنده هذه النقطة كان يشعر بالفخر وهو يتفوق على زوجته أميرة ويعرفها بشيء لم تراه من قبل.

أميرة وزوجها يرتديان ملابس مختلفة عن المعتاد مما جعلهما عرضة لسخرية صامتة من المصطافين على شاطئ البحر. يحكي الراوي بلغة مشكوك فيها عن طفل في قارب في البحر أمامهم عند التقاء قرص الشمس بالبحر، ويرسم حجم التوتر الذي تعيشه أميرة وهي تشاهد هذا الطفل في البحر لوحده، ويحدثنا عن الجهة المقابلة من الشاطئ حيث ظهر في آخر الأمر شخصان يبدو أنهما والد ووالدة الطفل يلوحان له ويرد عليهما سلامهما في فرح وحبور. يندمج  عبدالغني مع بعض المصطافين على الشاطئ هو وزوجته، التي كانت حِدة توترها الزوجة مادة للسخرية.

يعود الزوجان في الحافلة إلى قريتهم وهناك يبرز الراوي التناقض الذي يشعر به الأستاذ عبدالرزاق بين أبنه الذي تبدو صورته تعيسة نتيجة لحجم الضغط النفسي الذي تمارسه الام المشحونة دائما عليه، ويظل يقارنه بمن رآهم من أطفال المدن. ليست القصة إلا مقطعا ساخرا من أميرة وزوجها وعالمهما مقابل العالم الأخر في المدينة.

2.1 بناء حكاية القصة:

يضع الراوي مكونات حكايته الثلاثة: الحدث والشخصية والمكان في مواجهة لبعضها البعض، بينما يبقى الزمن مفتوحا وغير محدد، لنتابع كيف تمّ لتعامل مع الزمن منذ البداية :

“ذات عام كان عبد الغني الأستاذ وزوجته في بنغازي وكانت الدنيا صيفا”

إن الراوي يضعنا في زمن ليس له من تحديد إلا كونه صيفا، لكنه من الممكن أن يكون في أي عام من الأعوام.

الحدث: الحدث المركزي الظاهر هو زيارة الزوجان عبدالغني وأميرة لبنغازي، لكن هناك حدث أخر مهم يقابل ذلك في القرية. ويحقق الراوي عن طريق سرد الحدثين بناءً محكما لقصته وتوصيفا أكبر للشخصيات:

الحدث الأول: سباحة الطفل لوحده في البحر.

هو حدث سباحة الطفل لوحده الذي يعكس طبيعة تربية الوالدين له، فهما يشجعانه، ويقدمان له الدعم، هذا الحدث يحصل في بنغازي/ المدينة.

الشخصيات: يتحقق الحدث بواسطة ثلاثة شخصيات مجهولة غير محددة بدقة وهم: الولد في البحر ووالديه.

المكان: بنغازي.

طريقة تقديم الحدث والشخصيات: ثم اسطرة ما يحدث عبر تصوير مميز للراوي وهو يرسم صورة خاصة للطفل وكذلك لوالديه عندما قَدَما نحوه، وعكس اختلاف باقي الشخصيات معهم من خلال موقف أميرة وزوجها الذي يردد ما تقول، لنتابع المقطع التالي:

وأقلعت العيون كلها صوب الشاطيء الثاني حتى إلتقت بشبحين بعيدين ممدودين يرتديان أبيض في أبيض، وفوق رأس أحدهما عمامة خضراء وهما يلوحان بأيديهما، والطفل يلوح لهما هو الأخر بذراعه القصيرة في نشاط وغبطة”.

نلحظ إعجاب الناس كلهم بما يحصل من العائلة وتشجيعهم لأبنهم، ومنهم أستاذ عبدالغني الذي اخذ في آخر القصة يتحسر على حال أبنه الخجل (جدا) ويتمنى أن يكون مثل ذلك الولد في البحر:

كانت ترتسم أمامه صورة إبنه فيخطط الدوائر على الدرج الذي أمامه بقطعة الطباشير التي في يده، ويمصمص ضرسه المثقوب بصوت مسموع، ثم يتنهد وهو ينساب في حلم يقظان جميل فيرى محمدا راكبا ذات يوم قاربا وحده عابرا البحر في ملابس بيضاء نظيفة، وقد إستوى شعره ولمع، وإحمر وجهه وإبيض، وهو غير خائف من الماء، ولا يقيم وزنا للبحر العريض”.

الحدث الثاني المقابل:

قدم الراوي عبر السرد التلخيصي قيام الأولاد في القرية بالسباحة في الجابية وضرب أميرة لهم. وهو حدث مقابل للحدث السابق يقوم الراوي عن طريقه بإبراز التناقض والاختلاف بين شخصية أهل الولد في البحر في المدينة وبين شخصية أميرة.

الحدث: الأولاد يعومون في الجابية وأمهم أميرة تصحيهم من النوم عند عودته وتضربهم لفعلهم ذلك.

الشخصيات: أميرة وزوجها الخانع والأولاد المساكين.

المكان: القرية في الوسط أو الجنوب الليبي، لنتابع المقطع التالي الذي يوضح ذلك:

ولما وصلا القرية والليل قد تأخر، وعلمت أن الأولاد قد إنتهزوا فرصة غيابها وإستحموا كما كانوا يريدون في “الجابيا”، لم تستطع الإنتظار فأيقظهم واحدا وراء الأخر، ولهلبت كلا منهم بوابل من الصفعات...”.

تابعنا قيام الراوي بخرق الحياة اليومية العادية لأميرة وزوجها ذات يوم بزيارة لمدينة بنغازي وهناك وضعنا في إطار حدث مختلف عن المعتاد وهو الحدث الأول، ثم قام في نهاية القصة تقريبا بوضعنا في إطار حدث عكسي لما سبق، ولاحظنا التصرف الذي قامت به الزوجة أميرة مع أولادها؛ وهو يتناقض بشكل كبير مع تصرف الأسرة التي يسبح ولدها في البحر.

3.1 البعد الساخر في القصة

يتداخل في قصة الأستاذ البعدين الساخر مع السرد العادي، ولعل الحضور الأكبر هو لذلك النوع الساخر من السرد الذي جعل من القصة ساخرة بأكملها، لنتابع ذلك هنا في هذه الدراسة:

أولا. السخرية في رسم شخصية الأستاذ عبدالغني

يمارس الراوي منذ البداية تصويرا ساخراً (شديد السخرية) لشخصيته الرئيسية الأستاذ عبدالغني، يصفه بأوصاف خاصة وبأسلوب شديد السخرية ومختلف عن المعتاد، وهي سخرية تمتد لتصل إلى زوجته لنتابع المقطع الأول كما يلي:

… (أ) وعبد الغني الأستاذ يمشي بجوار إمرأته بجسده الذي هو طويل حقا ولكنه ذلك النوع من الطول الذي لا يبدو له عرض، فلا سمنة تبرزه، ولا أكتاف ممشوقة تنسيك رفعه، وإنما شيئان هاكعان مضمومان تتعلق عليهما سترته كأنها معلقة على شماعة..(ب) ومع أنه كان يرتدي بدلة، إلا أنك كنت تستطيع أن تدرك للتو أنه لم يعتد إرتدائها، فقد كان يخطر فيها وكأنه لا يزال يرتدي الجبًة أو الجلباب، ويمد يده وكأنها لا زالت طليقة في الكم الواسع الهفهاف.. (ت) وكنت تستطيع أن تقسم أن نار المكوى لم تلسع بدلته منذ أن وجدت وكذلك لا تقدر أن تخمن متى وجدت، (ث) ومع ذلك فالمحافظة على الملابس كانت في دم عبد الغني الأستاذ، ولهذا كان يضع منديله النص نص الأبيض بين رقبته وبين ياقة سترته حتى يمنع عنها العرق الذي ينضحه قفاه الأسمر، وكذلك كان يفعل في قبعته. (ج) والغريب بعد هذا أن ياقة السترة وحافة القبعة، كانتا دائما من أمتع الأمكنة التي يحلو للعرق والتراب البقاء فيها وإستعمارها“.

يوضح المقطع الطويل السابق كيف يسير السرد في القصة، فقد بدأ الراوي ساخرا من الأستاذ عبدالغني ثم من زوجته أميرة، ثم نتابع فيما بعد سخريته من طبيعة العلاقة بينهما، وكذلك سخريته من الشعور الأخرق المستمر بالتفوق لأميرة على عبدالغني، ويبرز الراوي أيضا سخريته  من تلك القناعته البلهاء التي يشعر بها عبدالغني وقد جعلته سعيدا بوضعه السفلي هذا معها، لنتابع ذلك من خلال تقطيع النص؛ حيث في (أ) يمارس الراوي نوعا من سرد خاص يحدِّث فيه المروي له بطريقة مباشرة توضح سخريته العميقة وهو يؤكد كونه طويل بكلمة حقا، كذلك تصوير بدلته فوق جسمه كأنما هو فوق شماعة، بينما في (ب) نتابع صورة ساخرة من طريقة لبسه للبدلة بطريقة لبس الجلباب واسع اليدين، بينما في (ت) يحدث المروي له (أيضا) مؤكدا أن البدلة التي يلبسها لم تلمسها المكواة منذ وجدت. ويستمر الراوي مستهزئا بصورة الأستاذ عبدالغني في (ث) و (ج) فهو أسمر القفا ومهما وضع من مناديل لتمص العرق من ياقة قميصه من الخلف، فإن ذلك لا يغير شيئا؛ حيث التراب يلتصق بياقة قميصه نتيجة للعرق بل يستعمره استعمارا.

ثانيا. السخرية في رسم شخصية الزوجة أميرة وملابسها:

نتابع في المقطع التالي وصف الراوي لأميرة زوجة عبدالغني وملابسها، في (أ) يحاجج مقارنا بين وجه الزوج عبدالغني ووجه الزوجة أميرة في مقارنة لا تخلو من تفاعل الراوي مع الشخصيتين والانطلاق من وعيهما، فهو يبرز في (أ) أن سمرة الأستاذ عبدالغني فيها طيبة، كما يبرز وجه زوجته الأبيض المشرب بحمرة، ويضيف منطلقا من وعي قريب منهما ليظهر ما تلبسه من ملابس مختلطة وسيئة الذوق، فهي ترتدي ثوب دخلتها الأحمر،  ثم ترتدي فوقه فستانا شفافا أسودا، ثم في (ث) يحدثنا عن غطاء الوجه (البيشة الكحلية) التي تلاصقت أطرافها من استعمالها لتغطية وجوه أولادها زمن أصابتهم بالرمد.

(أ) وبالقياس الى وجه عبد الغني الأستاذ الذي قدمت سحنته حتى إسودت، وتناثرت تجاعيده في طيبة قبيحة ولكنها طيبة وسلام، وبالقياس الى وجهه، (ب) كان وجه امرأته الماشية بجواره حلوا أبيض فيه إحمرار، (ت) ليس هذا فقط، بل إنها كانت ترتدي ثوبها الحرير الأحمر الذي دخلت به، وفوقه الفستان الشفاف الأسود، وكانت تضع فوق شعرها الطويل البري قبعة ذات ريشة، كان عبد الغني الأستاذ اشتراها لها أيام “موضة” القبعات..(ث) ولم تنس السيدة أميرة أن تسدل فوق وجهها البيشة الكحلية التي تثنت أطرافها ولمعت أجزاء منها، وتلاصقت من كثرة ما وضعتها على وجوه أطفالها حين كان يصيبهم الرمد”.

السخرية كما تابعنا من الزوجة في حدودها القصوى.

ثالثا. السخرية من خلال رسم طبيعة العلاقة بين الزوجين:

تفعيلا للمزيد من البعد الساخر يقوم الراوي بإبراز طبيعة العلاقة  بين الزوجين؛ حيث تسيطر أميرة على زوجها سيطرة كاملة، في حين يبدو هو مقتنعا بدوره التعيس هذا، لنتابع ذلك من المقطع التالي:

(أ) لم يكن سعيدا إذن لأنه في بنغازي، ولكنه كان عامرا بالنشوة لأن أميرة معه هذه المرة، هادئة بجواره كالحمل الرضيع، (ب) لا تعايره كعادتها بكبره وصغرها ولا تركب رأسها وتمتطي لسانها وتسخر منه ومن علمه ومن أنه المدرس الذي لا طلع ولا نزل، (ت) وإنما هي صامتة مدهوشة ذاهلة وهو يفرجها على بنغازي، ويريها، ولو مرة واحدة في حياته، وإنه يعرف أكثر منها، وله نفع أكثر من نفعها في بعض الأحيان“.

في (أ) الراوي يستخدم أسلوب النفي ليوضح سبب سعادة عبدالغني الغامرة، ويستخدم أسلوب النفي لينقل لنا من خلاله ما تعودت أن تقوله أميرة لزوجها وهي تذله وتهينه، ذلك كله من خلال وعي عبدالغني الأخرق السعيد، فهي طالما عايرته بفارق العمر، ويستخدم الراوي عبارتها التي تحتها الخط في مقطع (ب) عن زوجها المدرس الذي لاطلع ولا نزل، ثم في (ث) يثبت شيئا أخر وهو صمتها ودهشتها وذهولها مما يبرز حجم تعاسة هذا الزوج المسكين.

لنتابع هنا سخرية مميزة من العلاقة بين الزوجين وبصاق أميرة يأتي على وجه زوجها وردة فعله على ما حصل منها:

…(أ) قالتها أميرة وهي تبصق في حقد وشدة محاولة دفع البصقة حتى تصل إلى الشاطيء الأخر، (ب) ولكن الريح الطيب تكفل بردها كاملة غير منقوصة إلى وجه عبد الغني الأستاذ.. (ت) وفوجيء المسكين، وبهت، ولكن سرعان ما تناول منديله يمسحها، واهتز جسده كله وهو يقهقه ويمزح مع إمرأته قائلا:

– خزي عليكي هبلة وما تتحاشميش.. هكي؟!”.

(ث) واستدارت أميرة دون إكتراث لما حدث“.

تابعنا في المقطع السابق أميرة وهي تبصق على عائلة الطفل الذي في البحر، ثم في (ب) في سخرية الراوي عندما يحدثنا عن الريح التي تكفلت بوضع البصقة على وجه الأستاذ عبدالغني، ثم في (ت) نتابع موقف عبدالغني ورده فعله على البصقة التي استقرت على وجهه بلغته الشعبية، ثم في (ث) رد فعل أميرة غير المبالي بأي اعتذار يذكر.

رابعا. سخرية الناس على الشاطئ من لباس عبدالغني وأميرة تصرفاتهما:

نتابع في المقطع التالي كيف يتم تصوير تصرف وموقف المصطافين على الشاطئ من تصرفات وزي الزوجين الغريب، حيث انقسمت تلك المواقف إلى ثلاثة مواقف رتبها الراوي في المقطع التالي، في (أ) هناك من نظر نظرة عابرة مستغربا من شكل الزوجين وملبسهما ثم مضى، وهناك مجموعة أخرى كما في (ب) انتبهت للزوجين بعد تعالى صراخ الزوجة ثم مضى، والنوع الثالث كما عبر الراوي في تعبير مميز لعق ملابسهما الغربية بنظره كما في (ت) :

(أ) وكان بعضهم قد وقف يتفرج على أميرة وعبد الغني وقد أعجبه مرآهما ثم مضى بعد أن أشبع فضوله. (ب) وكان البعض قد رأى الطفل فعلا فاسترعى الطفل إنتباه الجزء الأكبر من تفكيره ثم لما علا صوت أميرة و اشتد حماسها بدأ يوزع انتباهه بين الطفل وبين المرأة ذات الزي الغريب والذي كان من صنع يديها، وما تقوله والرجل الذي معها. (ت) وكان بعض ثالث قد أخذ الامر على محمل الهزل فمضى يلعق ثوب أميرة، وقبعة عبد الغني وحذاءه، دون اكتراث لما يحدث داخل البحر..”.

ونتابع فيما يلي المزيد من السخرية هنا أيضا نتابع النظرة الساخرة على ذلك الشخص الذي كان واقفا بجانب أميرة وزوجها

.. ولمح الأفندي إبن الحلال الواقف أميرة في عصبيتها وذعرها فرمقها بنظرة فيها سخرية متنكرة في إبتسامة رثاء وقال على مهله:

– يا سيدة متخافيش.. هادا الولد بيدهور..“.

الراوي يرسم لنا كيف لمح الرجل الواقف جنبهم عصبية أميرة بسخرية راثية، ثم كلمها بلغة شعبية تحال أن تهون من قلقها الأرعن كما في كلمتيه (متخافيش) ثم في (هادا الولد بيدهور).

خامسا. السخرية البارزة من خلال طريقة التعامل المختلفة مع الأطفال

جعلنا الراوي من خلال صورة الطفل لوحده في البحر مادة لرسم قلق وألم ورعب أميرة مقارنة بتصرف أهله في الشاطئ الآخر،  لنتابع هنا كيف كانت تنظر أميرة من خلال المقطع التالي، حيث جعلت تسب وتبصق وتلعن تلك العائلة التي سمحت لولدها أن يسبح لوحده في الماء:

وكانت أميرة تغلي، فليكن الولد في فسحة أو مصيبة ولكن أي أب مجنون هذا؟.. وأي أم غبية تكون هذه؟!.. وكيف يجلس ممدا جسده بينما ابنه يكاد الماء يطبق عليه؟! وكيف تحتمل هذه المرأة أن تلوح بيدها للولد هكذا؟! ألا تستحق بالذمة قطع هذه اليد؟”.

كما تابعنا فإن أميرة الغاضبة الحانقة تقابل أسرة الولد الأسطوري في البحر، لنتابع والديه قادمين نحوه يسبحان في هدوء:

وأقلعت العيون كلها صوب الشاطيء الثاني حتى إلتقت بشبحين بعيدين ممدودين يرتديان أبيض في أبيض، وفوق رأس أحدهما عمامة خضراء وهما يلوحان بأيديهما، والطفل يلوح لهما هو الأخر بذراعه القصيرة في نشاط وغبطة“.

سادسا. السخرية من خلال مقارنة عبدالغني بين الولد في البحر وأبنه:

نتابع هنا تصورات الأستاذ عبدالغني بعد أنا عاد إلى قريته وهو يتذكر تلك الواقعة عن الولد في البحر وأهله ويقارنه بأبنه الخجول:

وحينئذ كان يتذكر جمال الولد وصفرة شعره وثيابه واطمئنانه وثقته، ويده الصغيرة وهي تدفع المجداف، وفي الحال كانت ترتسم أمامه صورة إبنه الكبير محمد، الداخل بسم الله ما شاء الله على عامه العاشر، ويده الخشنة الماسكة طول اليوم بلقمة العيش المغموسة في العسل الأسود، والعسل يتساقط منها على الأرض وفوق جلبابه وداخل صدره، والذي يضع رأسه خجلا بين فخذيه إذا أقبل ضيف، وما أن يبدأه أحد بالكلام – أي كلام – حتى يتراجع خائفا، قائلا بصوت كمواء القطط:

– يا ماما.. يا ماما..”

إن الأستاذ عبدالغني ينظر بحسرة مقارنا بين ذلك الطفل الذي يسبح في البحر لوحده أمام الجميع نتيجة تربية منفتحة مقارنة بتربية ابنه المبنية على الضرب والتعسف الذي تمارسه زوجته التعيسة أميرة بعصبيتها وصفاقتها.

مقالات ذات علاقة

سموُّ اللغةِ وعُمقُ الصورةِ الشعريةِ في (لعلهَا شجرةٌ بعيدةٌ)   

يونس شعبان الفنادي

التناص مع القرآن في الشعر الليبي

سالم أبوظهير

المفكرة التاريخية (4): تأملات حول علم التاريخ والهوية (فكرا.. ومنهجا)

مفيدة محمد جبران

اترك تعليق