1
خطوة رائعة ولا شك.. تلك التي شهدتها مناطق مختلفة من بلادنا الحبيبة.. وهي تسيير أكثر من قافلة ثقافية محملة خاصة بجديد الكتب “أوعية المعرفة ” بعد أن ظل بعضها حبيس مدن بعينها.. فيما ظلت المركز الثقافية في غيرها.. خاوية إلا من مطبوعات اهتراء الورق من الكثير منها بسبب التقادم.. ما أوجد حالة من الخواء داخل جدرانها.. فتناقص المترددين عليها.. والذين صار بعضهم لا يدخلها إلا لتزجية أوقات الفراغ ، فلا جديد يقرؤونه بين أرففها.. ولا نشاط يحببهم فيها ومن أراد منهم كتاباً جديداً فعليه أن ينتظر أول معرض للكتاب.. ليشتري ما يريد.. وهي فرصة قد تضاءلت.. بسبب الأسعار المرتفعة للكتب.. والتي أصابت بعدواها حتى هذه المعارض.. لذلك كان الجميع في انتظار مثل هذه الخطوة.. التي أتت أخيراً.. ولكن ينبغي أن لا تكون الأخيرة.. وإنما خطوة تتبعها خطوات في مجتمع يقينه أن المعرفة حق طبيعي لكل إنسان.
2
هذه الخطوة نعلم أن المسئولين عليها ومن بذلوا جهوداً يشكرون عليها من أجل تسييرها.. يدركون أنها قصة ومبتسرة ما لم يتم تفعيل المراكز الثقافية ذاتها.. فأغلب هذه المركز إن لم تمن جميعها ما هي إلا جدران بداخلها مجموعة من الكتب.. ولكن لا قراء لها.. فقد تمر أيام بل أسابيع دون أن يدخل أبنية هذه المركز أحد سوى العاملين بها..ولا نظن أن ثمة أحد بإمكانه أن يدّعي أن هذه المركز قد أنشئت من أجل ذلك.. فالمراكز الثقافية يجب أن تكون منارات ثقافية وفكرية في كل شعبية.. وفي كل كومونة.. بل في كل حي.. وفي كل شارع.. وهي لا يمكنها أن تكون كذلك في ظل الصمت المزري الذي يطبق عليها..
فأي مركز ثقافي هو النشاط الثقافي الذي يقوم به.. كمساهمة في تفعيل الحركة الثقافية في بلادنا.. وليس فقط البناء الذي يحتويه مهما كان اتساعه أو حتى عدد الكتب والمطبوعات الموجودة فيه.
3
فهل سمعنا عن مركز ثقافي قد أقام أصبوحة أو أمسية شعرية ؟!.. وهل سمعنا عن مركز ثقافي قد تبنى معرضاً للفنون التشكيلية.. سواء للفنانين الواعدين أو الذين صارت لهم بصمات واضحة على خارطة الفن التشكيلي في بلادنا؟!..
وهل سمعنا عن مهرجان للقراءة احتضنته إحدى هذه المراكز الثقافية ؟!.. ولأننا لا نريد أن نغمط حق أحد.. فلربما فعلت أحد هذه المراكز ذلك ، ولكن إعلامنا المقروء أو المسموع أو المرئي لم يهتم بها ، فهل هو استصغار منه لشأنها ، أم أنها لم تستطع إسماع صوتها عالياً لكي لا يتجاهله أحد ولكن أشد ما يؤسف له أن الكثير ممن يتولون إدارة هذه المراكز لا ينظرون إليها إلا باعتبارها مواطن شغل ووظيفة يتقاضون مرتباً شهرياً عنها أما ما عدا ذلك.. فلا يعنيهم في شيء.. فكيف نريد من مركز ثقافي ما أن يكون منارة إشعاع.. مادام القائمون على أمره لا علاقة لهم بالثقافة.. فمنهم من لا يستطيع ذكر أسماء خمسة شعرائنا وأدبائنا..
ومنهم من لا يعلم حتى ما تضمنه أرفف المركز الثقافي الذي يديره من عناوين.. ولا ينبغي لأحد أن يلقي باللوم على هؤلاء، وإنما على من قام بتكليفهم بأداء هذه المهام.. التي يرونها يسيرة وهينة.. وهي أشد خطراً أو أكثر أعباء مما يظنون.
4
مرة أخرى.. إن تسيير القوافل الثقافية خطوة ولاشك رائعة وضرورية ولكنها لن تؤتي أُكلها.. ما لم يتم تفعيل دور المراكز الثقافية التي أناخت هذه القوافل بها. وإعادة النظر في آلية عملها الحالية.. بما في ذلك ألئك الذين يتولون إدارتها.. ولا نظن أن الأخوة المسئولين والمهتمين بالشأن الثقافي بغافلين عن ذلك ، ولكننا فقط نتمنى الإسراع فيه.
_________________
نشر: الجماهيرية.. العدد:4596.. التاريخ: 22-23/04/2005