حينما يرفع أدولف هتلر زعيم الحركة النازية يده اليمنى إلى الأمام بزاوية 90 درجة مع جسمه المنتصب باسطاً أصابعه بشكل متلاصق متوازٍ، وهي تحيته المشهورة- كأنه بذلك يقول: (سنجتاحكم). وكان على الشخص الذي يود تأدية تحية هتلر أن يمد ذراعه بنفس الطريقة ومن ثم يقول: “Heil Hitler” أي “تحيا هتلر”، أو “Heil Führer” أي “تحيا قائدي”. وتبنّى الحزب النازي هذه التحية عند تأسيسه خلال العام 1923، وأصبحت إجبارية عام 1926 لإظهار الطاعة والولاء للزعيم هتلر، وتمجيد الأمة الألمانية، كما شهدت رسائل الاتصالات والرسائل الرسمية في تلك الحقبة بألمانيا تذييلها بعبارة “with German regards” أي “مع التحية الألمانية” أو “Heil Hitler”.
تحية هتلر وقبل أن تكون بيد (مجتاحة) كانت قد عرفت بشكل مقارب لها خلال العصور الرومانية، حيث كثرت الاغتيالات والجرائم فكان على المواطن الذي يود أن يتقدم إلى ضابط أو أي رتبة عسكرية أن يرفع يده اليمنى فوق رأسه ليؤكد أنه لايحمل سلاحاً، وخلال القرن السادس عشر طرأ تعديل لطريقة رفع اليد حيث أصبح باطن اليد متجها نحو العين، ذلك لأن العاملين على حاملات الطائرات والمدمرات والسفن البحرية غالباً تكون أيديهم متسخة بالزيوت جرّاء أعمال الصيانة، وهو أمر تنبّه له قائد الأسطول الإنجليزي الأميرال السير فرنسيس درايك حينما أصدرت الملكة اليزابيت الأولى أمراً بتوشيح ضباط البحرية الانجليزية بالأوسمة حينما هزموا الأسطول الأسباني المعروف بالأرمادا سنة 1588، فعمد درايك إلى حيلة تجمع بين الظرف والدبلوماسية، حيث أصدر مرسوماً ينص على أن يكون باطن الكف باتجاه العين وقال المرسوم: “نظرا لجمال ملكتنا الفائق، الذي يذهب بالأبصار، على كل جندي عندما يتقدم أمام جلالتها لتقلد الوسام، الذي ستنعم عليه به، أن يضع يده اليمنى على عينيه وقاية لهما من شدة جمال الملكة.” وبذلك ضمن أن يكون باطن الكف لجميع البحارة متجها لأسفل، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت تلك التحية العسكرية من تقاليد تلك الملكة التي توفيت سنة 1603 وأخذتها عنها الأمم الأخرى فأصبحت التحية الرسمية لجميع الهيئات العسكرية.
غراتسياني في مشهد بالفيلم السينمائي عمر المختار، وبعد أن أعطى جولينلديديدج التحية العسكرية علّق الجنرال غراتسياني على جولينلديديدج قائلا: إيه ديديج! التقارير المرسلة تقول عنك أن بإمكانك مصادقة البدو بالمصافحة، أما أنا فلا يروق لي هذا، معناه أننا يجب أن نخنقهم لكي نسالمهم، فرد جولينلديديدج: سيدي آلاف وآلاف من الناس المهجرين البدو خارج حاميتي، لا طعام لدي لهم، وأعاني المصاعب في السيطرة عليهم، وأحتاج…. قاطعه غراتسياني: أنت تحتاج إلى المزيد من هذا (ثم شدد قبضة يده دلالة على القوة)!!
قبضة غراتسياني التي يكور فيها أصابعه بعنفٍ طاغٍ أصبحت التحية المشهورة للقذافي مع فرق أنه يرفع قبضته إلى أعلى جامعاً فيها دلالات التحدي والقوة فلا تمر مناسبة إلا ويكوّر تلك القبضة فيرد الآلاف من خلفه تلك التحية مصحوبة بكلمة (الفاتح) تلك الكلمة التي تترجم معنى القبضة وتؤكد جبروتها وفعاليتها وديمومتها، بل واتخذت الكلمة معاني الدهشة والفرح الهستيري والصراخ الاعتباطي والاحتفال بالفوز والنجاح وبالحصول على شىء ثمين، كما ذيّلت القبضة المتكورة في صيغتها المكتوبة (الفاتح أبداً) المراسلات الرسمية وعقود الزواج، واختتمت بها الندوات والبرامج التلفزيونية والبيانات الصحفية والتعميمات والمنشورات والقرارات ونتائج الامتحانات.
في العهد الفبرايري اتخذت اليد شكلاً آخر هي القبضة الكمثرية النافرة الإصبعين (السبابة والوسطى)، تعقبها صيحة تقول (تكبييييير) فيرد الآخرون (الله أكبر)، التي أصبحت تحية رائجة في الاحتفالات والمناسبات وتتصدر المراسلات والمكاتبات، والمواجهات والعمليات!. تلك القبضة المزدوجة تحولت دلالاتها ومنذ إعلان يوم التحرير لتتخذ معنى (من كل زوجين اثنين) فإذا رفع الرجل كلتيّ يديه ضمّنت أصابعه الأربعة حقه في أربع زوجات بحسب بشارة رئيس المجلس الانتقالي، كما يشير الإصبعان النافران إلى طريقين لا يلتقيان كلاهما محفوف بالأشواك والنيران، فإما مع فبراير أو سبتمبر، تحالف أو إخوان، فجر أوكرامة، مؤتمر أو برلمان.. المهم أن يشير الإصبعان إلى طريقين لا يلتقيان.