مسك
ما هذه الرائحة الرائعة؟ قالها وهو ينهضُ ويغادر الخيمة الَّتي كان ينام فيها. إنها رائحة إبطي اَّلذي لم يعرفْ الماء منذُ ثلاثة أشهر. قالها زميله وقهقه بصوتٍ عالٍ، ثمَّ أضاف معتذراً: ربما كنتَ تحنُّ للعودة إلى الديار، فتوهمتَ عطر زوجتكَ، وأريج أزاهيركَ الصغيرة. قال ذلك وهو ينظفُ بندقيته، غارقاً في روائح الشحم والعرق ودخان سجائره رديئة النوع والصنع. لا لا.. هذه الرائحة تختلف.. أشبه بالمسك،… إنها تأتي من هناك. أشارَ إلى جهةٍ بإصبعه وتبعه، سارَ خطوات فوقَ الرمال الحارقة، اجتازَ كثيباً، وتوارى عن صديقه. فجأةً دوى صوت انفجار هزَّ المكان، انتصبَ صديقه وركضَ ناحيته، خلفَ الكثيب لم يجدْ غير الأشلاء، ورائحة مسك تغمرُ المكان.
الخندق
أخيراً نظر إليها الربُّ من عليائه، تشبثتْ بيده ونهضتْ، أزاحتْ ضباباً أسودَ كان جاثماً أمام انطلاق البصر. بصقت في وجه الظلم وقامت. تحلقت حولها شقيقاتها، يرتدين أجمل الثياب. وضعنَ اليد في اليد، وزغردنَ وهنَّ يهدمنَ الصَّنم. بعد خطوة واحدة، تفاجأتْ بالعميان منْ أبنائها يبنونَ حولها خندقاً باتساع أربعين عاماً سحيقاً، ويتجاهلونَ نظرة الإشفاق في عيونِ الخالات. كانت المسافة تتسع، فتتسع معها ابتسامة الشامتين وأعداء النور. عند قدميها رأتْ عَبَدَةَ الشيطان يجمعون الحطب، ليشعلوا فيها – خلسةً – النار. لم تنزلْ منْ عينيها دمعة حزنٍ واحدة فقد كان الربُّ يبني جسور الرحمة فوق الخندق، بينما يبللُ أعواد الكبريت بالماء والثلج والبرد.
متسولان
قال وهو يتسول في بحر عينيها الذابلتين. لا تبتعدي، امنحيني ولو قصيدة واحدة تنعش روحي؟ وبعد؟ سيظل اسمك يسكن قصائدي ويمنحها الحياة. وبعد؟ حار بماذا يجيبها، ثم قال مرتبكاً: “تعرفين!… لقد طلقتُ الشِّعر يوم أخطأتُ وتزوجتُ حبيبتي”. نهضتْ تعترضُ دموعاً تزاحمت في مقلتيها. غادرتْ، فقرأ على ثوبها الأسود الفضفاض آلاف القصائد المنعشة ترفرف حولها روحاً مجعدة.