أضيفُ هنا إلحاقاً بمقالتي الأخيرة «حدث أبي قال» في جزئها الثاني ما اعتزمت مُتيقنة أني سأتوقف عندها، غير أن ما جد أني قاربتُ ضالتي ذاك المستشرق الفرنسي من شغف بواحة براك أربعينيات القرن المنصرم، وقد جائني خبرهُ يسعى بغير احتساب أو توقع، إذ كان مقالي رمية من غير رامٍ، وقد كنتُ عولتُ لسنوات على رد أو نتيجة لمعلومة سلمتها بشكل شخصي لباحث في العلاقات الليبية الفرنسية «د. محمود الديك» وقد اعتزم زيارة فرنسا لنشاط بحثي مشترك «فرنسي – ليبي» فأوصيته وكان ردهُ أن لا خبر!، أعتقدتُ واثقة – ولا شطارة لي في ذلك – أن بمُكنته ذلك وهو متخصص كما بمُكنةِ مركزهِ المرجعي ما تأسس منذ عقود، و له اهتمامه التاريخي الاختصاصي على مستوى البلاد ومشهود له منجزه ومنتجه الكبير، وما انتبهتُ له عبر دراستي الأكاديمية جزء من مهمة المركز، الذي يعمل به باحثون مُتعينون كما يستقطبُ استشاريين في مجاله، والذي لا غرو أنه مثّل إضافة بحثية وتوثيقية مهمة على قلة – أو قياساً – ما أفرزته مؤسسات أخرى رُصدت لها مئات بل ألاف الدينارات ما ذهبت هباء منثوراً.
وعود على بدء.. ما وصلني مثّل ثروة وكنزاً معرفياً طال انتظاري له، وأمضيتُ أسبوعي في متابعته بحثاً عن ترجمة له عن الفرنسية، كان تعليقاً من أستاذ ليبي بعلوم المكتبات والمعلومات صديق بن سليمان (*) على مقالي الأخير مُرفقاً بأربعة روابط:
أولها: التعريف بالمستشرق فيليب مارسيه في صفحة بالويكبيديا الفرنسية: ( هنا )
وثانيها: لمكتبة القوقول تعرض دراسة عن كتابه صدرت 1977 نصوص لسانية مغاربية.
ثالثها: رابط لأطروحة ماجستير عن جامعة منتوري (كلية الأداب واللغات) – قسنطينة، الجزائر عنوانها: ترجمة التعابير المجازية في النصوص العامية، فيليب مارسيه نموذجاً (Textes Arabes de Djidjelli نوقشت في العام الدراسي 2008 – 2009) لباحثة جزائرية هي ريمة لعريبي بإشراف د. سعيده كحيل من أحاول التواصل معهما في يومنا هذا، والتي كتبت في أطروحتها عن دراسة فيليب مارسيه للهجة وتعابير جيجل: «يُعد كتابه واحداً من أهم الكتب التي أفردت لجيجل مكاناً خاصاً بين مختلف مناطق القطر الجزائري، ولهذا الكتاب مكانة خاصة بين مثقفي وأهل جيجل إذ يرون فيه كتاباً جامعاً للكثير من تراثهم الشفاهي القديم الذي لم يحور من الأصل شيئاً ولم يحاول نقله إلى الفصحى بل احتفظ به بكل وفاء».
ورابع الروابط: صفحتان بمجلة «اللغة والأدب» الفرنسية تعرض قراءة في جهد فيليب مارسيه حول لسانيات فزان مأخوذة من نصوص شفاهية هي حوارات يومية، وأغان منها أغاني العمل، وشعر، وهذا الأصدار يحمل عام 2001 أخر أعمال فيليب مارسيه.
فمن هو فيليب مارسيه وما قصتهُ؟
«…. جاءت عائلته واستقرت بالجزائر وقد أتقنت اللغة العربية واللهجات الجزائرية، وبالجزائر ولد فيليب عام 1910، والده ويليام مارسيه أسس لواحد من أهم المشاريع اللسانية (دراسة اللسان العامي) وهو صاحب مفهوم الثنائية اللغوية، وعمه جورج مارسيه اهتم بعلم الأثار الإسلامي كما أعتبر مؤرخاً للفن الإسلامي بالجزائر، ورث فيليب عن والده ذلك الانشغال وأصبح من أبرز اللسانين الفرنسين الذين ارتبطت مسيرتهم العلمية بمسيرة موازية في الحقل السياسي، فمارسيه درس لهجات الجنوب الجزائري ،و هو أحد مؤسسي جامعة الجزائر التي عمل بها أستاذا للحضارة الافريقية الشمالية وذلك منذ العام 1953 وبعد استقلال الجزائر أنتقل للتدريس بالجامعات الفرنسية، ثم بجامعة لياج ببلجيكا وقد شغل بها مقعد اللغة العربية ثم تقاعد عام 1980، وتوفي بباريس عام 1984، وفيليب مارسيه كما أنه عالم لساني مُعتبر فهو رجل سياسة وله إرادة سياسية مُعبرة عن توجهه الذي نادى بدعم لمشروع الجزائر الفرنسية، كما أنضم الى حزب اليمين الفرنسي الذي رشحه لرئاسته عام 1965».
إلى هنا ينتهي الاقتباس من أطروحة الباحثة ريمة لعريبي (بتصرف ص 107ص 108)، وسأضيف هنا تعليقاً للعالم الفرنسي الفيلسوف الشهير بيير بورديو(**) عن العائلة (مارسيه) التي اضطلعت بدور سياسي وثقافي وأكاديمي تنقلهُ لنا الباحثة الجزائرية لعريبي: لقد كانت عائلة مارسيه في الجزائر مثالا عن الباحثين المعربين الذين لم يكن لهم تكوين محدد، وقد كان لهم نفوذ واسع في جامعة الجزائر حيث كانوا يوزعون مواضيع البحوث، كما كانوا يمثلون ما يمكن أن نطلق عليه الأثنولوجيا الاستعمارية (ص 112)
عند الرجوع لصفحة فيليب مارسيه بالويكبيديا الفرنسية نجد في خانة أعماله أصدارهُ لأربعة كُتب في السنوات التالية: 1954 وهو ما تعلق بنصوص الجيجيل الجزائرية، 1977 صدر فيها كتابان بعنوان: نصوص مغاربية، 2001 وهي السنة التي خرج فيها كتابه عن «نصوص فزان» وباعتبار أنه توفي عام 1984، فذلك ما يعني أن مدونته الأخيرة أصدرها أخرون، ففي دراسة المجلة الفرنسية يظهر المقال مرفقاً بمُحققيين للمدونة الفزانية، التي تاريخياً كانت أول ما جمعه حسب والدي ورفاقه بين منتصف وأواخر اربعينيات القرن الماضي، وفي أطروحة الجيجل ما يُقارب وصفاً توثيقه لواحة براك وربما غيرها أيضاً، وأقصد مُعاينته لحياة الناس وأشكال التعبير في المناسبات المختلفة، فعملهُ الميداني والاندماج بالمجتمع المحلي منهج اعتمده أينما حل، حتى وهو يتقن التحدث بلهجات المناطق التي زارها إلا أنه اعتمد شباباً من المنطقة التي يبحث فيها لجمع النصوص وكتابتها لضمان مصداقية ومسؤلية النقل، وبالتالي قام بترجمتها ترجمة أمينة حسب الجيجل، وعلينا أثبات ذلك في ما وثقه لواحات الجنوب الليبي التي شق أول رحلته البحثية اللسانية بها رغم أنها صدرت كتابا مُحققا عقب وفاته، وفي صدور مدوناته عن الجزائر سبقا عن الجنوب الليبي ما تعليلهُ أن رؤيته للجزائر كمُستعمرة فرنسية لقرن ويزيد مع نداءاته السياسية التي تبنى فيها فرنسة الجزائر ما يُجيب عن تلك الاسبقية، الغريب أن الباحثة الجزائرية «ريمه لعريبي» أهملت الإشارة إلى كتابه الأخير 2001، الذي أسس عليه بقية أبحاثه التي بدأها في الجنوب الليبي.
إن ما حصلت عليه ووصلني من روابط مرجعية تتطلب ترجمة دقيقة كونها تمثل مخزوناً وربما كشفاً يجدر العناية به، وأجدني أعيد الانتباه لمؤسسة تمثل مرجعاً لكل باحثي «المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية» – (مركز الجهاد سابقاً) – بتوسيع دائرة من يبحثون ويُستشارون بمعية باحثي التاريخ والأثار لتشمل علم المكتبات والمعلومات واللغات وعلم الاجتماع، كما تخصصي الصحافة والأدب فهما معنيان أيضاً بما يقع بحثه و ترجمته، بمن عنى بجغرافيتنا الليبية رغم أغراض تلك العناية والاهتمام إلا أنها وثائق ومراجع مهمة حين تغيبُ مراجعنا وتوثيقنا!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) أتوجه بالشكر لعناية الباحث الاستاذ «صديق بن سليمان» لمنحي روابط هامة، إثر قراءته المقال «حدث أبي قال – 2» على صفحة الفيس الخاصة بـ: «الجمعية الليبية للمكتبات والمعلومات والأرشيف».
(**) بيير بورديو (1 أغسطس 1930 – 23 يناير 2002) عالم اجتماع فرنسي، أحد الفاعلين الأساسيين بالحياة الثقافية والفكرية بفرنسا، وأحد أبرز المراجع العالمية في علم الاجتماع المعاصر، بل إن فكره أحدث تأثيرا بالغا في العلوم الإنسانية والاجتماعية منذ منتصف الستينيات من القرن العشرين (نقلا عن ويكبيديا https://ar.wikipedia.org/wiki/).
*
نشر بموقع المستقل