عائشة إبراهيم
قهوة باردة.. وملعقة واحدة من السكر.. وليس عندي ورق، وقد داهمتني حمى الكتابة.. سألت الجرسون فنزع لي ورقة من دفتر الحسابات.. ورقة واحدة فقط.. قد لا تكفي.. فالحكايات تتهاطل من حولي.. وعلى طاولة قريبة يجلس رجلٌ مكتملُ الأناقة يطالع ساعة معصمه في انتظار رفيقته التي تأخرت كثيراً كعادة جميع النساء.
الورقة لا تكاد تكفي، والشاب العشريني الذي يلتصق بجوار فتاة مراهقة يلتفت إليّ بين الحين والآخر منزعجاً من وجودي.. وتدّعي فتاته أنها تريهِ شيئاً على شاشة هاتفها الجوال، ليقترب منها أكثر.. وثلاثة رجال يجلسون على طاولة بعيدة، يحتسون قهوة سوداء ويدردشون في السياسة..
جاء رجل وامرأة.. جلسا حول الطاولة المحاذية لي تماماً، كانا يثرثران بصوت عالٍ جداً عن اقتراب شهر رمضان والعيد وأزمة المصارف، لم أعد في حاجة إلى دليل لأتأكد من أنهما زوجان.. بعد قليل جاءته مكالمة هاتفية، من شخص اسمه صالح، هكذا ناداه عبر الهاتف بصوت مرتفع جداً قائلاً: “لا تقلق ياصالح نعم لديّ رصيد في البنك”، ثم- وكاحتراز أمني ليبي- انسحب نحو زاوية بعيدة من المقهى ليهمس إلى صالح بقيمة حسابه في البنك… انتهز فرصة الزاوية البعيدة وأجرى مكالمة أخرى بصوت هامس جداً (ليس نفس الصوت الذي تحدث به مع صالح ولا مع زوجته).
الورقة لم تعد تكفي، والشاب العشريني طلب المزيد من الأطباق للفتاة: جاتوه، عصير طازج، أيس كريم، كروسان بالشيكولاتة، أخذ يطعمها بيديه، وهي تقترب أكثر،، وتقرب شفتيها أكثر… والأغنية الهابطة تصدح.. والرجل المكتمل الأناقة مازال ينتظر.. ورفيقته تأخرت كثيراً كعادة جميع النساء.