الزواج هو الخطوة الأولى لإنشاء الاسرة بطريقة شرعية … تجمع ما بين روحين وتدمج هويتين وتقارب بين عائلتين … هو خطوة في مشوار طويل يختبر فيه الطرفان كل شيء ويخوضان كل التجارب … قد يصمد بيت الزوجية ويكون قلعة في وجه اعاصير الحياة … وقد يتهاوى ويتلاشى … وقد يتأرجح بين الاثنين … هذه هي قوانين الحياة وهذه هي شروطها …
يحتاج الزواج الآن الى الكثير من الجهد والعمل والتضحيات ليصمد ويستمر … ربما أكثر من أي زمن مضى … فالاختلافات الفردية بين الناس صارت عميقة ولا يمكن طمسها أو نكرانها … ذهب زمن التشابه والتماثل الذي كان يسمح للفتاة من ان تنتقل بسلاسة من بيت ابيها الى بيت زوجها … ومضى الوقت الذي كانت فيه الاسر تمثل بناء اجتماعي متماسك على قمته سلطة كبير لا ترد له كلمة … والذي كان يسمح ويتطلب العيش المشترك بين الأسر والأجيال.
يحتاج الزواج الآن إلى الكثير من الإنفاق ويواجه الكثير من التحديات … فالتحدي الأول هو إيجاد السكن … هذا الحلم المستحيل الذي تعبر أزماته عن فشل ذريع لدى السلطات والمجتمع … من اين لشاب في بداية حياته بهذا المبالغ الهائلة التي يتطلبها الحصول على شقة؟؟ …والتحدي الثاني هو في توفير الدخل الملائم الذي يكفي نفقات الاسرة … التي تواجه متطلبات متزايدة كلما نمت الاسرة وازداد عدد افرادها.
الزواج مسئولية مشتركة للجميع … للزوج وقدرته على قيادة السفينة والمحافظة عليها … وعلى ادراكه ان القيادة لا تعنى الهيمنة والتسلط وانما لباقة التوجيه ورشاقة الابحار …للزوجة بدعمها لجهود الزوج وبتفهمها لظروف الحياة وتعقيداتها … وكونها السند الأكبر للزوج والعمود الفقري للبيت … الزواج يتحول الى أجمل وأثمن التجارب إن ساده الاحترام وعززته الثقة وزينته المودة …
الزواج مسئولية لعائلات الزوجين وقدرتهما على تقديم العون والدعم … دونما فرض وصاية على الزوجين وإنما منحهما الحرية ليشكلا حياتهما كما يريدان …وأدراك ان لكل بيت خصوصيته وشكله الفريد … فالقدرة على ضبط الميل الغريزي للتدخل هو ضمان لنجاح التجربة الجديدة …
الزواج هو أيضا مسئولية للدولة والمجتمع والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية … فأزمة السكن على سبيل المثال لا يمكن تركها لتقع على عاتق الزوجين أو الاسرتين وانما حلولها يجب ان تنبع من مشاريع تنموية واسكانية تستهدف توفير السكن الملائم وتعزيز قدرة الفرد على العيش الكريم …
السكن الملائم من كافة النواحي البيئية والاقتصادية والاجتماعية والجمالية يجب ان يتحول الى الشغل الشاغل للجميع … المصارف وشركات المقاولات والمستثمرين على سبيل المثال يجب ان يبحثوا عن وسائل لتوفير تمويل لمشاريع الاسكان وجعلها اولوية لديهم…
كليات الهندسة والجمعيات الهندسية عليها ان تلعب دورها بالبحث عن سبل لإبداع تصاميم للبيوت تقلل من تكلفتها الباهظة وتقلل من المدة الزمنية المطلوبة لاستكمالها… جهات التصنيع والاستيراد تبحث عن سبل توفير مواد البناء والاثاث والمواد الصحية وغير ذلك من مستلزمات بناء المساكن … هناك العديد من الدول التي نجحت في حل مشكلة الإسكان بتحويلها الى مشروع وطني تنموي يشارك فيه الجميع …
اعرف ان مثل هذا الطرح يبدو خياليا في هذه الظروف التي نمر بها… ولكني ايضا أعرف … ان دوام الحال من المحال والظروف لن تبقى للأبد … واعرف ان كل الحلول التي تحققت في العالم قد بدت في ساعات طرحها طوبائية وخيالية … واعرف ايضا ان الجدية في التعاطي مع المشكلات هي الشرط الأول والاساسي للبحث عن حلول لها … وان كل تغيير في العالم يبدأ من الافكار.