قال لي بثقة مفرطة و بشكل مفاجئ :
للإبداع وجه آخر !
فقلت له مازحا ، كعادتي معه في مفتتح أي حديث :
يا ساتر !
فضحك و قال متسائلا ، بعد أن لكزني في كتفي :
تقليب صفحات كتاب و قراءته ، هو الدخول في زمن آخر ، أليس كذلك ؟!
قلت له مازحا :
هل هذه فلسفة ؟!
قال مؤكدا :
كما تشاء ، إذا كانت الفلسفة ، تعني الاستنارة !
فسألته جادا هذه المرّة :
استنارة ، هذا قول جميل ؟!
فقال مبتسما :
أجل ، فتقليب صفحات كتاب ، و قراءته ، هو استقطاع من الزمن الواقعي ، و استبداله بالولوج إلى عالم الزمن الافتراضي !
قلت له زيادة في طلب الإيضاح :
هم ، و لكن كيف ذلك ، هل من أمثلة ؟!
فاستدار ناحيتي بشكل كامل و قال ، و يداه لا تكفان عن الحركة و التعبير :
خذ عندك ، تأخذ الرواية ، مثلا ، من وقتك ، بضع ساعات من الزمن الواقعي ، متواصلة أو متقطعة ، و لكنها تنقلك إلى زمن افتراضي قد يمتد إلى سنوات ، من خلال سرد الأحداث و الوقائع ، ومن خلال الحوارات بين الشخوص أو بين الشخصيات و ذواتها !
و عندما لم أعلّق ، مكتفيا بابتسامة رضى و توافق ، تحفّز و قال :
ماذا يمكن أن نسمي ذلك ، هه ؟!
أليس حقا ، للإبداع ، وجه آخر ؟!
فقلت له منبهرا و مستسلما في آن :
أجل ، حقا ، للإبداع ، وجه آخر !
فتشجع و أخرج من جرابه عدة قصاصات و قال :
اسمع ، هذا شيء كتبته عن الفن و الإبداع الأدبي ، يؤكد ما قلته لك الآن ، و أريدك أن تسمعه !
و شرع ، دون انتظار رد مني ، في قراءته مستمتعا ، و بصوت بدا عميقا و واضحا ، كما يلي :
للفن و الإبداع الأدبي , عموما ,
منطق ,
لكنه , خارج نطاق منطق العقل !
الفن و الإبداع الأدبي ,
هما الوحيدان القادران على اختراق الحجب !
الفن و الإبداع الأدبي ,
لا يعطيان إجابات ,
هذا ليس من اختصاصهما ,
إنهما يطرحان الأسئلة , فقط !
الفن و الإبداع الأدبي ,
لا يخدعان ,
فهما من يمنحان للحياة معنى !
الفن و الإبداع الأدبي ,
سلاح القوة الناعمة ,
و ركيزة من ركائز الحضارة !
الفن و الإبداع الأدبي ,
ليسا مصدرا للمعلومات و الأخبار ,
إنهما يسربان إيحاءاتهما فقط !
الفن و الإبداع الأدبي ,
لا يدعوان إلى يقين جاهز ,
إنهما يدفعان إلى معانقة الشك النبيل !
الفن و الإبداع الأدبي .
نسيم ناعم ,
في نهار فائض !
جرعة ماء منعشة ,
في صحراء تحترق !
الفن و الإبداع الأدبي ,
رسائل للسمو و النبل ,
و دعوات للصعود إلى ذرا عالية ,
حيث تفوح روائح أزهار اللوز ,
و تشرق الشمس ,
بضوء البرتقال !